تأثر الفقراء بزيادة أسعار الوقود - محمد القرماني - بوابة الشروق
الأربعاء 24 أبريل 2024 9:19 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

تأثر الفقراء بزيادة أسعار الوقود

نشر فى : الأحد 13 نوفمبر 2016 - 9:20 م | آخر تحديث : الأحد 13 نوفمبر 2016 - 9:20 م
بالتوازى مع قرار البنك المركزى المصرى تعويم سعر صرف العملات الأجنبية أمام الجنيه المصرى أصدرت الحكومة قرارا برفع سعر الوقود فى خطوة متوقعة منذ فترة فى إطار محاولات السيطرة على النقص الحاد فى الاحتياطى النقدى الأجنبى وترشيد الدعم الحكومى للمنتجات البترولية التى تستنزف جزءا ليس بالهين من ميزانية الدولة. وبهذين القرارين إضافة إلى تطبيق ضريبة القيمة المضافة التى أقرتها الحكومة منذ أسابيع قليلة تكون الحكومة قد نفذت الجزء الأهم والأكبر من الإصلاحات القاسية والضرورية فى الوقت ذاته التى أعلنت عنها منذ فترة طويلة.
بالرغم من قسوة تلك الإجراءات وتبعاتها الاقتصادية والاجتماعية الصعبة، إلا أنه ثمة إجماع بين الخبراء بمختلف توجهاتهم الاقتصادية والسياسية على أن البدائل المطروحة للنظام السياسى المصرى للتعامل مع الأزمة الاقتصادية الخانقة محدودة للغاية ولم يكن لدى الحكومة المصرية سوى ما اتخذته من إجراءات.

لم تمر دقائق معدودة على صدور قرار رفع أسعار الوقود حتى انهالت تصريحات العديد من الخبراء والسياسيين المؤيدة لقرار الحكومة باعتباره يستهدف الأغنياء غير المستحقين للدعم الحكومى. وبعيدا عن دوافع وقناعات أصحاب هذه الآراء فمن المهم التأكيد على أن الطبقة الوسطى والفقراء بشكل أساسى هم من سيعانون من ارتفاع أسعار الوقود.
***

بدايةً ينبغى الاشارة إلى أنه من الصعب حقيقة تصور أن كل من يملك سيارة فى مصر يعد من الأغنياء، فهناك تفاوت كبير للغاية فى أسعار السيارات يجعل من غير المنطقى أو الصحيح اعتبار زيادة أسعار وقود السيارات تستهدف الأغنياء فقط خاصةً وأن الزيادة غير مربوطة بنوعية معينة للسيارات سواء من حيث قوة المحرك أو سعرها وبالتالى فإن الزيادة ستطول جميع السيارات بصورة متساوية.

الأمر الثانى هو أنه من المعروف أن نسبة إنفاق الأغنياء على المواد البترولية أو وسائل المواصلات بشكل عام إلى إجمالى انفاقهم العام على مختلف السلع والخدمات قليلة. صحيح أنه كلما زاد دخل الفرد زاد انفاقه على السلع التى يستهلكها ولكن هناك نوعية معينة من السلع يستهلكها الفرد بمعدلات ثابتة أو متغيرة فى حدود بسيطة بغض النظر عن مستوى دخله ومن بينها استهلاك وقود السيارات. بخلاف ــ على سبيل ــ شراء الملابس أو التعليم حيث تزيد نسبة الانفاق عليهما بين الأغنياء أكثر من الفقراء. أما الفقراء ومحدودو الدخل فينفقون نسبة كبيرة من دخولهم على وسائل المواصلات والسلع والخدمات الأساسية وبالتالى فإن أى زيادة فى أسعار هذه السلع سيترتب عليها مزيد من الفقر. فعلى سبيل المثال إذا كان دخل الفرد 20 ألف جنيه شهريا ويستهلك 200 لتر من البنزين بإجمالى 520 جنيه قبل الزيادة سيزيد إنفاقه بعد الزيادة إلى 700 جنيه أى بنسبة زيادة 0.9% إلى إجمالى الدخل، أما الشخص المنتمى للطبقة المتوسطة ويبلغ دخله ٤ آلاف جنيه شهريا ويستهلك نفس الكمية فستمثل الزيادة حوالى 4.5% من دخله.


