هزائم المنتخب واقتصاديات الكرة - مدحت نافع - بوابة الشروق
الخميس 25 أبريل 2024 8:08 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

هزائم المنتخب واقتصاديات الكرة

نشر فى : الإثنين 13 يونيو 2022 - 10:30 م | آخر تحديث : الإثنين 13 يونيو 2022 - 10:30 م
الهزائم المتلاحقة التى يحققها منتخب مصر لكرة القدم يمكن ردها جميعا إلى أصل واحد وهو الإدارة العشوائية لهذا الملف الهام، الذى تنبع أهميته من الشعبية الواسعة لتلك اللعبة، وقدرتها الاستثنائية على تفريغ الطاقة السلبية للجماهير فى التشجيع والممارسة.
من مظاهر العشوائية فى إدارة ملف كرة القدم تضارب التصريحات، وشعبوية القرارات لمغازلة الرأى العام الرياضى، وكثرة التغييرات فى الإدارة الفنية للفرق بغير طائل، وضعف المركز التفاوضى لمصر إقليميا ودوليا دون استرداد حقوق المنتخب والأندية فى المنافسات، والشواهد على ذلك كثيرة؛ فبين مباراة لنهائى كأس الأمم الإفريقية تعرض خلالها المنتخب المصرى لمختلف أنواع الانتهاكات، ثم عجز اتحاد الكرة عن إعادة المباراة أو توقيع الاتحاد الدولى للجزاء المناسب على الفريق السنغالى المنافس، وبين مباراة أخرى لا تقل أهمية، للنادى الأهلى المصرى ونادى الوداد المغربى فى نهائى دورى أبطال إفريقيا، أقيمت على أرض مغربية بما يضعف بشكل ملحوظ من تكافؤ الفرص بين الفريقين، ولم يستطع اتحاد الكرة المصرى إقناع الاتحاد الإأفريقى بإقامة المباراة فى ملعب محايد، أو حتى إقامة مباراة أخرى فى مصر والاحتكام إلى نتيجة اللقاءين!... هناك الكثير من المواقف التى اختلف فيها وضع مصر فى محيطها الإقليمى على الأقل عما كانت عليه منذ عقود.
الهزيمة من منتخب إثيوبيا بهدفين نظيفين وعلى أرض محايدة، لن تكون الأخيرة ولا الأكثر حطا من قدر كرة القدم المصرية، إذا لم يتم إدارة هذا الملف بشكل مختلف وبفكر اقتصادى وتنموى فى الأساس. لدى العديد من اتحادات الكرة الحديثة نوع من الاستراتيجيات الشاملة ذات الرسالة والرؤية التى تحدد أهدافها وغاياتها. تدرك الاتحادات الوطنية فائدة وجود استراتيجية لأنها توفر تركيزا وتوجيها واضحا ومنسقا وذا أولوية لكل من يشارك فى أعمال الاتحاد، وكذلك أصحاب المصلحة الخارجيين. ولكى يضع الاتحاد المصرى رؤيته الخاصة عليه أن يبدأ أولا بتحليل وضعه الحالى بشكل دقيق، والاستفادة من التجارب الإقليمية والدولية وجميع الخبرات من ذوى الصلة وأصحاب المصالح فى بلورة استراتيجية واضحة المعالم، لتنمية وتطوير كرة القدم فى عموم مصر.
ويظل تنفيذ الاستراتيجية رهنا بتطوير خطط تنفيذ واضحة، يتم دمجها عادة فى خطط العمل والموازنات السنوية وبيانات التخطيط المالى للاتحاد. تلك الخطط يمكن أن تنقسم إلى خطط إدارية وأيضا إلى أهداف فردية للعاملين بالاتحاد مع تنسيق إطار سلوكى لضمان التنفيذ بأكبر قدر ممكن من الفاعلية. وفى كل الأحوال يتوقف نجاح الاستراتيجية على وجود آلية لمتابعة التنفيذ وإعداد التقارير الدورية الكاشفة عن الأداء.
• • •
وبينما يمارس 270 مليون شخص هذه الرياضة على مستوى العالم، فإن نحوا من أربعة مليارات شخص يعتبرون أنفسهم من عشاق كرة القدم، ذلك التأثير الكبير يؤدى حتما إلى تأثير اقتصادى واجتماعى يتجاوز اللعبة والرياضة. وقد سعى الاتحاد الأوروبى لكرة القدم UEFA إلى إيجاد صيغة لقياس القيمة المضافة لتلك اللعبة، إذ طور نموذجا للعائد الاجتماعى على الاستثمار، يحدد التبعات الاجتماعية الإيجابية لكرة القدم وتأثيرها الاقتصادى العام. منذ عام 2017 وحتى مطلع العام الماضى تم تطبيق نموذج العائد على الاستثمار الاجتماعى فى 25 اتحاد كرة قدم وطنيا بأوروبا، وبحسب التقارير، فإن إجمالى 8.6 مليون لاعب كرة قدم مسجل فى هذه البلدان يولدون ما قيمته 39.5 مليار يورو من الآثار الاقتصادية والاجتماعية والصحية الإيجابية. وعلى الرغم من كون نسبة معتبرة من تلك القيمة (10.8 مليار يورو) تأتى مباشرة من رسوم العضوية، وخلق فرص العمل والاستثمار فى المرافق، فإن نصيب الأسد ومقداره 28.6 مليار يورو مستمد من مزايا ووفورات غير مباشرة متعلقة بالتعليم، والاندماج، وتقليل معدلات الجريمة، وتحسين الرفاهية، وتخفيض مخاطر الإصابة بالنوع الثانى من داء السكرى وأمراض القلب...
