ملاحظات على قانون تأجير المستشفيات العامة - علاء غنام - بوابة الشروق
الجمعة 17 يناير 2025 1:50 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

ملاحظات على قانون تأجير المستشفيات العامة

نشر فى : السبت 15 يونيو 2024 - 5:45 م | آخر تحديث : السبت 15 يونيو 2024 - 5:45 م

فى الآونة الأخيرة طرحت الحكومة قانونًا على البرلمان يسمى قانون تنظيم منح التزام المرافق العامة الصحية لإنشاء وإدارة وتشغيل وتطوير المنشآت الصحية العامة، وتمت مناقشته على عجل والموافقة عليه من البرلمان تمهيدًا لتصديق رئيس الجمهورية عليه.

وفى حين رفضته نقابة الأطباء والعديد من الأحزاب ومنظمات المجتمع المدنى، وقد حذرت المبادرة المصرية للحقوق الشخصية من خطورة إقرار هذا القانون، حيث اعتبرته خطوة إضافية فى عملية تسليع وتحويل الخدمات العامة -إلى نشاط يستهدف الربح- وتشمل هذه الخدمات؛ الصحة والتعليم والنقل العام، كما دعت المبادرة رئيس الجمهورية لرفض التصديق على هذا القانون وإعادته للبرلمان لخمسة أسباب رئيسية، هى:

أولًا: القانون يعطل تنفيذ قانون التأمين الصحى الشامل ويشكل انحرافًا عن مسار التوسع التدريجى فى تطبيقه، فالبنية التحتية لمنظومة التأمين الصحى الشامل هى منشآت ومستشفيات الحكومة ويفترض أن دور القطاع الخاص هو الإضافة لهذه البنية التحتية عبر زيادة أعداد الأسرّة والمنشآت ومقدمى ومقدمات الخدمة من أطباء وممرضين وفنيين، إلا أن القانون المطروح بدلًا من ذلك سيسمح بإخراج عدد من المستشفيات الحكومية خارج منظومة التأمين بما يعطل تطبيق نظام التأمين الصحى الجديد.

ثانيًا: يُقرأ من صياغة القانون أن الغرض الوحيد منه هو تحويل المنشآت الصحية المملوكة للدولة من هيئات لتقديم الخدمة العامة إلى كيانات هادفة للربح.

ثالثًا: غياب أية ضمانات تكفل حق المواطنين والمواطنات فى الصحة بما يشمل إتاحة الخدمة والقدرة على تحمل تكلفتها للجميع بلا تمييز.

رابعًا: الاستعجال المريب فى مناقشة القانون وإقراره فى أقل من شهر، بل حتى البدء فى تنفيذه فعليًا من دون الانتظار لمناقشته فى البرلمان، ودون انتظار لائحته التنفيذية أو أسس التسعير المطبقة فيه. خامسًا: الحكومة فعليًا غير قادرة على اﻹشراف أو المراقبة على المستشفيات القائمة حاليًا، فكيف يمكن ضمان الرقابة الفعلية على المستشفيات العامة المطروحة للمستثمرين بهدف حماية حقوق المواطنين والمواطنات.

• • •

يثير هذا القانون إشكالية مهمة حول علاقة النظام الصحى العام مع القطاع الطبى الخاص وتشجيعه على الاستثمار فى الرعاية الصحية وفى تنظيم دوره فى المنظومة ككل بنسبة لا تقل عن 50% من حجم الخدمات المقدمة كما صرح وزير المالية أخيرًا، وهذه إشكالية تحتاج كثيرًا من التدقيق وضبط المفاهيم والأهداف وطرحها فى سياق صحيح للإصلاح الصحى المنصف.

