أفكار وأفكار مضادة - صلاح ابو الفضل - بوابة الشروق
السبت 27 أبريل 2024 2:08 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

أفكار وأفكار مضادة

نشر فى : الأحد 14 يوليه 2019 - 9:00 م | آخر تحديث : الأحد 14 يوليه 2019 - 9:00 م

التحضير لإعلان كوشنر للجرعة الأولى من طبخة القرن سبقته منذ وصل ترامب للحكم، وربما قبل ذلك حملات دعاية وحرب نفسية ملحّة، هدفت للضغط المستمر على الأطراف العربية، لإذابة المقاومة المتوقعة، وقد تواصلت التسريبات والخطط الملفقة لخلط الأوراق وإخافة مصر وباقى العرب حتى إذا وصل كوشنر للمنامة كان الجميع جاهزين للتسليم بالمقدور. لكن الجولة الأولى قوبلت بموقف رافض للفلسطينيين أصحاب القضية، وإعلان حازم من وزير خارجيتنا أنه لا تنازل عن شبر من أرض مصر. غير أن الألغام المنثورة فى الخطة لا تزال تنتظر من سيخطو فوقها، ولذلك يجب علينا أولا الحذر من مواطن الضعف فى مواقفنا وأهمها تضارب المصالح العربية الذى يحول دون موقف موحد، ومشاكل التنمية فى مصر والتى تحد من حريتها فى الحركة. ثم يجب علينا ثانيا مجابهة الخطط المغيرة بأفكار مضادة تقوى مواقفنا وتدافع عن حقوقنا.

***
وأحد الأمثلة لمحاولات تمهيد الأجواء لإعلان الصفقة، خطة شريرة طرحها عدد من الجنرالات الإسرائيليين فى فبراير ٢٠١٨ لاجتماع دار فى الكونجرس الأمريكى، كرروا فيه الزعم بأن حل الدولتين كما جاء فى قرارات الأمم المتحدة لم يعد ممكنا حيث إن (يهودا والسامرة) لم تعد صالحة للدولة الفلسطينية لأنها تخنق خاصرة إسرائيل ولا تترك لها مساحة معقولة من الأرض، كما أن قيام دولة فيها سيهدد أمن إسرائيل المحاصرة ببحر العداء العربى والإيرانى.

وبدون مواربة قدموا تصورات عن مفهومهم لحل الدولتين وهو أن تنشأ دولة فلسطينية مستقلة جديدة ليس فى فلسطين ولكن على الأرض المصرية فى سيناء، ثم تأسفوا على أن الشعب الفلسطينى مزدحم فى غزة ويحتاج لمساحة أوسع يعيش فيها بينما الدول العربية من حولها واسعة وخالية من السكان؛ وقد وجدوا ــ ويا للمفاجأة!! ــ من صور الأقمار الصناعية أن سيناء هى الامتداد الجغرافى الطبيعى لشريط غزة (على طريقة الجرف القاري)، ولذا فالمنطق يقتضى امتداد غزة إلى سيناء وإنشاء الدولة الفلسطينية الجديدة فيها، وأضافوا أن الفلسطينيين فى غزة غير الفلسطينيين فى الضفة الغربية، ولذلك فلا حاجة لدمج الشعبين ويمكن مستقبلا أن يصبح فلسطينيو الضفة رعايا للدولة العبرية أو حتى يحصلوا على جنسيتها.

أما عن احتمال معارضة مصر فقد ادعى الجنرالات أن المشروع سيتضمن الاستثمار فى الدولة الجديدة ولابد أن مصر سترحب به، لأن اقتصادها منهك وأنها على شفا الإفلاس خصوصا وأنها ستعانى قريبا من نقص المياه الناشئ عن بناء أكبر سد مائى فى إثيوبيا. ونفى الجنرالات أن إسرائيل ستعطى مصر أرضا بديلة من النقب وأوضحوا للكونجرس أن تنازل مصر عن سيناء سيكون لخدمة الفلسطينيين وليس إسرائيل. ثم أكدوا مرة أخرى أن مصر ليست فى وضع يسمح لها بالرفض؛ لأنها إذا لم تنفذ الخطة التى ستجلب الاستثمار فى سيناء فسينهار الاقتصاد المصرى وسيزحف ٣٠ مليون مصرى جوعى بالقوارب هربا إلى أوروبا وأن المسألة مسألة وقت حتى ترضخ مصر فى إشارة ضمنية للضغط الذى سيجب توجيهه لمصر.

