الانفجار السكانى ليس سببًا للكوارث البيئية - مواقع عالمية - بوابة الشروق
الجمعة 26 أبريل 2024 9:54 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الانفجار السكانى ليس سببًا للكوارث البيئية

نشر فى : الثلاثاء 17 مايو 2022 - 7:35 م | آخر تحديث : الثلاثاء 17 مايو 2022 - 7:35 م

نشر موقع Eurasia Review مقالا بتاريخ 30 إبريل للكاتب جراهام بيبلز، يقول فيه إن الازدياد السكانى لم يكن أبدا مصدرا للأزمات البيئية، وموضحا أن التغيرات الديمغرافية التى يشهدها العالم لها عامل كبير... نعرض من المقال ما يلى:

بداية، هناك عدد كبير جدا من الأشخاص فى العالم (7.9 مليار وقت كتابة هذا التقرير)، فى عام 1950 كان عدد السكان 2.5 مليار فقط، وعلى مدى السنوات الستين التالية زاد عدد السكان بشكل كبير، لا سيما فى الصين والهند، حيث وصلت الزيادة لأكثر من مليار شخص فى كلا البلدين.

الكثير من الناس يعيشون فى مدن ملوثة وصاخبة، وكثير منهم فى الدول النامية يقطنون فى أماكن فقيرة أو مهينة؛ ويعيشون على هامش المجتمع وسط قلة الموارد، والمياه، والغذاء، وما إلى ذلك. لكن غالبا ما ينظر إلى الزيادة السكانية (عن طريق الخطأ) على أنها سبب للكوارث البيئية، إلا أن الأعداد الكبيرة ليست مصدر أزمة أو المحرك لها. فتاريخيا، كان يغذى تغير المناخ والكارثة البيئية الاستهلاك المسعور وأنماط الحياة غير المسئولة لتحقيق الراحة للأثرياء فى الدول الغربية. كذلك الصين مسئولة عن أكبر عدد من انبعاثات غازات الاحتباس الحرارى، ونتيجة لذلك تتعرض للانتقاد بشكل مستمر، ولكن السموم تنتج بسبب عملية التصنيع التى تعد استجابة لمطالب أوروبا والولايات المتحدة.
• • •
إذن، القضية لا تتعلق فقط بالاكتظاظ السكانى لكن بالتغيير الديمغرافى أيضا. الموضوع معقد ويحتوى على مجموعة من التحديات كالرعاية الاقتصادية والصحية والاجتماعية، بالإضافة إلى أسئلة أساسية حول القيم والنهج العام للحياة وفهمنا وعلاقتنا بالموت. دعونا نعترف بأن العيش لفترة أطول هو شىء يتوق إليه كثير من الناس، هو رغبة تنجم جزئيا عن الخوف من الموت، وهذا سائد بشكل خاص فى الغرب وأفريقيا وأمريكا الجنوبية والشرق الأوسط. ومع ذلك، هناك بلدان توجد فيها رؤية أكثر توازنا وربما أكثر استنارة للموت مثل الهند ونيبال وخاصة التبت، فضلا عن بعض الجماعات القبلية.

ونتيجة للتقدم فى الطب وتغيير نمط الحياة، يعيش الناس لفترة أطول، وتتزايد نسبة كبار السن بسرعة. فعلى الصعيد العالمى، كان هناك 727 مليون فى سن 65 عاما أو أكثر فى عام 2020. ومن المتوقع أن يتضاعف هذا الرقم بحلول عام 2050 إلى 1.5 مليار، يعيش 80٪ منهم فى البلدان الفقيرة أو المتوسطة الدخل (الهند والصين على سبيل المثال).

لا يقتصر الأمر على شيخوخة السكان فى جميع أنحاء العالم، ولكن معدلات المواليد تتراجع أيضا، باستثناء إفريقيا، مما يعنى أنه فى العديد من المناطق ستصبح المجتمعات رمادية (أغلبها من كبار السن): ففى الصين العام الماضى كان هناك 11 ولادة لكل 1000 شخص مقارنة بـ 22 /1000 عام 1980؛ أما فى أوروبا فى عام 2020، كان هناك 10 مواليد لكل 1000 شخص، بينما فى عام 1980 كان عدد المواليد 15. تشهد الولايات المتحدة أيضا اتجاها هبوطيا فى المواليد: فى عام 2021 كان المعدل 12 لكل 1000 شخص، انخفض من 15 فى عام 1980 و24 فى عام 1950. معدلات المواليد آخذة فى الانخفاض أيضا عبر إفريقيا، وإن كان ذلك بوتيرة أبطأ؛ فقد كان المعدل 45 /1000 فى عام 1980 إلى 32 /1000 فى عام 2021. صحيح أن أفريقيا تعد نقطة إيجابية فى هذا المشهد، لكن يعنى هذا أيضا أنه بمجرد أن يبلغ عدد سكان العالم ذروته فى عام 2070 (يتوقع أن يصل إلى تسعة مليارات)، فإن عدد السكان سيبدأ فى الانخفاض تدريجيا.

