مهارات الجيل القادم - محمد زهران - بوابة الشروق
الخميس 25 أبريل 2024 4:51 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

مهارات الجيل القادم

نشر فى : السبت 15 أبريل 2023 - 8:10 م | آخر تحديث : السبت 15 أبريل 2023 - 8:10 م

دائما ما نسمع ومنذ الصغر أننا يجب أن نداوم على تنمية مهاراتنا حتى نستطيع القيام بوظائفنا بكفاءة وإن لم نفعل فسنفقد تلك الوظائف أو على أقل تقدير سيسبقنا من هم أكثر منا مهارة، هذا كله منطقى وصحيح إلى حد بعيد لكنه سيظل كلاما نظريا ما لم نعرف المهارات التى يحتاجها العصر الذى نعيش فيه ونعرف متى تتغير تلك المهارات وتُستبدل بغيرها. كاتب هذه السطور من الجيل الذى وصل إلى المرحلة الجامعية دون وجود انترنت، ولم أستعمل تليفونا محمولا ذكيا إلا أثناء الدكتوراه فى أمريكا لأنه ببساطة لم يكن موجودا، بل إنه حتى انتهيت من الدكتوراه لم تكن مواقع التواصل الاجتماعى قد ظهرت بعد وكان جوجل فى مراحله الأولى وكانت مواقع مثل سكايب ويوتيوب فى علم الغيب. هذه الملاحظات معناها أن المهارات التى كانت تحتاجها سوق العمل وقتها مختلف تماما عن الآن. مقالنا اليوم عن المهارات عامة مع أخذ بعض الأمثلة من تخصص الحاسبات وما يحتويه هذا التخصص من تخصصات تكنولوجيا معلومات والرقمنة والذكاء الاصطناعى والأمن السيبرانى إلخ.

لنبدأ بالإجابة عن السؤال المنطقى: لماذا تتغير المهارات التى يحتاجها العالم؟ تتغير المهارات لأن العلم يتقدم وبالتالى التكنولوجيا تتقدم وهذه التكنولوجيا الجديدة تحتاج من يصممها ومن يطبقها فى الحياة العملية ومن يدرس تأثيرها على الناس وطبائعهم وتأثيرها وتأثرها بالاقتصاد والسياسة والمجتمع ككل. يجب أيضا أن ننتبه أن هناك تسارعا فى تطور التكنولوجيا وهذا معناها أن المهارات التى نحتاجها ستتغير بسرعة شديدة وكلما تقدم الزمن كلما زاد هذا التسارع حتى أننا يمكن بشىء من الطرافة أن نقول إن أهم مهارة هى كيفية تنمية المهارة.

لنأخذ مثلا العوامل التى أدت لتغير المهارات التى يحتاجها الجيل الحالى عن جيلى، الجيل الحالى لا يحتاج إلى الحفظ نظرا لوجود محركات البحث، الجيل الحالى لا يملك التركيز الكافى لقراءات مطولة نظرا لإدمانه القراءة من مواقع التواصل الاجتماعى التى تتميز «ببوستات» قصيرة وسريعة، أيضا الجيل الحالى أغلبه مدمن ألعاب الكمبيوتر التى تقدمت جدا بحيث أصبح اللاعب يعيش داخل الأحداث، تلك الأحداث فى الأغلب هى حروب ومعارك يجب أن تهزم فيها خصمك قبل أن يهزمك، أى أن السرعة مطلوبة أكثر من التفكير المتأنى. استخدام الكمبيوتر جعل الحاجة إلى عمل عمليات حسابية فى الدماغ تنتفى وبالتالى تعامل الجيل الحالى مع الأرقام والحسابات أصبح يعتمد على أجهزة الكمبيوتر أكثر بكثير من الأجيال السابقة. هذه الصفات لن تتغير، ولكن هل معنى ذلك أن الجيل الحالى أسوأ من السابق؟ بالطبع لا، لكنه يعيش فى بيئة تحتاج مهارات أخرى.

المهارات التى يحتاجها الجيل القادم كثيرة وسنعطى أمثلة قليلة، طبعا الجميع يتابع ما يحدث الآن من انتشار سريع وانبهار ببرمجيات الذكاء الاصطناعى للتخاطب مثل (chatGPT) من شركة (OpenAI) و(Bard) من شركة جوجل. حتى الآن يستخدمها الناس من باب التسلية وبدأ البعض يستخدمها على استحياء فى بعض المهام لكنها ستنتشر بسرعة فى مجالات كثيرة، لكن حتى تصبح ذات فائدة يجب أن نتقن طرح الأسئلة عليها بدقة وهذه مهارة جديدة تسمى (prompt engineering) وقد بدأت بالفعل بعض الشركات تطلبها وهى باختصار مهارة سؤال برمجيات التخاطب بدقة وبطريقة تجعلها تعطى ما نريده بالضبط، أعتقد أنه بعد سنوات قليلة ستحل هذه المهارة محل مهارات البرمجة العادية الموجودة الآن. والآن أيضا ظهرت مهارة هندسة البيانات المختصة بجمع المعلومات التى سيتم بها تدريب برمجيات الذكاء الاصطناعى وتنقيتها حتى يقوم بعمله بالطريقة المثلى، هذه المهارة لم تكن موجودة أو مطلوبة بهذه الكثافة منذ عقد من الزمان مثلا، من الجيل السابق على كاتب هذه السطور وجيلى نرى تغير لغات البرمجة كل عدة سنوات مما يجعل مهارة البرمجة بلغة برمجة واحدة أو اثنتين غير كافية، بل يجب تعلم لغة برمجة جديدة كل عدة سنوات.

مقال اليوم يقود إلى سؤال مهم؟ ماذا نفعل فى التعليم كى نواكب هذا التغير السريع فى المهارات؟ هناك مهارات تتحدى الزمن ويجب أن نهتم بها جدا فى التعليم منذ الصغر وهى التفكير النقدى وفن طرح الأسئلة ومهارة التفكير المرتب، وهناك المهارات المتغيرة التى تحتاج مدرسين وأساتذة متابعين لما يحدث فى العالم لتحديث المناهج باستمرار وهى مسئولية ثقيلة تقع على عاتق الأستاذ لكنها وسيلة كى يضع هذا الأستاذ بصمته فى هذا العالم عن طريق تخريج أجيال تمتلك المهارات المطلوبة لجعل هذا العالم مكانا أفضل.

محمد زهران عضو هيئة التدريس بجامعة نيويورك فى تخصص هندسة وعلوم الحاسبات، حاصل على الدكتوراه فى نفس التخصص من جامعة ميريلاند الأمريكية، له العديد من الأبحاث العلمية المنشورة فى الدوريات والمؤتمرات الدولية، بالإضافة إلى الأبحاث والتدريس.. له اهتمامات عديدة بتاريخ وفلسفة العلوم ويرى أنها من دعائم البحث العلمى، يستمتع جداً بوجوده وسط طلابه فى قاعات المحاضرات ومعامل الأبحاث والمؤتمرات، أمله أن يرى الثقافة والمعرفة من أساسيات الحياة فى مصر.
التعليقات