يعول نموذج العائد على الاستثمار الاجتماعى على الدروس المستفادة من الصيغة التى طورها «كراب» فى عام 2013 للوقوف على الأثر الاقتصادى المستمد من التأثيرات الاجتماعية الإيجابية لممارسة الرياضة. تحدد الصيغة احتمالية تحول أنواع مختلفة من الأشخاص إلى الجريمة، والتسرب من التعليم، وتعاطى المخدرات، والسمنة، مقابل النسبة المئوية لمدى تخفيض تلك المخاطر من خلال ممارسة الرياضة العادية. وعندما نعرف التكلفة المالية للنتيجة السلبية، يمكن حساب وفورات التكلفة لهذا الفرد الذى يتجنب النتيجة السلبية (أى لا يتحول إلى جريمة، أو يصبح مريضا بالسمنة المفرطة، أو ينقطع عن التعليم...).
فى ثلاثة مشروعات تجريبية، ساعد الاتحاد الأوروبى لكرة القدم اتحادات كرة القدم الألمانية والإستونية والألبانية على تطبيق نموذج العائد على الاستثمار الاجتماعى، لإظهار الفوائد الاقتصادية السنوية لكرة القدم داخل كل دولة. وقد كان التأثير الاقتصادى مذهلا إذ تم تقديره بنحو 13.9 مليار يورو فى ألمانيا، و79.1 مليون يورو فى إستونيا، و45.2 مليون يورو فى ألبانيا، لكن نظرة أعمق تكشف عن بعض النتائج الأكثر أهمية فى المجال الصحى والاجتماعى. هناك أيضا بعض الآثار الاقتصادية السلبية التى تتحملها كرة القدم، مثل إصابات الملاعب، فى ألمانيا على سبيل المثال قدرت تكلفة التعامل مع تلك الإصابات بنحو 44.4 مليون يورو فى عام واحد.
• • •
إذا أدرك اتحاد الكرة المصرى أهمية دوره الاجتماعى والاقتصادى فإن كثيرا من القرارات التى تطهى فى أروقته سوف تختلف، بل إن قرارات الناخبين الذين صوتوا لصالح الاتحاد كانت لتختلف بشكل ملحوظ، لتتحرى أن يكون عضو مجلس إدارة الاتحاد مؤهلا لاتخاذ قرارات لها أثرها الاقتصادى والاجتماعى البالغ، وأن تكون استراتيجية الاتحاد المنتخب متسقة مع برامج المرشحين لنيل شرف عضوية المجلس. أما إذا لم تر الدولة ممثلة فى وزارة الشباب والرياضة، وسائر الأجهزة المعنية أهمية هذا الاتحاد، وتوافق المجتمع على تأخير دور كرة القدم كعامل مؤثر على مختلف المستويات ــ وهو أمر مستبعد ــ فعلينا أن نتوقف فورا عن إهدار المال العام فى الإنفاق على تلك الرياضة، وإعادة توزيع الاهتمام على رياضات أخرى يمكن أن تحقق أهدافا تنموية وترقى بسمعة مصر فى المحافل الرياضية على نحو أفضل.
لكن إدارة منظومة الكرة بقرارات يومية تصدر كردة فعل لنتيجة مباراة! أو كمحاولة يائسة لامتصاص الغضب الشعبى من تردى الأداء، فإن التبعات السلبية لتلك الإدارة تضيف إساءة إلى سمعة مصر تتعدى وقع الهزائم والتمثيل غير المشرف فى البطولات، كونها تعكس تخبط الإدارة وغياب الرؤية والتخطيط عن ملف دقيق له أهميته الكبيرة فى مختلف دول العالم.
بداية تطوير منظومة كرة القدم تبدأ من الاعتراف بالمشكلة، ومن ثم حوكمة الأجهزة المسئولة عن تلك المنظومة على نحو يمنع استشراء الفساد بصوره المختلفة، بداية من شيوع الوسائط والمحسوبية فى اختيار الأجهزة الفنية والإدارية واللاعبين، إلى شتى أنواع الفساد المالى الذى من الممكن أن يهدر المليارات فى عقود وهمية لا تحقق إلا المزيد من الهزائم وتراجع تصنيف الفرق المصرية. ولا يخفى على أحد شيوع قضايا الفساد المالى فى مجال كرة القدم، بما لم يسلم منه الاتحاد العالمى ذاته وعدد من قياداته على مدى الزمن.
ما يصح فى مجال لعبة كرة القدم ينسحب على سائر الألعاب، وما يصلح به شأن اتحاد كرة القدم يمكن تعميمه على سائر الاتحادات والأجهزة فى مصر، بل إن صلاح منظومة سوق المال والتأمين والتمويل العقارى رهن بحوكمة دور الرقيب المنظم، كما سبق أن أشرنا فى مقالات سالفة، بما يضمن حماية آليات السوق وعدم فرار المستثمرين، وتحقيق مزيد من الهزائم المسيئة لسمعة مصر فى مضمار آخر.
• • •
بقى أن أختم المقال بعزاء واجب فى رجل صناعة وتجارة رحل عن عالمنا منذ أيام بهدوء مؤلم، وهو وزير الصناعة والتجارة السابق المهندس «عمرو نصار» الذى كان يتمتع بخلق دمث وأدب جم، ونظرة ثاقبة فى مجال تنمية صناعة السيارات فى مصر، رحم الله الفقيد وألهم أسرته وذويه الصبر والسلوان.
مدحت نافع خبير الاقتصاد وأستاذ التمويل
التعليقات