قرض صندوق النقد: الإجابات الصحيحة عن الأسئلة الخطأ - عمرو عادلى - بوابة الشروق
الأربعاء 24 أبريل 2024 9:11 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

قرض صندوق النقد: الإجابات الصحيحة عن الأسئلة الخطأ

نشر فى : السبت 15 سبتمبر 2012 - 8:10 ص | آخر تحديث : السبت 15 سبتمبر 2012 - 8:10 ص

تفيد الأنباء بأن الحكومة المصرية بصدد إعادة التفاوض مع صندوق النقد الدولى حول قرض بقيمة 4.8 مليار دولار، وهو القرض الأكبر من نوعه فى تاريخ مصر مع الصندوق. وتفيد مصادر حكومية وأخرى من داخل الحزب الحاكم بأن القرض سيستخدم لتحقيق أهداف ثلاثة هى تمويل العجز المتزايد فى الموازنة، ولدعم احتياطات النقد الأجنبى المتآكلة. وأما الهدف الثالث من قرض الصندوق فهو معالجة مشكلة العجز فى ميزان المدفوعات، والناتج عن التراجع الشديد فى قطاع السياحة والاستثمارات الأجنبية. والخلاصة أن ثمة إجماعا بين الرئاسة وحزب الأغلبية والحكومة حول حتمية الاقتراض من صندوق النقد كمخرج أخير وربما وحيد لإنقاذ الاقتصاد الوطنى من شبح الركود وربما أزمة عملة صعبة تلوح فى الأفق مع تراجع الاحتياطيات الأجنبية.

 

يبدو للكثيرين بالفعل أن موقف الحكومة من الاقتراض له ما يبرره ويدعمه. فصندوق النقد الدولى يقدم أقل معدلات الفائدة، وشروط القرض فيما يخص التسهيلات الائتمانية وقواعد السداد كلها جيدة نسبيا مقارنة بغيره، ويضاف إلى هذا أن الاستمرار فى تمويل عجز الموازنة من خلال الاقتراض المحلى قد بات أكثر كلفة للخزانة لارتفاع سعر الفائدة بل وكلفة للاقتصاد ككل. فما المشكلة إذن مع قرض صندوق النقد الدولى؟

 

●●●

 

قد يكون الاقتراض من الصندوق حلا ــ ولو جزئيا ــ لمشكلات قصيرة المدى كما تقول الحكومة المصرية، ولكن ماذا عن الاعتبارات بعيدة المدى؟ إن صندوق النقد الدولى ليس كأى بنك تجارى عالمى يقدم قروضا نظير تحقيق أرباح من الفائدة، إنما هو مؤسسة مالية عالمية نشأت خصيصا فى أعقاب الحرب العالمية الثانية وبعد الكساد العظيم كى تسهر على تحقيق الاستقرار الاقتصادى الكلى للدول الأعضاء. ومن ثم فإن صندوق النقد الدولى لا يمارس نشاطه إلا فى إطار تحقيق الاستقرار المالى والنقدى ما يعنى أن صلاحيات الصندوق تمتد إلى القلب من السياسات العامة سواء أكانت مالية أم نقدية أم تجارية، والتى تقع فى صميم اختصاصات الحكومات الوطنية. ومن هنا فإن السؤال الحقيقى الذى يجب أن تتصدى له الحكومة والمعارضة والمجتمع المدنى هو أثر قرض الصندوق على السياسات الاقتصادية والاجتماعية العامة فى مصر على إثر أكبر ثورة شعبية تشهدها البلاد فى تاريخها الحديث.