وفى نهاية العرض قال رئيس المجموعة إن الفكرة تقدم للكونجرس كخطوة للتشاور ثم تساءل بتهديد مبطن إذا لم يقبل الكونجرس بالعمل على تطوير هذا الحل فهل هم مستعدون لترك الإسرائيليين يدبرون الحل بأنفسهم؟

***
وهذه الأفكار الجانبية التى تنضح غطرسة ووقاحه ليست جديدة، وهى بالونات اختبار لخطط وبدائل مختمره لكن عواقبها خطيرة ويجب أن تواجه بوضوح وحزم. ولاشك أنه من الحكمة ألا تستدرج الحكومة المصرية إلى هذه المناورات التى لا تنتهى ولكن قد يكون واجبا الآن على المصريين الذين أداروا ظهرهم للعدو رفضا للتطبيع أن يجابهوا الألاعيب الصهيونية بالتوجه بأفكار مضادة للكونجرس والاتحاد الأوروبى، خاصه وأن النوايا تبدو مبيتة والموقف المصرى الرسمى يحتاج لدعم شعبى واضح. فالأفكار العدوانية الخارجة من إسرائيل إلى أمريكا تكاد تكون بمثابة إعلان حرب تجويعية لإخضاع مصر، وهى أفكار تخل بنصوص معاهدة السلام التى ضمنتها الولايات المتحدة وبقرارات الأمم المتحدة. والتصدى لهذه الأفكار الإجرامية لا يجدى معه تكرار الخطاب المعتاد عن الحقوق المشروعة وقرارات الأمم المتحدة لأنهم ببساطة يعرفونه ويتجاهلونه، بل يجب أن يكون بأفكار من عينتها، بمعنى التحدث باللغة التى يفهمونها فى محافلهم والتى تجابه دعاواهم. ويتطلب ذلك أن يقوم وفد شعبى أو برلمانى مصرى بتحذير الاتحاد الأوروبى من أخطار فرض صفقات بالتنازل على من لا يملكون هذا الحق، وما قد يستتبعه ذلك من تفجير الأوضاع فى المنطقة وفتح الباب لسيول جديدة من النازحين وهو التهديد الذى استخدمه أصحاب الخطة للضغط على مصر. وإذ يؤكد الوفد على أن أرض مصر ليست للبيع أو الإيجار، ينبه أيضا إلى أن الفلسطينيين هم مشكلة إسرائيل لا مصر، وعليها أن تفاوضهم لإنشاء دولتهم على أرضهم أو تستوعبهم فى الدولة العبرية، وعليها هى أن تحل مشاكل المواطنة والأغلبية، وهناك أصوات فلسطينية تقبل بالاندماج فى إسرائيل كحل للصراع. وإذا كانت إسرائيل تريد توسيع رقعة غزة لاستيعاب زيادة الفلسطينيين فلتسمح لهم بالتمدد شرقا فى صحراء النقب التى هى الامتداد الطبيعى لقطاع غزة وليس سيناء، وإذا كانت لدى كوشنر أموال طائلة يريد إغداقها عليهم فيمكنه ردم البحر أمام غزة لتوسيعها. وربما يطرح وفد مصرى شعبى للكونجرس أن تقيم مصر جدارا عازلا على طول الحدود مع إسرائيل وغزة مثل جدار المكسيك المزمع فى أمريكا لتحديد المواقف بما لا يسمح بأى أضغاث أحلام من هذا النوع.

فالمصريون ليسوا على استعداد لدفع ثمن استيلاء إسرائيل على فلسطين من أرضهم وسيدافعون عنها. والادعاء بأن مصر على حافة الإفلاس وأن ٣٠ مليون جوعى يتأهبون للهجرة إلى أوروبا بسبب الفقر مردود عليه بأن ذلك الاحتمال سيكون أكثر إذا قامت الحرب بين مصر وإسرائيل دفاعا عن سيناء، وإذا كانت إسرائيل متفوقة عسكرية فمصر وجيشها تستطيع إيلامها بشدة إذا لجأت للحرب.

إن كثيرا من المصريين يشعرون أن أصابع إسرائيل وراء حماس وداعش والأنفاق التى حفرت بين غزة وسيناء، ولذلك ينبهون الغرب أن مصر التى كانت البادئة بالسلام لا تغفر الإخلال بنصوص وروح معاهدة السلام، وتحذر إسرائيل من التصرفات التحتية التى تزيد من الشكوك والعداء.

إن مجابهة الحرب النفسية التى تمارسها الدوائر الصهيونية ضد مصر أصبحت ضرورة يومية. وإذا كانت سياسة رفض التطبيع قد أفادت العدو بأن تركت المجال مفتوحا يصول ويجول فيه فالفكر المصرى مطالب بتطوير هذه الاستراتيجية بما يسترد لمصر زمام المبادرة.

صلاح ابو الفضل طبيب نفسى مقيم فى المملكة المتحدة
التعليقات