حينما يُسْتعار «المُحلِل» - يوسف الحسن - بوابة الشروق
الخميس 25 أبريل 2024 3:07 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

حينما يُسْتعار «المُحلِل»

نشر فى : الجمعة 16 أبريل 2021 - 9:10 م | آخر تحديث : الجمعة 16 أبريل 2021 - 9:10 م

للسياسة غموضها وطلاسمها وتشعباتها، ويتطلب الخوض فى تحليلها وفك شيفرتها وأسرارها وعيا ومعرفة وخبرة وكفاءة علمية وإطلاع عميق على آلياتها وإدارتها.

وأى تحليل لها ولفضاءات عملها وتأثيراتها، بدون معلومات دقيقة ومعطيات، هو مجرد كلام فى الهواء.

وفى السنوات الأخيرة، شاهدنا فى عالمنا العربى، أعدادا كبيرة من «المحللين الاستراتيجيين» على شاشات الفضائيات العربية، حتى غدت ظاهرة مقلقة تسهم فى إرباك المشاهد حينا، وفى تزييف وعيه أغلب الأحيان.

تزايدت أعداد «المحللين» إلى درجة تفوق عدد نجوم الغناء، فمنهم العرَاف والمنجِم، ومنهم «الخبير» الذى يرجم بالغيب، أو يروِج لسياسات عابرة، تتماهى مع سياسات الشاشة الفضائية التى تستضيفه، ويُدوِر زوايا موقفه، تبعا لذلك، وبخاصة بعد أن تضيف المحطة تعريفا بمؤهلاته قد يستغرق عرضه بضع دقائق، فهو «خبير فى العلاقات الدولية والسياسة الخارجية، واستراتيجيات الدول الإقليمية» والدول العظمى، وأكاديمى وناشط حقوقى ومؤلف.. إلخ.

أتذكر «المفكك العربى» إياه فى زمن ما سمى «بالربيع العربى» الأسود، حينما طلب من المذيع، أثناء الاستراحة الإعلانية، عدم ذكر بلدين عربيين، والتركيز على سوريا فقط.

كما أتذكر قصة صاحب مطعم لبيع «ساندويشات شرقية» فى حى كوينز بنيويورك، الذى تقمص دور «المحلل السياسى الاستراتيجى، والخبير فى الشئون الأمريكية»، ونشر آراءه وتحليلاته من داخل «حمَام» مطعمه، الذى اتخذه «استوديو للبث المباشر»، وكانت تستضيفه قنوات فضائية عربية، ليشرح ويحلل السياسات الأمريكية، ويلقى الضوء على مسائل دولية شائكة، بما فيها البرامج النووية لكوريا الشمالية، والإرهاب الدولى، وقد ذاع صيته، عندما تنبأ بفوز ترامب بالرئاسة، وواصل لعدة سنوات فى تحليل خفايا المنظومات الاستراتيجية لدول عظمى، وتزييف وعى المشاهد.

وما أكثر أعداد مدعى مهنة «المحلل الاستراتيجى» من نشطاء سياسيين وحزبيين وملتزمين بخط سياسى معين، ويقدمون أنفسهم على أنهم «محايدون ومهنيون».

نعم، هى بضاعة رائجة، لترويج سياسات، ولى عنق المعرفة، وتقدم على طريقة «الطعام السريع» ويمكن تسمية صاحب هذه البضاعة أيضا بـ«المحلل السريع» و«المفكر التلفزيونى» الخاص بالقناة نفسها، ونستحضر هنا صاحبة الشعارات المثيرة التى تتبنى «الرأى والرأى نفسه».

ظاهرة مقلقة لا تحترم عقل المشاهد نشاهدها يوميا، منذ ساعات الفجر الأولى حتى ما بعد منتصف الليل، «محللون» استراتيجيون يتنقلون بخفة من محطة فضائية إلى أخرى، على غرار نجوم الغناء والفكاهة. يمارسون التذاكى، ويوزعون آراءهم وتحليلاتهم العاجلة، ينفعلون أو يصرخون أحيانا. ودوما هم «ضيوف فضائيون جاهزون تحت الطلب»، حيث يكون الإصغاء لهم دون أى قيمة معرفية وأشبه بمشاهدة فيلم سينمائى هندى يموت بطله فى نهاية الأمر.

هناك قواعد لفن التحليل، وهناك شروط موضوعية تتطلب وعيا معرفيا ومعلوماتيا، وإدراكا لأدوات التحليل، ومناقبية مهنية، تستدعى الأمانة فى رواية الخبر والتأكد من صحته قبل روايته، وعدم الخضوع للنزوات النارية الآنية، أو التعامل مع المصالح الصغرى، أو اعتبار اللحظة الراهنة وكأنها لحظة مؤبدة وممتدة إلى النهاية.

ويحضرنى هنا ما نقشه أفلاطون على باب أول مؤسسة معرفية فى التاريخ المدون وهو: «لا يدخل هذا الباب من لا يعرف الحساب». والحساب هنا هو العقل المسئول.

تذكرت مصطلحا آخر مماثلا لمصطلح «المحلل» فى السياسة والاستراتيجية وهو «المحلل» الذى ينكح المرأة المطلقَة ثلاثا بشرط «التحليل» لمن طلقها، أى جعلها حلالا.

ويسمى هذا «المحلِل» بالتيس المستعار، وهناك من يعمل بالسر بوظيفة «محلل للمطلقات» وقيل إن نكاح «المحلل» باطل وفاسد.

وكلا «المحللَيْن» يشتركان فى تهريب «تحليلاتهما» بالاحتيال، وإطالة آذان من يتعامل معهما.

يوسف الحسن  مفكر عربي من الإمارات
التعليقات