 

ويحملنا هذا السؤال إلى استفسار جدى وحرج حول مشروطية صندوق النقد لقاء تقديم القرض للحكومة المصرية. وهو الأمر الذى تنفيه حكومة قنديل تماما كما نفته حكومة الجنزورى. وهو أمر يصعب تصديقه فى حقيقة الأمر، ويحملنا على التساؤل الآتى: إذا لم تكن هناك مشروطية على الإطلاق فعلام تتفاوض الحكومة مع الصندوق؟ وعلى أى شىء تحديدا تفاوض الدكتور ممتاز السعيد ــ وزير المالية فى حكومتى الجنزورى وقنديل ــ فى مارس؟ وعلام يعود للتفاوض مجددا مع الصندوق فى سبتمبر الجارى؟

 

قد يكون صحيحا أن صندوق النقد الدولى لم يعد يفرض شروطا مباشرة ومعلنة للاقتراض كتلك التى كان يفرضها فى الثمانينيات والتسعينيات. وهى المشروطيات التى ثبت أنها غير قابلة للاستمرار من الناحية السياسية، وغير ناجحة من الناحية الاقتصادية. ولكن هذا لا يعنى بحال أن الصندوق لا يفرض شروطا على المقترضين بل إن ما يجرى هو فرض مشروطية غير مباشرة من خلال تكليف الصندوق الحكومة الراغبة فى الاقتراض بتقديم برنامج اقتصادى مفصل يتم التفاوض حوله حتى يقره الصندوق كشرط لتوقيع القرض. ومن ثم فإن الحكومة المصرية بصدد مشروطية معكوسة تقوم على التقدم ببرنامج يحدد السياسات الاقتصادية والمالية والنقدية فى المستقبل بما يرضى الصندوق حتى يمكن التحصل على القرض.

 

ولعل هذا هو ما يفسر السرية الشديدة التى تحيط بها الحكومة البرنامج محل التفاوض مع صندوق النقد، والذى تم تسريب نسخة منه من البرلمان فى فبراير الماضى. وكان البرنامج متضمنا تصورات عامة تدور كلها حول إعداد موازنات تقشفية فى المستقبل من خلال تقليص النفقات وزيادة الإيرادات. ومن هنا فإن عقد اتفاق القرض مع صندوق النقد يعنى أن يصبح الصندوق بشكل فعلى طرفا فاعلا وشريكا مؤثرا فى صياغة وتصميم وتطبيق السياسات الاقتصادية والاجتماعية فى مصر لسنوات قادمة. وهو ما اعترف به ممتاز السعيد فى مجلس الشورى قبل عدة أيام عندما قال إن اتفاق القرض يضع التزامات على السياسات العامة فى مصر لسنتين قادمتين على الأقل.

 

●●●

 

ولعل ما يثير القلق بشدة أن المؤسسات المالية العالمية كالصندوق والبنك الدوليين والبنك الأوروبى للاستثمار قد أعدت بالفعل إستراتيجيات مفصلة حول السياسات الاقتصادية اللازم اعتمادها وتطبيقها فى مصر بعد الثورة، وكلها إستراتيجيات تهدف لضمان استمرار ذات السياسات النيوليبرالية التى طبقت على نطاق واسع فى عهد حكومة نظيف فيما بعد الثورة. ومع توافر هذه الإستراتيجيات المتزامن مع غياب أية رؤية واضحة المعالم لدى النخبة الحاكمة الجديدة فيما يخص السياسات الاقتصادية والاجتماعية وموقع العدالة الاجتماعية منها، فإن المؤسسات المالية العالمية تملك من أدوات الضغط والتأثير ما يجعلها فى موضع تطبيق ما ترنو إليه من سياسات بالفعل، خاصة مع حاجة البلاد المتزايدة على المدى القصير للنقد الأجنبى والاتجاه الصريح للاقتراض من الخارج بشكل غير مسبوق.

 

ويبدو أن هذه الحسابات قصيرة الأمد هى ما يسيطر على الحكومة والرئاسة والحزب الحاكم، وهم الذين يرون الأولوية اليوم لاستعادة معدلات النمو المرتفعة، واجتذاب رؤوس الأموال الأجنبية بأى ثمن، والاقتراض من أجل دعم الاحتياطيات الأجنبية، وكأن الاقتصاد المصرى لم يكن ينمو بمعدلات مرتفعة فى السنوات القليلة التى سبقت الثورة، وكأن حكومة نظيف قد فشلت فى جذب الاستثمارات الأجنبية، وكأنها كانت تفتقد للاحتياطيات الأجنبية. وكأن ثورة لا تكفى لبدء التفكير على المدى البعيد.

التعليقات