«لدواعى الشرف» - أميمة كمال - بوابة الشروق
الجمعة 26 أبريل 2024 3:25 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

«لدواعى الشرف»

نشر فى : الإثنين 14 نوفمبر 2011 - 9:00 ص | آخر تحديث : الإثنين 14 نوفمبر 2011 - 9:00 ص

أول من جاء على ذهنى وأنا أقرأ تفاصيل تلك التخريجة الجهنمية التى تستعد الحكومة لتقديمها كمشروع لتعديلات وشيكة فى قانون الاستثمار تسمح بخروج الفاسدين من فخ المساءلة مثل الشعرة من العجين، بل وأسهل من الشعرة كثيرا. تذكرت على الفور، بل وتسمر وجهه أمامى، هو بقامته القصيرة وبمقامه العالى أحمد عز الذى يلبس الآن بدلته الزرقاء، ويرقد فى سجنه وقد أعاد له ذلك القانون (الثورى) الذى سيخرج من حكومة (ينايرية) أيام عزه فى مجلس الشعب.

 

من المؤكد أن قانون (العفو عند المقدرة) هذا سوف يذكر عز بعزه أيام أن كان يصول ويجول فى مجلس الشعب متأبطا ذراع يوسف بطرس غالى. ويوزع ابتساماته على بعض محاسيبه مهنئا لهم على جولة قانونية ظافرة لهم ضد معارضيهم. أو مكشرا عن أنيابه ضد بعض الذين خرجوا عن النص بدون استئذان. من المؤكد أنه يضرب على كفييه الآن مهنئا الحكومة عن بعد على اللعبة الحلوة..

 

توقعت عز وهو يقفز فى الهواء عاليا يكاد يلامس بيده سقف زنزانته صارخا «وجدتها». ويقينا هو وجد المخرج فسوف يراجع بالحرف ما قاله وزير العدل فى تصريحاته للأهرام قبل أن يشرع فى وضع خطة مشتركة مع مستشاره القانونى للنظر سويا فى كيفية الاستفادة من هذا التعديل الجهنمى. وسوف لا يضيع عز الوقت كثيرا قبل أن يكون أول الحائزين شرف الضربة القانونية الأولى وهى الاستفادة من هذا القانون الذى سيكون بحق باكورة التعديلات القانونية لحكومة الثورة، وسوف يسجل باسمها فى التاريخ باعتبارها الأولى من نوعها التى قامت على الفساد، وأول ما فعلته هو أن تشرع مخرجا للفاسدين التائبين. وكأنها لا تعرف أن التوبة ليست شأنا حكوميا. ولكنها علاقة بين التائب وربه.

 

ولنقرأ بإمعان ما قاله وزير العدل لجريدة الأهرام أخيرا من أن أهم الآثار الإيجابية التى جاءت بها ثورة يناير أنها ألقت الضوء على ملف الفساد الذى شاب نظام الحكم السابق، حيث ظهرت العديد من جرائم الاستيلاء على المال العام. وكشفت التحقيقات عن تورط بعض المستثمرين، والمسئولين السابقين الفاسدين، مما أضاع المليارات من الجنيهات على الدولة، واستئثار المسئولين الفاسدين وشركائهم من المستثمرين بها. وهو ما ترتب عليه تخريب للاقتصاد القومى. وهذا ما يقتضى تحويلهم إلى المحاكمة الجنائية، لينالوا ما يجب أن ينالوه من عقاب وفقا لأحكام قانون العقوبات، مع مصادرة ما نهبوه.

 

ولكن الوزير اكتشف متغيرا مهما جعل كل ما قاله عن الفاسدين وممارستهم يهون أمامه، وهو «نظرا للحالة الاقتصادية التى تمر بها البلاد عقب الثورة وتأثر حركة الاستثمار، وتوقف حركة المستثمرين الشرفاء عن العمل الذين يخشون من تعرضهم لمخاطر العقاب. لذلك رؤى التفكير فى إصدار مرسوم بقانون يتيح سرعة استرداد الأموال، أو المنقولات، أو الأراضى، أو العقارات، أو رد ما يعادل قيمتها السوقية تلك التى تحصل عليها المستثمرون دون وجه حق مستغلين المناخ الفاسد. وهو الذى يشكل سلوكا إجراميا يعاقب عليه القانون باعتبارهم شركاء فى تلك الجرائم مع المسئولين وهذا من خلال التصالح معهم».

