قيمة الإنسان.. قوته وصوته وحريته - ريم عبد الحليم - بوابة الشروق
الخميس 2 مايو 2024 11:02 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

قيمة الإنسان.. قوته وصوته وحريته

نشر فى : الأحد 16 فبراير 2014 - 9:10 ص | آخر تحديث : الأحد 16 فبراير 2014 - 9:10 ص

الإنسان له قيمة لا تستقيم تنمية الوطن بدونها، ومن أتم الحكام سمعا من يسمع صمت البشر قهرا، هذه كلمات مكررة وفى كثير من الأحيان مؤلمة، إلا أن الهدف من هذا المقال ليس التذكير بها وإنما إبراز ما تحويه من مفاهيم وأسس دقيقة وفق علوم التنمية ومكافحة الفقر.

فمع عجز الآليات النيو كلاسيكية التى قامت على تراكم رأس المال المادى عن إحداث تنمية مستدامة، بدأ الفكر الاقتصادى ونظريات التنمية فى التوجه نحو آليات لتحويل الاهتمام للعنصر الذى أثبت أهميته وأولويته وهو العنصر البشرى، الإنسان الذى طولب كثيرا بالتضحية بكثير من مكونات قيمته فى ظل صراعات تراكم رأس المال والمصالح والسلطة، فبدأ الاتجاه نحو مدخل الاحتياجات الأساسية، أى أن الدولة تقوم بصياغة نمط النمو والسياسة والمؤسسات أيا كان توجهها، على أن تقوم فى النهاية بتلبية مجموعة من الاحتياجات الأساسية لكل فرد فى المجتمع، وهى الصحة والتعليم والمسكن الملائم وبدونها لا يمكن للإنسان أن يحيا حياة عادلة ويحصل على فرصته فى العمل وتكوين أسرة صحية.. إلخ.

•••

لم يكن توفير الخدمات والاحتياجات الأساسية بنظرة الدولة الفوقية كافيا للتنمية العادلة، فلنتصور توفير فرص عمل دون قنوات كافية لتعبير العامل «الإنسان» عن حقوقه فى الحصول على أجرة أو تأمين ضد العجز أو الإصابة، أو حتى حقوقه عند إفلاس المشغل، ألن تكون النتيجة فقرا مفاجئا والأخطر أنه فقر «متراكم» و«صامت» يشعر طبقة العمال بالقهر والظلم الذى يفصلها عن الوطن.

وبالمثل فإن وجود سياسات تعليم غير ملائمة لاحتياجات «الإنسان» وثقافته، مع عدم وجود قنوات كافية لتعبير «الإنسان» عن رضاه عن جودة وفعالية الخدمة وتأثيراتها على متلقيها، واضطراره للرجوع للجهة المركزية فى كل مرة يتعرض خلالها لمشكلة مع مقدم الخدمة، لا يمكن أن يكون كافيا لاستفادة الفرد من الخدمة حتى ولو كانت مجانية.

وكذلك الحال فى صياغة سياسات نمو ومشروعات غير متوائمة مع طبيعة «البشر» فى المجتمع المحلى، ألن ينتج عنها إما توطين لعمالة من خارج المجتمع أو فشل فى الإنتاج، ألن تكون النتيجة هى إحباط عام واحتكاكات اجتماعية تقوم على صراع «الاستحقاق»؟!

•••

ولنتصور تهديد «الإنسان» فى أمنه وحريته لعدم وجود قواعد متفق عليها لمفهوم المخالفة الموجبة للعقاب، فهل نتوقع مجتمع يعمل ويدفع الضرائب سعيدا؟ الأثر الأخطر هو فقدان المؤسسات المطبقة للقانون ذاتها لهيبتها وفقدان الخطأ لصفاته الذاتية المنفرة مع تساوى المخطئ والمصيب، هل هذا هو الإنسان الذى يبنى عليه الوطن؟!

ولنتصور منظومة صحية لا تراعى قيمة المريض من الأساس، بل لا تراعى قيمة الطبيب ذاته، لتضع فى المواجهة شخصين محبطين يتفاعلان فى إطار أقل الإمكانات للحفاظ على حق الإنسان الأول والأعلى فى الحياة!

إن جملة «ضياع المسئولية» ليست كلمة إنشائية ولكنها كلمة تحمل معنى عمليا دقيقا، وهو عدم القدرة على تشريح النظام لتحديد المسئول الحقيقى عن الأخطاء التى تذهب بسببها أرواح البشر وأموالهم بل وأحلامهم، بما ينتج عنه من تحول الخطأ فى نفس «الإنسان» المخطئ إلى استهانة بتأثير الخطأ على «البشر» من حوله! أليست هذه الاستهانة كافية لهدم الجهاز الإدارى للدولة ولأى قطاع إنتاجى أو خدمى؟!

