الكرة والسياسة - عمرو هاشم ربيع - بوابة الشروق
الجمعة 26 أبريل 2024 4:25 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الكرة والسياسة

نشر فى : الخميس 15 ديسمبر 2022 - 7:45 م | آخر تحديث : الخميس 15 ديسمبر 2022 - 7:45 م

بعد يومين يختتم مونديال كأس العالم فى قطر. واحد من أكثر السمات التى ظهرت فى هذا المنتدى الرياضى العالمى، استخدام الشعارات السياسية وربما الثقافية والاجتماعية المعبرة عن المواقف المتصلة بالقيم. هذه المواقف فى مثل هذه المنتديات الرياضية تتسم بعديد الصفات:
بداية، هى مواقف رغم كون معظمها عفويا، فهى مؤثرة للغاية فى المشاهدين والمراقبين الذين هم خارج المشهد المرئى، وهى أيضا رغم كونها سريعة ولحظية إلا أنها تعبر عن عجز عن تعبير القائم بها بوسائل منمقة كالكتابة أو الرسم أو اللقاء أو الحوار، فيستعيض المرسل عن كل ذلك بالصوت العالى أو رفع شعار أو ارتداء زى، كى يبلغ رسالته للمستقبل. هنا لاحظنا فى قطر رفع الأعلام الفلسطينية كرمز لدعم المرسل للقضية الفلسطينية، وهو ما كان بارزا فى معظم المباريات.
ثانيا، أن بعض المواقف التى أرادها المرسل كانت تلقى رد فعل صادما ومتحديا من قبل المستقبل، وبعضها كان يلقى دعما كبيرا. هنا أيضا نلاحظ محاولات إسرائيليين لقاء جمهور الكرة من العرب فى مونديال قطر، فكانوا يواجهون فى كل الحالات بالتصدى والزجر. فى حين كانت مواقف أخرى كالتى تدعم القضية الفلسطينية تلقى دعما وتشجيعا بل وتفاعلا من آخرين.
ثالثا، أن المواقف والشعارات المتخذة يتوقف صدورها على الدولة المضيفة. فقطر الدولة الإسلامية المحافظة، ترفض مجتمع الميم، وترفض رفع شعاراتهم فى دورتها الراهنة، وتقوم بمواجهة كل من يدعم هؤلاء حتى لو كانوا من الرسميين الأوروبيين. فى المقابل تترك قطر وهى دولة عربية داعمة للقضية الفلسطينية الإسرائيليين يواجهون مصيرهم بالدفع والتصدى والمواجهة من قبل العرب، بل تدعم ما يقوم به الطرف الآخر من رفع أعلام وخلافه.
رابعا، إن المواقف المتخذة من قبل رافعى الشعارات رغم كونها شعبوية، إلا أنها ترسل رسالة قوية إلى الحكام المعنيين بالقضية المتصلة بالشعار. هنا يلاحظ أن النظم العربية التى طبعت أو تنوى التطبيع مع إسرائيل لا يمكن أن تتجاهل رد الفعل الشعبى المعبر عنه فى الأفعال وردود الأفعال إزاء المحتل والمستعمر كما حدث فى مونديال قطر.
خامسا، أن الشعارات التى قد ترفع لتعبر عن مواقف معينة، أو تصرفات يقوم بها البعض كدليل على دعم موقف أو رفض موقف، هذه المواقف قد يصدر بعضها من أطراف اللعبة ذاتهم، أى لاعبى الكرة فى حالة مونديال قطر أو غيره، وبعضه يصدر من الجمهور بتلقائية شديدة. فمثلا قد يقوم لاعب بارتداء تيشيرت عليه علامة مميزة، مثل رفض حصار غزة، أو السجود بعد كل جول، كوسيلة للتعبير عن الهوية القومية أو الإسلامية، وقد يصدر التصرف المرسل من الجمهور نفسه الذى يحضر المنتدى الرياضى.
سادسا، أن بعض التصرفات التى تصدر من المرسلين رغم كونها فى أغلب الأحيان تتخذ منحى سلميا، معبرا عنه بعلامات أو أزياء أو خلافه، إلا أن بعضها وهو قليل قد يتسم بالتخطيط وليس العفوية، وقد يكون عنيفا رغم أن كون غرضه غرضا سياسيا فى المقام الأول. هنا نلحظ العملية الفدائية التى قتل خلالها 15 لاعبا من المحتلين الصهاينة فى دورة الألعاب الأولمبية فى ميونخ فى سبتمبر 1972، على يد منظمة أيلول الأسود، وكانت بسبب المطالبة بالإفراج عن الأسرى الفلسطينيين فى سجون المستعمر.
سابعا، قد تفتح المنتديات الكروية الباب أمام الدول كى تخطو خطوات إلى الأمام كى تؤكد على ضرورة الإقدام على فعل أو سلوك خارجى يؤدى إلى الانفتاح فى العلاقات بين الدول، وقد تفضى الظروف والقرعات فى المنتديات الكروية على تأكيد الانعزال والمقاطعة ورفض التطبيع. هنا من المهم الإشارة إلى أنه فى مرات كثيرة رفضت دول عربية المشاركة فى ألعاب رياضية مع إسرائيل، بسبب كونها كيانا استيطانيا ومحتلا. ولكن بالمقابل لاحظ السياسيون ما حدث عام 1971 من كون مبارة تنس الطاولة التى كانت بين فريقين أمريكى وصينى فتحت المجال لزيارة نيكسون إلى الصين، بعد خلاف كبير بن البلدين بسبب السياسة الأمريكية فى شرق أسيا.
ثامنا، إن الحماس الرياضى العفوى والمبالغ فيه قد يفضى إلى مشكلات كبيرة فى العلاقات بين الدول. ويحدث ذلك عند تنازع المشجعين إلى الدرجة التى تنفلت فيها الأعصاب، فينقلب المشهد إلى عنف مفتوح، يرافقه فتور أمنى خلال المشهد الكروى. وإذا أضيف لكل ما سبق التسخين الإعلامى المتبادل والمبكر، وتأخر القيادات السياسية فى معالجة أثار الأزمة هنا بالتأكيد تسير الأمور فى منحى القطيعة الدبلوماسية. هنا يحضرنا بالتأكيد التنافس الكروى العنيف إبان نهاية حقبة مبارك بين مصر والجزائر، والذى أثر وقتئذ على العلاقة بين البلدين.

عمرو هاشم ربيع نائب رئيس مركز الأهرام للدراسات الاستراتيجية
التعليقات