والمتأمل لحجم ونسب الزيادة فى أسعار الوقود يجد أنها لم تراعِ التفاوت بين الطبقات المستخدمة لمختلف أنواع الوقود. حيث تم زيادة سعر لتر البنزين 80 من 160 قرش إلى 235 قرش بزيادة قدرها حوالى 47%، فى حين ارتفع سعر السولار من 180 قرش إلى 235 قرش بزيادة قدرها حوالى 30% فى حين ارتفع سعر لتر البنزين 90 من 260 قرش إلى 350 قرش بزيادة قدرها 34% كما ارتفع سعر المتر مكعب من الغاز من 110 قرش إلى 160 قرش بزيادة نسبتها حوالى 45%.


والواضح أن أعلى نسبة زيادة كانت من نصيب بنزين 80 والذى لا يستهلكه تقريبا إلا أصحاب السيارات القديمة أو الرخيصة وهم من الطبقة المتوسطة بالأساس. أما ثانى أكبر زيادة فكانت من نصيب الغاز الطبيعى الذى يستخدمه عادة سيارات الأجرة وأصحاب الدخول الأقل. كما أن ارتفاع أسعار السولار والذى تستخدمه سيارات النقل الجماعى والميكروباص فمن شأنه زيادة تعريفة الركوب بما لا يقل عن 30 إلى 50% من السعر الحالى وفقا لسوابق ارتفاع تعريفة الركوب وعليه فقد ترتفع أجرة الميكروباص من 3 جنيهات إلى 4.5 جنيه أو أكثر خاصة مع عدم وجود رقابة على سيارات الميكروباص وهو ما يعنى أن الطبقة المتوسطة والفقراء هم الأكثر تضررا من رفع سعر الوقود.
***

حقيقةً لا خلاف على أن أسعار الوقود فى مصر منخفضة بالمقارنة بالدول المماثلة لنا والتى تستورد معظم احتياجاتها البترولية، فضلا عن أنه مع معاودة ارتفاع سعر النفط ونقص احتياطى النقد الأجنبى وملاءمات السياسة الخارجية مع الدول المصدرة للبترول، لم يكن أمام الحكومة الكثير من الخيارات. وأتوقع أن تساهم تلك الزيادة فى خفض ولو بسيط من معدل استهلاك المواد البترولية على المدى القصير مع امكانية انخفاض أكبر على المدى البعيد فى ضوء كون الوقود أحد السلع ذات الطلب غير المرن أى أن نسبة انخفاض الطلب عليها أقل من نسبة ارتفاع السعر بسبب عدم وجود بدائل على المدى القصير.

غير أننى أتمنى أن تدرك الحكومة أن هذا القرار بالإضافة إلى تعويم الجنيه وضريبة القيمة المضافة سيترتب عليهم زيادة كبيرة فى أسعار جميع السلع ومتطلبات الحياة اليومية وسيقع التأثير الأكبر على الطبقات المتوسطة والفقيرة. وأعتقد أنه حان الوقت أن يكون هناك حوار مجتمعى جاد بمشاركة كل الأطراف المعنية من جهات حكومية وخبراء اقتصاديين وسياسيين وممثلى المجتمع المدنى وغيرهم لوضع تعريف واضح وواقعى للفقراء والاتفاق على آليات وسياسات وبرامج من شأنها أن تخفف من حدة الاجراءات الاقتصادية الأخيرة بما فى ذلك مراجعة شاملة لبرامج الحماية الاجتماعية لتكون بالفعل مظلة للفقراء والطبقة المتوسطة وكذا تحسين وتطوير الخدمات الموجهة بالأصل للطبقات الأقل دخلا ومن بينها المواصلات العامة والتعليم الحكومى والتأمين الصحى.
محمد القرماني استشاري السياسات العامة
التعليقات