تزكية الإنسان 2 ــ المبادرة والنشاط - جمال قطب - بوابة الشروق
الجمعة 19 أبريل 2024 7:11 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

تزكية الإنسان 2 ــ المبادرة والنشاط

نشر فى : الجمعة 14 نوفمبر 2014 - 8:35 ص | آخر تحديث : الجمعة 14 نوفمبر 2014 - 8:35 ص

إذا استطاع الإنسان أن يسوى نفسه بكل الناس كما خلقه الله فقد وضع نفسه على أولى خطوات الحياة الصحيحة. فالوضع الطبيعى أن الناس سواسية مهما اختلفت الألوان والألسن والمعتقدات، فكل إنسان له الحق فى الحياة الكريمة دون استطالة على أحد ودون انحناء لأحد فطريق الإنسان للحياة الكريمة هو ممارسة الإنسان لجميع معاملاته على أنه واحد من الناس لا يتعالى عليهم، ولا يخضع لاستعلاء أحد.

(1)

إذا استشعر الإنسان المساواة مع غيره، تزداد رغبته فى إثبات وجوده، وإظهار ما لديه من قدرات وخبرات، وهنا يبادر الإنسان ــ طواعية ــ إلى عرض الخير العام النافع للجميع أو للأغلبية الغالبة، هكذا فالنفس الهادئة تسعى دائما لإظهار ما حباها الله به من مواهب، فتراها مسرعة تبادر إلى نشر الخير وتعد الطرق لتحقيق الخيرات ولهذا خاطب القرآن الكريم هذه الأنفس المطمئنة وناشدها (وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ..) الخير العام والمطلق، والمقصود بالخير العام هو ميسرات الحياة وكل ما يُدبر للناس حاجات معاشهم من طعام وشراب وكساء وعلاج وسكن.هذا هو أول الخير وأفضله نفعا للجميع

(2)

(..وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ..) كذلك فمع الدعوة إلى الخير، يأمرون أنفسهم وأتباعهم بالمعروف المطلق. والمعروف المطلق هو بحب العمل والإعمار، والسعى للإصلاح والاتقان، والمحافظة على النفس البشرية ــ كل نفس ــ من أن يصيبها أى أذى، والتمهيد والتجديد الدائم لاستقبال النسل الجديد بزيادة الجهد وتوسيع دائرة التوفير والادخار ونشر سياسات التعليم والثقافة والرشد، والتعاون على كل ما يُخرج الناس من الظلمات إلى النور مثل العمل والإنتاج إلى التربية والإرشاد، إلى التعارف والتعاون إلى التجديد والتطوير، إلى الصبر والمثابرة إلى العزم على تجاوز الأزمات إلى فتح أبواب العمل فى غد أكثر إشراقا. هذا هو المعروف والذى يجب أن يشيع بين أصحاب الأنفس الزكية.

(3)

((..وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ..)) ينهون أنفسهم قبل غيرهم، فلا يقترف الإنسان منكرا مهما تكاثرت الدوافع، فكيف يجروء عاقل على فعل المنكرات مع الناس؟ فهل يقبل أن يعامله الآخرون بالمثل؟ وهل يتحمل هو منكرات الآخرين؟

إن النفس البشرية الزكية تخاف من فعل المنكرات، حتى نرى من تردى فى «منكر» يحاول التخفى والهروب فلا يراه الناس فالنفس الزكية لا تفعل الشرور والمنكرات سرا ولا علانية. لأنها تشعر بكرامتها فكرامتها أعز عليها من أن تختفى فتهرب من أعين الناس، كما أنها لا ترضى أن تقع تحت طائلة النقد أو ابتعاد الناس عنها.. إن النفس الزكية تحفظ لسانها من نطق الألفاظ النابية أو الكذب أو النفاق، كما تحفظ أعينها من النظر إلى المحرمات ومن التحرش بالآخرين كذلك تحفظ قلبها من إضمار الشرور لأحد وتحفظ أيديها من أن تمتد إلى أحد بأى شر فى ماله أو جسمه أو جميع مخصصاته.

(4)

((..وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ)) هذه نهاية عجيبة لهذه الآية الكريمة فقد ذكرت الآية الكريمة الدعوة إلى الخير والمعروف، والنهى عن المنكر.. هكذا دون إشارة إلى صلاة وزكاة وصوم وحج، ووعدت على فعل (الخير والمعروف وترك المنكر) بالفلاح.. هكذا فالخير والمعروف وترك المنكر هى أولى خطوات تزكية النفس البشرية وتطهيرها وإصلاحها وتجهيزها لفهم منهج الله. نعم فالقرآن لا يؤثر إلا فى النفوس الزكية المتطهرة من الشرور والمحبة للخير والمعروف.

وحتى تعلم حقيقة ما بينته لك من تقديم (الخير والمعروف وترك المنكر) على العبادات ولا تتشكك فى ذلك فاقرأ معى قول الله ((كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ..)) هكذا جاء الإيمان بالله والإسلام بعد تلك الثلاثية (فعل الخير والمعروف وترك المنكر) تخليصا للنفس من الموانع والحوائل وإطلاقا لقواها نحو الإسلام والإيمان والإحسان، هل عرفت معى كيف قدم القرآن تزكية النفس على عبادة الله.. إذا عرفت فالزم ولا تتراخ عن تزكية نفسك فيفتح الله لك أبواب السعادة فى الدنيا وأبواب الأمن فى الآخرة.

يُتيع،،

جمال قطب   رئيس لجنة الفتوى الأسبق بالأزهر الشريف
التعليقات