هل نحن طائفيون؟ - صحافة عربية - بوابة الشروق
الأربعاء 24 أبريل 2024 8:19 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

هل نحن طائفيون؟

نشر فى : الأحد 13 أكتوبر 2019 - 10:20 م | آخر تحديث : الأحد 13 أكتوبر 2019 - 10:20 م

نشرت جريدة الشرق الأوسط اللندنية مقالا للكاتب «حازم صاغية»، وجاء فيه ما يلى..

مظاهرات العراق، الجبارة والشجاعة، أثارت فى بعض وسائل التواصل الاجتماعى، وفى عدد من المقالات الصحفية، مسألة الطائفية: هل نحن طائفيون؟

بعضنا، ممن ينفون الطائفية عنا، وجدوا فى الحدث الكبير برهانهم الساطع: لقد تظاهر أبناء المناطق المأهولة بالطائفة الشيعية ضد حكام من الشيعة وضد ميليشيات تنتسب إلى الطائفة ذاتها وترعاها طهران، أحد الهتافات التى ترددت فى المظاهرات يقول: «سنة وشيعة.. هيدا الوطن ما نبيعه». إذن، كما استنتج البعض، لا توجد طائفية فى العراق.
الهتاف المذكور، للأسف، لا يعنى الكثير، إنه قد يوحى عكس ما يقوله، تبعا لتركيزه على «السنة والشيعة»، إنه يجهد لنفى الخلاف بين الطائفتين بما يسلط الضوء على الخلاف، هذا قد يذكر برفع الهلال والصليب وهما يتعانقان فى لبنان، خصوصا فى المناسبات التى يراد فيها تأكيد لبنانية اللبنانيين ضدا على طائفيتهم، مع هذا، فإنهم... طائفيون.
أما أن ينتفض محكومون شيعة ضد حكام شيعة فهذا، بدوره، لا يكفى لنفى الطائفية. ذاك أن الأخيرة ليست رابطة مطلقة تلغى كل تناقض فى داخلها، وتعدم كل مستوى آخر من مستوياتها الكثيرة. فهناك بالطبع شيعة أغنياء وشيعة فقراء، وهناك بينهم أجيال مختلفة، وهم آتون من مناطق شتى، ويحملون ثقافات فرعية متباينة، كما أن بعضهم أقل تحملا للسيطرة الإيرانية من بعضهم الآخر. الفريق عبدالوهاب الساعدى، الذى ارتبطت باسمه هزيمة «داعش»، شيعى، أما الذين أزاحوه وأودعوه الإقامة الجبرية فشيعة أيضا، مؤخرا فى لبنان اعتصم ناشطون وناشطات شيعة أمام المجلس الإسلامى الشيعى الأعلى، لإحياء ذكرى الناشطة الراحلة نادين جونى التى «قتلتها» محاكم الطائفة قبل أن يقتلها حادث سير.
والحال أن ما من رابطة مطلقة، طائفية أو غير طائفية، تنوب بالكامل عن سائر الروابط الاجتماعية، لا فى العراق ولا فى سواه من البلدان، وغالبيات السكان فى منطقتنا قد تكون طائفية ووطنية ومناطقية وطبقية فى وقت واحد، مع تحول فى جرعات المركب هذا تبعا لعوامل كثيرة، أهم من ذلك، وأشد تعيينا للواقع، أن الصدام الشيعى ــ الشيعى يحصل فيما «الآخرون» خارج الصورة: الأكراد العراقيون يعيشون همومهم ويخوضون معاركهم بالاستقلال التام عن معارك العراقيين العرب وهمومهم، والعكس صحيح. السنة العراقيون، بدورهم، مشاركتهم فى المظاهرات ضئيلة، إن لم تكن رمزية، لأسباب لا يمكن فصلها عن التنازع السنى ــ الشيعى الذى انفجر فى 2006 حربا أهلية، ذاك أن واقع الغلبة الطائفية حول الظهور الجمعى للسنة إلى موضع اشتباه أو فعل تجرؤ. السبب؟ تهمتا البعثية والداعشية اللتين استخدمتا وتستخدمان لإبقاء السنة خارج الفعل السياسى، هكذا تصرف المتظاهرون تصرف من يحتج داخل بيته على أفراد آخرين من الأسرة نفسها، دون أن يخاف استغلال الأسر «الغريبة» لاحتجاجه. وليس بلا دلالة أن أربعينية الإمام الحسين محطة ينتظرها الجميع، إما كمناسبة لتصعيد التظاهر أو لتبديده الاستباقى كما تريد السلطة.
لا يقصد بهذا أن الطائفية قدر العراقيين وسواهم من العرب، أو أنها معطى جامد لا يقبل التغيير. المقصود هو استبعاد التبسيط والوقوع فى إغراء الصورة الوردية كما ترسمها المظاهرات أو أحداث أخرى مشابهة وسريعة العبور. وميلنا إلى الوقوع فى هذا الإغراء كبير: فما هو حديث وعصرى فينا يجعلنا نخجل بأن نسمى طائفيين (أو عشائريين)، فنبادر إلى الاستهجان. وما هو نرجسى فينا يأبى الإقرار بأننا «أقل» من الشعوب التى لا توصف بالطائفية، فنبادر إلى النفى. هكذا، وفى استخدام بالغ السخاء للعنصرية أو للاستشراق، نروح نرمى بهما كل افتراض يجرح حداثيتنا ونرجسيتنا. نروح أيضا نرد هذه «الآفة اللعينة» إلى عامل خارجى، أكان نظاما كنظام صدام حسين أو نورى المالكى، أو بلدا كأمريكا أو إيران وقبلهما السلطنة العثمانية. هؤلاء من غير شك ساهموا، على نحو أو آخر، فى تمكين الطائفية وتعزيزها، وبمجموع أفعالهم جعلوا الطائفية على ما هى عليه. لكن هؤلاء لا ينوبون عن البنى الاجتماعية التى استثمروها واستثمروا فيها. وتاريخ العراق الحديث، كما تاريخ بلداننا جميعا، ليس مبرأ من تلك «الآفة اللعينة».
هناك مسألة أخرى تستوقف الناظر: إن أنظمة الاستبداد القومى تقدم رواية غير طائفية عن عالمها وعن العالم. فى هذه الرواية، نحن شعب واحد لا يقبل الانقسام والتجزئة. نحن إخوان. كل من يتحدث عن فوارق وتمايزات إما ضال ساذج أو مضلل مشبوه. لهذا يستحسن بالذين يريدون التغيير ألا يستخدموا حجارة الأنظمة نفسها لبنائهم الجديد الموعود. إن الإقرار بالتعدد والاختلاف، لا بالواحدية الكاذبة، هو ما يمهد للإعداد الطويل الذى لا بد منه لمن يريد تخطى الثورة المضادة الراهنة. فـ«الشعب» ليس واحدا، ونحن لا نجعله واحدا بالإنكار، لا فى العراق ولا فى سواه. أما أن تتلطخ صورتنا قليلا فهذا قد يكون ضريبة لا مهرب من دفعها كى نتحلى بالمسئولية عن بلدان منكوبة.

التعليقات