الستر مسئولية كل «مستور» - أميمة كمال - بوابة الشروق
الثلاثاء 23 أبريل 2024 11:59 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الستر مسئولية كل «مستور»

نشر فى : الأحد 13 يناير 2013 - 8:45 ص | آخر تحديث : الأحد 13 يناير 2013 - 8:45 ص

بدلا من أن يخرج رئيس الشركة الشرقية للدخان معتذرا، لكل مدخن نام مهموما، يوم الثلاثاء الماضى، عندما وصل إلى مسامعه أن الشركة الوحيدة فى مصر المنتجة للسجائر المحلية والأجنبية، قد رفعت أسعارها ظهر نفس اليوم، بمعدلات كانت كفيلة بجعل الكوابيس تسرق النوم من عينه. بدلا من أن يعتذر رئيس الشركة على أنه قد أصدر قرارا بزيادة السعر بشكل مفاجئ، مستبقا قرار «معلق» من الرئيس مرسى، بزيادة أسعار حزمة من السلع بعد فرض ضريبة مبيعات عليها، ومن بينها السجائر. بدلا من ذلك خرج علينا رئيس الشركة، صباح اليوم التالى متنصلا من القرار، ملقيا بتبعاته على غيره، أملا فى أن يخلى مسئوليته من السعر الجديد.

 

•••

 

وبالرغم من أن الله قد من على بنعمة كراهية رائحة السجائر، فإننى كنت على استعداد للانضمام إلى أى حركة احتجاجية، يقوم بها المدخنون ضد رئيس الشركة. الذى تسبب فى أن يدفع المدخن المغلوب على أمره ما بين 25 و75 قرشا، زيادة سعرية طبقا لتصنيفه الطبقى، وما إذا كان من مدخنى المحلى أم المستورد. إلا أننى سرعان ما تراجعت عن استعدادى للمشاركة فى أى احتجاج على ذلك المسلك، الذى ما إن ركزت قليلا، حتى أدركت أن الجميع قد غض البصر تماما عن فعل مماثل، أتى به الرئيس محمد مرسى دون أن يخرج ضده أحد.

 

أليس الرئيس مرسى هو من اصدر أربعة قرارات جمهورية تتعلق بفرض ضرائب مبيعات على ما يزيد على 20 سلعة، وضريبة دمغة، وزيادة رسوم على عدد من الخدمات، وتعديلات على ضريبة الدخل. وما إن ظهرت موجة من الرفض الشعبى لهذه القرارات، حتى ألغاها منتصف ليل ذات اليوم الذى أصدرها فيه؟

 

وبنفس مسلك رئيس الشركة الشرقية، تصرف السيد الرئيس. فقد خرج من مأزق الغضب الشعبى ضد القرارات التى كان سيقع العبء الأكبر منها على الفئات التى بالكاد يدق الستر بابها. وألقى مسئوليتها بالكامل على عاتق ممتاز السعيد وزير المالية السابق. الذى بلع التهمة، دون أن ينطق بأن القرارات من أولها لآخرها، تحمل توقيع سيادة الرئيس، وليس وزير المالية.

 

وما فعله رئيس الشركة الشرقية يتضاءل كثيرا أمام مافعله السيد الرئيس. لأن فعلة الأول كان ثمنها رفع أسعار السجائر، وذهاب حصيلة الزيادة السعرية للتجار، وليس للحكومة، أما فعلة السيد الرئيس فكانت تداعياتها رفع أسعار عدد كبير من السلع فى السوق، انتشرت عدواها، وطالت سلعا لن يفرض عليها الضريبة. خاصة أن وقت سيادته لم يتسع لإصدار قرار رسمى يلغى تلك القرارات. فظلت سارية قانونا حتى الآن. وأشاعت مناخا مخيفا من احتمالات زيادة جديدة فى الأسعار، بعد إصدار القرارات الموقوفة مرة أخرى. لأن ما تتم زيادته من أسعار لا يمكن العودة عنها، ولا بأى مرسوم رئاسى. فالسوق أقوى من الرئاسة.

 

•••

 

ولكن إذا كان وزير المالية، الذى دفع منصبه الوزارى ثمنا لتنظيف سجل الرئيس من معاداة الطبقات التى فاتها قطار الستر. وقبل راضيا أن تلبسه التهمة التى روجتها قيادات حزب الحرية والعدالة، من أنه أوقع رئيس الجمهورية فى حفرة هذه القرارات الملغمة. فمن أين سيأتى السيد الرئيس بمن يحمل وزر إصدار ذات القوانين، والتى يؤكد معظم وزراء الحكومة الحالية أنها ستعود مرة أخرى للتطبيق، بعد تهذيبها؟ البعض يرشح الدكتور هشام قنديل رئيس الوزراء، والذى افتداه وزير المالية هذه المرة، وربما ليجد الرئيس بديلا له يقدمه فدية لتمرير القرارات، بدون آثار جانبية على الذات الرئاسية.