•••

الإنسان وفق أحدث نظريات التنمية، وهى التنمية القائمة على قيمة الفرد كوحدة للتحليل وعلى المشاركة المجتمعية كأداة لصنع السياسات وتقييم الخدمات، له قيمة تنموية كمدخل وليس فقط كمخرج لعملية التنمية، هذه القيمة الذاتية تنبع من أن الله جبله على مجموعة من المشاعر والصفات تشكل فعله ورد فعله وتجعله جزءا متداخلا مع المجتمع من حوله، يعيش فى ذاته عوالم متعددة قد لا يطلعنا عليها، ولكن تفاعله مع مجتمعه يطلعنا حتما على نتيجتها من خلال قدرته أو عدم قدرته على التأثير والنفاذ للبيئة من حوله واستغلالها.

فالإنسان الحاصل على حقوقه من تعليم وصحة ومسكن وحرية وأمن هو أداة جيدة لتحقيق التنمية من ناحية، وممتص جيد لمجهودات النمو من ناحية أخرى؛ حيث يقوم بدور محورى فى التطوير لمنظومة التنمية ذاتها والتعبير عن الاحتياجات واستكمال النواقص فيما يعرف بالاستدامة.

لا يمكن إقامة «وطن» صحى إذا مس هذه القيمة الذاتية الهدر أو التمسيخ بحيث تعجز عن التعبير عن احتياجاتها ومراقبة تأدية الخدمات بشكل يضمن فعاليتها، فهو تشويه للأداة الأهم للتنمية من خلال ربط جميع الاختيارات بقوة القوت أو الجوع، أو الإخلال بوعيها حول سلامة الاختيار بالتضليل وغياب الشفافية وعدم إتاحة المعلومة، أو بسلامة دوافعها بانتشار الفساد والإفساد والتخويف.

•••

حتى الآن لم يتم النظر للإنسان المصرى كأداة وهدف للتنمية بصورة فعلية بعيدا عن شعارات «التلبية» و«التمكين» غير الفعالة، فالإنسان المصرى ظل حبيسا لتجارب الدولة حول أدوات متتالية ومتلاحقة استعارتها من المؤسسات الدولية وطبقتها عليه وانتظرت نتيجتها دون أن تحتويه؛ بل على العكس كلما اختمر فى ذهن الحكومة تصور لمجموعة أدوات تنموية أو خطة للتنمية تعمل على تدجين الإنسان وتهميش دوره حتى تنجز خطتها، وتعيش فى الغرف المغلقة للمفاوضات مع المؤسسات الدولية لتعايش تجارب مجتمعات أخرى غير مجتمعها، فتتحدث عن التنمية المتكاملة فى مجتمع لا يمكن فيه بناء منزل بسبب مياه الصرف الصحى الضاربة فى كل مكان، وتتحدث عن سياسات التأمين الصحى الشامل والميكنة فى ظل مجتمع لا يتوافر فيه وحدة صحية تعامل الطبيب أو المريض معاملة آدمية، وتتحدث عن «التابلت» والتعليم عن بعد فى ظل عدم توافر مدرسين، وتتحدث عن بناء القدرات التقنية لموظف الدولة فى ظل موظف كل هدفه حماية منطقة المصلحة اليومية و«تظبيط» علاقته برؤسائه حتى لا يرهقه مراقبتهم فى الحضور والانصراف!

فالدولة أسيرة الغرف المغلقة ينتهى بها الحال لتتفاوض حول متطلبات التنمية على مستوى المشروع وليس على مستوى الرؤية والسياسة project based not policy based development، لأنها تصبح عاجزة عن ترتيب الأولويات وتصبح فى حال «إللى عندكم هاتوه وماله».. وهو خطأ كبير فى التقدير ينتج عنه انفصال بين المواطن والدولة نعيشه يوميا وبرز مؤخرا بصورة واضحة فى عدم وجود دافع للمشاركة خاصة بين الشباب وعدم فهم لخطاب الدولة من الأساس.

•••

إن تناول قيمة الإنسان يوجب على الدولة الاتجاه لتقوية المجتمع وأداوته قبل تقوية المؤسسات وأدواتها، ويوجب عليها التفكير فى فعالية الأدوات من وجهة نظر المواطن وليس من وجهة نظر السلطة.

قيمة الإنسان فى التنمية متعددة الأبعاد، لا يمكن فيها فصل قُوته عن صوته وحريته.

ريم عبد الحليم أستاذة الاقتصاد بجامعة القاهرة باحثة متخصصة في شؤون الفقر
التعليقات