تليفزيون الواقع - داليا شمس - بوابة الشروق
الجمعة 19 أبريل 2024 1:48 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

تليفزيون الواقع

نشر فى : الأحد 14 ديسمبر 2014 - 8:15 ص | آخر تحديث : الأحد 14 ديسمبر 2014 - 8:15 ص

وأنت تقلب قنوات التليفزيون كالعادة قد تقع على مسلسلات عربية مشتركة، تجمع ممثل من لبنان وآخر من مصر وثالث من سوريا ورابع خليجى إذا لزم الأمر.. يتحركون فى ديكور أو وسط بنايات قد تكون فى أى مكان، وعلى الأغلب يكون ذلك مقصودا، حتى لو أوحت أحيانا مشاهد المراكز التجارية الحديثة والشوارع الواسعة أن الأحداث تدور فى دولة أو إمارة خليجية، حيث هناك مبرر لوجود كل تلك الجنسيات فى بلد واحد، نظرا لطبيعة هذه المجتمعات القائمة على الأيدى العاملة الوافدة. خليط اللهجات يصبح أيضا أمرا عاديا، بل مستحبا لدى جمهور الفضائيات المتعدد. وقد سبق ظهور هذه المسلسلات العربية المشتركة بقليل عرض برامج اكتشاف المواهب مثل «محبوب العرب» أو أرب أيدول، و«ذا فويس»، و«أرب جوت تالنت» (Arabs got talent)، التى تجمع بدورها على خشبة المسرح متبارين من جنسيات عربية مختلفة يغنى كل منهم بلهجته ولهجة الآخرين من الزملاء. تكريس للمساحات المشتركة وتحفيز لمشاعر قومية ملتهبة خاصة عندما يتم اللعب على وتر المشكلات السياسية المزمنة لهذه المنطقة وضحاياها، فنتحول إلى لحظات ألم وبكاء جماعى أو فرح، تخفف وقتيا ما بنا من أوجاع، أو عندما يتعلق الأمر بالمسلسلات نغرق فى تفاصيل مشاعر إنسانية عامة وفضفاضة.

•••

ذكاء من الشركات المنتجة التى استشعرت حاجة العرب لمشاعر الوحدة فحاولت تلبيتها على الشاشات؟ بالطبع هى ترسم صورة أقل انقساما للمنطقة التى يطلق عليها العالم العربى منذ منتصف القرن التاسع عشر، مع انتشار الفكر القومى وذيوعه بفضل الطباعة والبرق والخطوط الملاحية. أما اليوم فقد جاء دور الفضائيات لتلعب دورا، وتعكس ربما رغبة المتحكمين فى رأس المال، وبالتالى فى المشهد الإعلامى من تقديم منتج ثقافى «معولم» عربيا. هذا وارد أيضا. لكن هذه المنتجات التليفزيونية سواء مسلسلات أو برامج تعكس تناقضات العرب فى اللحظة الراهنة.

هم يتمسكون بمنطقة التعايش، ويذكرون أن أم كلثوم كانت أحد أهم عناوين العروبة الثقافية. لذا يرفضون التفتيت من خلال عدم تصويتهم فى النهائيات لمتسابق كردى لأنه يغنى ألحانا وكلمات كردية، حتى لو طربوا لها. فقط هذا تصويت ضد استقلال كردستان العراق حتى لو أثنوا على صوته وإحساسه (برواس حسين العام الماضى، ثم عمار الكوفى هذه السنة). يطلقون إشارات مكثفة ضد التسييس الدينى من خلال الإقبال على المشاركة فى هذه البرامج الفنية أو الإقبال على مشاهدتها، فى ذات الوقت الذى يمول فيه بعضهم داعش وغيره من تنظيمات الإسلام السياسى والتكفير والتحريم. يضيقون بالسوريين على أراضيهم ويحرقون أحيانا مخيماتهم، ويطلقون سهامهم ضد الفلسطينيين ويشتبهون فيهم، ويبكون على دمشق ويصوتون لمن يغنى القدود الحلبية أو يصنعون من ابن غزة ــ محمد عساف ــ بطلا قوميا.. فهناك دوما فكرة الشاب الحليوة الموهوب، ممثل الشعب صاحب المعاناة، الذى يعطوه أصواتهم فيشعرون بالرضا ومساندة القضية.. وكأن فى ذلك عزاء أو دعم كافٍ أو تنصل أو مشاركة افتراضية فى النضال.

•••

تتم إعادة اكتشاف الساحة الفنية والأسماء والأساليب الإخراجية وتتداخل الخبرات، لكن أيضا هذا لا يمنع من ظهور نغمة شوفينية تعلو وتخبو أو أن يتخذ التصويت طابعا سياسيا فى كثير من الأحيان (مواطنو الخليج يصطفون وراء متسابقهم، والمصريون يراهنون على أن الكثرة تغلب الشجاعة فتتهافت رسائل التصويت، والمغرب العربى يؤيد أبناءه، إلى ماغير ذلك).

ووسط أضواء المسرح المبهرة على الطريقة اللبنانية، وملابس الحسناوات والحضور المصرى أو الإخراج السورى تظهر صورة مختلفة لهذا العالم العربى.. صورة تلمع وأنت تنظر إلى الشاشة عن بعد.. قد لا تتوقف عند التفاصيل، لكنك تتابع لحظات تتشكل فيها معالم ثقافة جديدة أو مختلفة، تنقلك من حوض البحر المتوسط (الذى سيطر ثقافيا لسنوات طويلة) إلى الخليج العربى والمحال الضخمة التى تبيع منتجات من جميع البلاد ويعمل بها أفراد من النيل إلى الفرات، فالوحدة العربية تمر بالدراما، والمنافسة تشتعل بين أصحاب رأس المال، والترفيه لم يكن أبدا بمعزل عن السياسة.

التعليقات