الحاكم والحكيم (2) - جمال قطب - بوابة الشروق
السبت 20 أبريل 2024 3:53 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الحاكم والحكيم (2)

نشر فى : الأحد 15 أغسطس 2010 - 12:51 م | آخر تحديث : الأحد 15 أغسطس 2010 - 12:51 م

 6ــ نتابع ما كان بالأمس إذ يأمر النبى سليمان (صلى الله عليه وسلم) بإرسال كتابه إلى بلقيس وقومها.. وفى كلمات معدودات (إِنَّهُ مِن سُلَيْمَانَ وَإِنِّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (30) أَلاَّ تَعْلُوا عَلَيَّ وَأْتُونِى مُسْلِمِينَ (31))-النمل:30،31- فهل يتعلم أهل السياسة والسلطة كيف يقللون الكلام؟ كيف يكون الكلام واضحاً شفافاً فصلاً لا هزل فيه قليل الحروف والكلمات.
فالخطب والرسائل فى الشئون العامة بحاجة إلى وضوح وضبط واختصار غير مخل بالمعنى.
7ــ كذلك تظهر الملكة من المهارات والقدرات والإحاطة ما يصعب أن تجده فى شخص ملك أو رئيس معاصر، بل لا تجد لهذه القدرات مثيلاً فى حاشية بأسرها...
ــ فها هى المرأة تعقد اجتماعا لمساعديها، وتعرض عليهم بشفافية مطلقة ما جاءها دون زيادة ولا نقصان... ولم تعلن رأيها قبل أن تسمع منهم حتى لا تؤثر عليهم أو فتفتح لهم فلك النفاق.
ــ وأهل الشورى يقابلون شفافية الملكة بمثلها بلا كذب أو غرور، فاسمع إليهم يعلنون (نَحْنُ أُوْلُوا قُوَّةٍ وَأُوْلُوا بَأْسٍ شَدِيدٍ وَالأَمْرُ إِلَيْكِ فَانْظُرِى مَاذَا تَأْمُرِينَ) ــ النمل:33ــ
إنهم يعترفون بقدراتهم دون تهويل أو تهوين. إنهم قيادات عسكرية أعدت للحرب (أُوْلُوا قُوَّةٍ وَأُوْلُوا بَأْسٍ شَدِيدٍ...) ــ النمل:33 ــ ولا خبرة لهم بالسياسة.
إنهم يقولون للملكة: إنكِ قد اصطفيت حولك جنودا مقاتلين ولم تجمعى معنا أهل الرأى والفكر والتجربة، فليس فى أعضاء مجلسكِ كفاءة سياسية، لذلك يجب عليكِ تحمل المسئولية والوزر بمفردك... وزر اتخاذ القرار. أما نحن أهل القوة والبأس فعلينا الطاعة والتنفيذ.
8ــ تواجه الملكة قدرها ومحنتها.
ــ إنها تدرك حب الملوك للمال وشهوتهم الجارفة فى الحصول عليه ولو عدوانا دائما... وتلك عادة الملوك فلعل رشوة سليمان تمنع حرباً.
9ــ تصل الرشوة مبطنة فى ثوب الهدية فيسارع الحكيم برفض السياسة الساقطة سياسة الإفساد والرشوة.. (...أَتُمِدُّونَنِ بِمَالٍ فَمَا آتَانِيَ اللَّهُ خَيْرٌ مِّمَّا آتَاكُم بَلْ أَنتُم بِهَدِيَّتِكُمْ تَفْرَحُونَ ) ــ النمل: 36 ــ نعم فالملكة لم تعد تميز بين الحق والباطل، لاشك أن محاولتها للرشوة بدافع من بيئتها السيئة.( وَصَدَّهَا مَا كَانَت تَّعْبُدُ مِن دُونِ اللَّهِ إِنَّهَا كَانَتْ مِن قَوْمٍ كَافِرِينَ) ــ النمل: 43 ــ
10ــ لابد من تأديب هؤلاء وتعليمهم الفرق بين الحق والباطل...( ارْجِعْ إِلَيْهِمْ فَلَنَأْتِيَنَّهُم بِجُنُودٍ لاَّ قِبَلَ لَهَُم بِهَا وَلَنُخْرِجَنَّهُم مِّنْهَا أَذِلَّةً وَهُمْ صَاغِرُونَ) ــ النمل: 37ــ وأظن أن فطرتها لازالت أقرب إلى الخير، فمجرد رجوع الهدية سيعيد إليها صوابها، ولسوف يتغير الموقف إن شاء الله.
11ــ ما إن رجعت الهدية حتى أيقنت الملكة أن سليمان لا يبغى شيئا من عرض الدنيا فقد فرض زينة الدنيا التى يسيل لها لعاب الملوك... لابد من الذهاب والمقابلة والتعرف على هذا النوع من الملوك. الملوك الذين يرفضون عرض الحياة الدنيا.
12ــ رجع البريد بالخبر فإذا خلق الأنبياء وحسن معدنهم، فانظر حسن الاستعداد لإكرام الضيوف، واللطف فى لفت أنظارهم إلى علامات التأييد الالهى، بل تجد الحكيم يأمر بنقل عرشها تكريما لها وإشعارا لها بالقدرة على نقل مملكتها بكاملها وفوق ذلك يأمر بـ(تنكير) العرش وإخفاء معالمه بزينة إضافية من باب زيادة اللطف مع الضيوف.
13ــ فى أقل من لمح البصر (...قَبْلَ أَن يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ... )-النمل:40- يتم إحضار العرش وتنكيره وإنشاء صرح ضخم حوله لإشعارها بأن مصدره إلهى وليس بشريا.
14ــ وترى تأديب الأنبياء لنفوسهم بدوام تذكر نعمة الله عليهم، حتى لا يقع مغرورا أو يتحول متكبرا.
15ــ والملكة قد نشطت ذاكراتها وراجعت خبراتها وأيقنت أنها أمام قوة وقدرة لا عهد لها بها، فلا بد من الانتقال من الضعف إلى القوة ومن الجهل إلى العلم ومن الشرك إلى التوحيد.. لابد من أن تهجر جميع الظلمات وتنضم إلى معسكر النور.

جمال قطب   رئيس لجنة الفتوى الأسبق بالأزهر الشريف
التعليقات