ومع ذلك، الأمر لا ينطوى على هذا فحسب، بل هناك التحول من الحياة الريفية إلى المدن بحثا عن فرص عمل، والذى بدأ يتزايد منذ عدة عقود (أكثر من 50٪ من الناس على مستوى العالم يعيشون الآن فى مدينة وأغلبهم من الشباب). هذه الحركة لها تأثير مدمر على المجتمعات الريفية والعائلات؛ فالقرى/ البلدات الصغيرة تحتضر الآن وتتآكل الأسر. وغياب الأجيال الشابة يعنى أن معظم كبار السن فى الولايات المتحدة وأوروبا واليابان، إما يعيشون بمفردهم أو مع شريك مماثل فى العمر، وغالبا ما يكون لديهم دعم عائلى ضئيل أو معدوم. كل هذا عوامل تساهم فى التغيير الديموغرافى، وفى التأثير على الأسر والمجتمعات الصغيرة فى الريف.
• • •
الآثار المجتمعية للتجمعات الكبيرة لكبار السن كثيرة، والقضايا التى تواجهها الحكومات متنوعة وملحة. والأهم هو الرعاية الصحية والاجتماعية، وكلاهما إما يعانى من نقص التمويل على نطاق واسع (المملكة المتحدة على سبيل المثال)، أو باهظ التكلفة (الولايات المتحدة)، أو غير موجود أو غير كافٍ (المناطق الريفية فى أفريقيا جنوب الصحراء وريف جنوب شرق آسيا).

مثل هذه الخدمات العامة الأساسية والرعاية الصحية/الاجتماعية يجب اعتبارها دائما خدمة عامة وليست تجارة ومن ثم تحتاج إلى تمويلها بشكل صحيح؛ والنموذج المثالى للاستثمار العام هو الدول الاسكندنافية. ففى عام 2017، أنفقت الدنمارك والنرويج والسويد ما متوسطه 5400 دولار للشخص الواحد على الرعاية الصحية، وبالمقارنة مع المملكة المتحدة، التى تفخر بخدماتها الصحية الوطنية (NHS)، أنفقت 3760 دولارا فقط للشخص الواحد.
الدول الاسكندنافية تستطيع الإنفاق على هذا المستوى، لأن السكان والحكومات يدركون أهمية المجتمع، وعلى استعداد لدفع الضرائب بمعدل يمكن الخدمات العامة، بما فى ذلك الرعاية الصحية، من الحصول على التمويل بشكل صحيح. فى الدنمارك فى عام 2019 على سبيل المثال، كانت نسبة الضريبة إلى الناتج المحلى الإجمالى 46.3 فى المائة، لكن فى الولايات المتحدة حيث لا يمكن لملايين الأمريكيين تحمل تكاليف الرعاية الصحية، كانت 24 فى المائة فقط، أى النصف تقريبا؛ أما بلدان إفريقيا جنوب الصحراء، ذات الناتج المحلى الإجمالى المنخفض، بلغت نسبة الضريبة 16 فى المائة.

فى كل الأحوال، يعتمد إنشاء نظام رعاية صحية/اجتماعية وتمويله بشكل كافٍ على طبيعة المجتمع الذى يريد الناس العيش فيه، ونوع العالم الذى نريد خلقه. هل نريد بناء مجتمعات ديمقراطية حقيقية تقوم على العدالة الاجتماعية والحرية والمساواة والمشاركة. المجتمعات التى يُعترف فيها بأن الرعاية الصحية/الاجتماعية لها أهمية أكبر من الإنفاق العسكرى؛ المجتمعات التى تكون فيها المسئولية عن الآخرين لها الأولوية، أم أننا سنواصل كما نحن، نعيش فى مجتمعات غير ديمقراطية وغير عادلة وغير صحية على نطاق واسع تستفيد فيها القلة ويمارسون السيطرة على الأغلبية؟ أى حكومة عاقلة ستعطى الأولوية لشراء الأسلحة على بناء المستشفيات أو دور الرعاية، وما هو المجتمع الذى سيسمح بحدوث مثل هذا الجنون؟
كلمة أخيرة، مع تزايد الطلب على الدعم من قبل كبار السن وتعرض أنظمة الرعاية الصحية/الاجتماعية لضغوط متزايدة، فإن مثل هذه الخيارات(الرعاية الصحية والاجتماعية أم الإنفاق العسكري)، ستصبح أكثر وضوحا وأكثر حدة؛ ولكن عندما تكون الفطرة السليمة والعقلانية هما من يوجهان الإجراءات ويغرسان القرارات، فسيتبين أنه لا يوجد خيار على الإطلاق.

ترجمة وتحرير: ياسمين عبداللطيف زرد
النص الأصلى: هنا

التعليقات