 

واعتبر الوزير أن هذا التصالح يدخل ضمن مفهوم حوافز الاستثمار بحسبانه يشجع المستثمر المخطئ على الرجوع عن خطئه وفى النهاية يترتب على ذلك انقضاء الدعوى الجنائية.

 

ومادام التصالح ممكنا، ومرحبا به من حكومة الثورة مع كل فاسد تكشف أمره بعد الثورة، وتبين أنه اعتدى على المال العام بدون وجه حق. وبعد أن ظهر من التحقيقات أنه استولى على المليارات من حق الدولة مستأثرا بها، وحارما منها الملايين من المصريين الذين تحملوا سرقة حقهم فى العيش الكريم، والعلاج، والتعليم، وفرص العمل اللائقة. مادام باب التصالح مفتوحا على مصراعيه أمام هؤلاء فلماذا لا يستفيد منه أحمد عز خصوصا وهو يلبس البدلة الزرقاء الآن فى جريمة لا تختلف كثيرا عن كل ما اقترفه رفاق طريقه فى العهد السابق. فأحمد عز لمن نسى جريمته التى يحبس بسببها الآن هى أنه حصل على رخصة لإنشاء شركة حديد بدون أن يدفع ثمن الرخصة.. بذمتكم ألا يستحق التصالح معه؟

 

ولما لا يعود أحمد عز طليقا مرة أخرى مادامت حكومة الثورة تشمر عن ذراعيها وبمحض إرادتها تعفو عن الفاسدين دون أية تأثيرات من مؤسسات دولية تلوح لها بوقف القروض إن هى حاسبت الفاسدين، أو أى ضغوط شعبية من جماهير تسير فى مسيرات فى الشوارع تشكو من القسوة فى محاكمة كل من فسد فى العصر البائد. حتما سيخرج عز طالما استبدلت حكومة الثورة ترزية القوانين فى العهد البائد بمحترفى التطريز فى العهد الحالى. وأصبح كل ما فى الأمر أن تتحول المهمة من محترفى الحياكة إلى إجادة فن التطريز مع تقتضيه تلك الصنعة من تجميل وتهذيب.

فالأمر بالطبع يحتاج إلى أياد محترفة لكى يقبل مجتمع ما بعد الثورة أن تشرع الحكومة قانونا لكى ينقذ كل الفاسدين مع سبق الإصرار والترصد، أو الفاسدين من غير سبق لا إصرار ولا ترصد، ولكن من باب الاستخسار، أى الذين وجدوا مناخا فاسدا فاغتنموا الفرصة بأفضل ما يكون، أو الفاسدين بالمصادفة، أو بالنسب، أو بالمصاهرة، أو بحكم الجوار السعيد مع فاسدين، ينقذ كل هؤلاء من ارتداء البدلة الزرقاء حتى لو كان من باب التأديب والإصلاح فقط.

 

وأهم ما فى هذا التعديل القانونى أنه أكد لمن كان يشك لحظة فى أن الثورة لم تغير نظرة معظم من يحكموننا. الذين مازالوا يعتقدون أن استعادة بكارة الشرف ممكنة، وأن القضاء كفيل بها مثل ما كان كفيلا بكل الأمور الأخرى التى كان لابد من حسمها بقرارات حكومية ثورية منذ اليوم الأول.

ولكن الحكومة ومنذ اليوم الأول لها اعتقدت أن مقاومة الثورة المضادة مسئولية كل متضرر. وارتضت الحكومة أن يكون القضاء هو الساحة الرحبة للثورة بدلا من الإجراءات الثورية التى تلازم أى ثورة فى الدنيا. وكأنها لا تدرى أن الثورات جاءت لوقف العمل بقوانين ما قبلها التى وضعها من قامت الثورة عليهم. ومادام القضاء هو ملاذ الثوار فأيضا يصلح ملاذا للحكومة لثورتها المضادة. وقد كان.

ولأن مصائب التعديلات الحكومية عند قوم فوائد فمن المؤكد أنه ستظهر إعلانات كثيرة فى ركن الوظائف المبوبة فى الفترة المقبلة «لدواعى استعادة الشرف مطلوب محامين على درجة كبيرة من المعرفة بدهاليز الفساد».

أميمة كمال كاتبة صحفية
التعليقات