 

وتهذيب القرارات الرئاسية الموقوفة، قبل إصدارها من جديد، وتنقيتها من البنود التى تسحب بساط الستر من تحت أقدام الفئات التى مازالت تتشبث بأطرافه، ليست بالمهمة السهلة. فهى محفوفة بالمخاطر، لأنه مطلوب أن تصدر بدون ضجيج جماهيرى، يهدد بقطع حبل الوصال بين الحكومة وبعثة صندوق النقد الدولى، التى ستأتى للقاهرة فى نهاية يناير الحالى. والخطر الآخر ألا ينجح المتصدون لهذه المهمة فى إنجاز مهمتهم، فيؤثر ذلك على نتائج الانتخابات البرلمانية الشهر المقبل، بما لا يحمد عقباه.

 

•••

 

وربما لا تحمل لنا محاولات تهذيب القرارات الرئاسية هذه جديدا، وهو ما لا يبعث على الأمل. فالحكومة فى مبادرتها التى أطلقتها للانطلاق الاقتصادى لم يعنها كثيرا رفع البنود التى تلقى بأعباء جديدة على الطبقات المستورة بالكاد. ونظرت إلى هذه الطبقات باعتبارها مازالت قادرة على تحمل المزيد من الأعباء. لذلك لم يتحمس معظم المسئولين الحكوميين لإعفاء بعض السلع الضرورية من ضريبة المبيعات مثل الزيوت التى رفعت الضريبة عليها 13 ضعفا، والمنظفات المنزلية التى ارتفعت بنسبة 100%، والمنتجات المصنعة من الدقيق مثل المكرونة، والعجائن التى زادت بنفس النسبة، وكذلك الشيبسى، وأغذية الأطفال من الذرة التى فرضت عليها ضريبة 10%.

 

وعندما تصدت لذات المهمة أحدى منظمات الأعمال التى تعتبر «ذراع البيزنس» لجماعة الأخوان المسلمين، وهى جمعية «إبدأ» التى تضم عدد لابأس به من كبار رجال الأعمال الأخوانيين بالهوى، وبالكارنية، وعقدت مؤتمرا منذ أيام خصيصا لهذه القضية. بدا أن المشاركين فى المؤتمر ليس لديهم الكثير ليقدموه للطبقات المستورة بالكاد. اللهم ماطرحه البعض من الدعوة لزيادة سعر ضريبة الدخل على أصحاب الدخول المرتفعة إلى 30% بدلا من الحد الأقصى الحالى عند 25%. بينما لم يتحمسوا إطلاقا لما طرحه الدكتور سلطان أبوعلى وزير الاقتصاد الأسبق الذى دعاهم إلى تبنى ضريبة الثروة بنسبة 10% التى تدفع لمرة واحدة، من جانب أثرياء هذا البلد. وقدر حصيلتها بحوالى 70 مليار جنيه. وهو ما يعنى الاستغناء عن فرض ضريبة مبيعات على الفئات الأقل دخلا.

 

وتستر بعضهم وراء مصالح محدودى الدخل، ليتحدث عن رفض خضوع عمليات بيع وشراء العقارات لضريبة قدرها 2.5%. وكأن محدودى الدخل لديهم ما يبيعون ويشترون به العقارات. فى حين اقترح بعضهم أن يتم فرض ضريبة على الودائع بالبنوك، ودفاتر التوفير التى هى ملاذ وستر لفئات واسعة من المصريين. وتحت نفس لافتة حقوق محدودى الدخل، طالب بعضهم بعدم إخضاع الجمعيات الخيرية، والأحزاب للضرائب. دون أن نعرف ماشأن محدودى الدخل، ولماذا لا يعلنون مقصدهم الحقيقى وهو تحصين الإخوان المسلمين حزبا وجماعة ضد الضرائب؟

 

ولم يستطع رجال الأعمال إلا أن يدافعوا عن حقهم فى الحفاظ على أرباحهم، واستثماراتهم، ومبيعاتهم، والمحافظة عليها. فحتى عندما حاول ممثل شركة البيبسى كولا الدفاع عن عدم تطبيق ضريبة المبيعات على المياة الغازية، لم يتحدث عن حق أطفال الطبقات المتواضعة، فى التمتع بمذاق زجاجة المياه الغازية، التى لا تدخل فى مصاف الاستهلاك الترفى. لكنه تحدث فقط عن مخاطر تخفيض الطلب على سلعته بنسبة 15%. وإن الشركة لن تعود تعمل بأقصى طاقتها كما كانت، وهو ما يهدد أرباحها بالانخفاض.

 

•••

 

ولأن الطبقات المستورة بـ«العافية» ولا يفصلها عن الفقر إلا خطوة، لن تجد لها موقع قدم لا بين أروقة الحكومة، ولا وسط مجتمعات الأعمال. فعليها أن تبدع لنفسها حوارا مجتمعيا صحيا بديلا، يفرض نفسه على ساحة أصحاب القرار. تتبادل فيه الرؤى، وتتشبث فيه بالحقوق، وتستطيع معه أن تدافع عن حقها فى العيش داخل دائرة الستر. وإلا لن يسترها أحد. لا الحكومة ولا رجال أعمالها.

أميمة كمال كاتبة صحفية
التعليقات