فالقطاع الطبى الخاص فى الواقع -كما أثبتت التجربة السابقة أثناء وباء كوفيد 19- لعب دورًا سلبيًا أثناء الأزمة فى تحقيق أكثر أرباح ممكنة طالما يعمل بلا ضوابط منظمة له أو إشراف قوى إضافة إلى توجهاته الاحتكارية التى يغذيها بعض المستثمرين الذين لا علاقة لهم بقيم التضامن والمسئولية المجتمعية سواء فى المستشفيات الخاصة أو المعامل أو مراكز الأشعة، كما تنامى دوره عبر الأربعين عامًا الماضية على حساب تخلى الدولة عن دورها الأساسى فى الرعاية الصحية وضعف نظم التأمين الصحى العامة رغم أنها نظريًا (على الورق) تغطى 60% من السكان.

لذلك تعكس مسألة طرح المستشفيات العامة أمام المستثمرين فى الداخل والخارج من البلاد وفق القانون المسمى منح الالتزام (هنا علامة استفهام، التزام من المستثمر أم الدولة؟) وأن يكون ذلك على نطاق يشمل 160 مستشفى عامة فى 22 محافظة من البلاد، والذى هو فى حقيقة الأمر إيجار تلك المستشفيات لمدة بين 3 سنوات إلى 15 سنة، تعكس هذه المسألة عجز الحكومة السابقة عن توفير موارد لخطة الوزارة الاستثمارية فى 22 محافظة والذى يرى البعض أنه تعبير عن اتجاه غير مدروس بجدية مما أدى إلى رفض واسع فى المجتمع له بل وبين الخبراء الصحيين المدققين والذين يرون أن هذا القانون سيظل غير قابل للتنفيذ، حيث لن يقدم على هذا التأجير المطروح سوى عدد محدود من المستثمرين وربما حول عدد محدود من المستشفيات المعروفة فى أماكن مميزة لخدمة شريحة محدودة من السكان المميزين لا تزيد على 5% من القاهرة الكبرى والإسكندرية وليس فى المحافظات النائية أو الصعيد.

وغير ذلك سوف يكون مجرد تمنيات لن تحقق أية أهداف فعلية فى إنجاز حلم التغطية الصحية الشاملة وفق نظام متكامل ومنصف للتأمين الصحى الشامل، بل قد يعوقه لفترة أطول، فعجز موارد الحكومة المخصصة للرعاية الصحية لن يحل بمثل هذه الأفكار غير المدروسة جيدًا حتى بمنطق تحليل السوق والفرص البديلة والتكلفة أمام المستثمرين الذين يعرفون جيدا أن حجم سوقهم الطبى القادر على التعامل معهم لن يزيد بحال على 5% من جملة السكان.

• • •

لذلك رفضنا هذا القانون ونتوقع فشله فى حل الأزمة وعدم إقبال المستثمرين على هذا الطرح الذى يشمل 160 مستشفى فى 22 محافظة، والطريق الأجدى والأسلم هو التوسع فى نظام التأمين الصحى الشامل أفقيا بوتيرة أسرع والتوسع الرأسى بوتيرة متأنية وتدريجية بالتعاقد مع ما هو قائم بالفعل من قطاع طبى خاص (حوالى 1340 مستشفى خاصًا بسعة 34 ألف سرير) وفق خطط مدروسة ومعايير جودة محددة لذلك، وتدعيم القطاع الطبى والصحى العام خاصة فى مستوى الرعاية الأساسية اعتمادا على موارد صندوق التأمين الصحى الشامل التى تم تحصيلها منذ 5 سنوات على المستوى الكلى للبلاد (رسوم مخصصة للتأمين الصحى على التبغ والطرق والسيارات وخلافه) والتى شكلت فائضًا، كما أعلن وزير المالية أخيرًا يتجاوز 30 مليار جنيه وفق آخر تصريحاته. لذلك ومما سبق رفضنا القانون المسمى التزام والذى يعنى تأجير المستشفيات العامة للمستثمرين المحليين والأجانب، ونتوقع عدم فعالية تنفيذه فى تحقيق أهداف النظام فى توسيع التغطية الصحية الشاملة أو تحسين أو كفاءة تشغيل هذا النظام.

علاء غنام مسئول الحق فى الصحة فى المبادرة المصرية للحقوق الشخصية وخبير فى إصلاح القطاع الصحى
التعليقات