مساجلات ما بعد الواقعة الأمريكية - عبد الله السناوي - بوابة الشروق
الخميس 25 أبريل 2024 10:01 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

مساجلات ما بعد الواقعة الأمريكية

نشر فى : الإثنين 18 يناير 2021 - 9:30 ص | آخر تحديث : الإثنين 18 يناير 2021 - 9:30 ص


المساجلات الأمريكية إثر اقتحام مبنى الكونجرس تنبئ عن تفاعلات عميقة تتجاوز ما هو ظاهر على السطح السياسى.
القضية ليست أن يغادر الرئيس المنتهية ولايته «دونالد ترامب» البيت الأبيض معزولا الآن وفورا بتهمة «التحريض على التمرد»، أو أن يستكمل مدته لأيام وساعات متبقية لحين تنصيب الرئيس المنتخب «جو بايدن».
ولا كانت محاكمته المفترضة لمرة ثانية أمام مجلس الشيوخ فى الوقت بدل الضائع، تستحق كل تلك المساجلات، التى عمت الولايات المتحدة بمؤسساتها وصحافتها وإعلامها وكل شيء يتحرك فيها.
نظريا: كل شيء على ما يرام، بعد أن اضطر «ترامب» مرغما فى شريط مصور إلى إدانة الاقتحام المروع والتبرؤ من مناصريه، الذين خطب فيهم محرضا، حتى يفلت من أية مساءلة قانونية.
فى الشريط المصور لم يتطرق إلى سيناريو محاكمته بنصيحة من مستشاريه القانونيين، لكنه كان قد لوح قبله بأن عزله سيقابل بغضب عارم!
القضية ليست هنا.
التنازع على المستقبل صلب ما يجرى الآن من مساجلات سياسية حول مغزى محاكمة «ترامب» يوم (19) يناير الحالى، قبل يوم واحد من تنصيب الرئيس الجديد!
الديمقراطيون يحاولون اقتناص ما أبداه من تهور وحمق فى حادث الاقتحام لتصفية حسابات سياسية وشخصية معه والنيل من مركز وصورة الحزب الجمهورى.
هكذا أبدوا تماسكا كاملا حول مطلب عزل «ترامب» بالمحاكمة لمنعه مستقبلا من تولى أى منصب فيدرالى، وإنهاء أية فرصة أمامه للترشح للانتخابات الرئاسية عام (2024).
يلخص موقف «نانسى بيلوسى» رئيسة مجلس النواب قدر الحزم فى النيل من «ترامب».. «إنه خطر على الولايات المتحدة ولابد أن يرحل فورا».
والجمهوريون منقسمون بفداحة حول مدى الضرر الذى يمكن أن يلحق بالحركة المحافظة فى أية انتخابات مقبلة، ومدى القدرة على الخروج على إرث «ترامب» دون تشققات كبيرة داخل الحزب.
هكذا تباينت المواقف داخل قياداتهم فى مروحة واسعة نسبيا مالت أغلبها إلى التصويت ضد محاكمة «ترامب» وتقبل توبيخه.
يلخص موقفا نائب الرئيس «مايك بنس» وزعيم الأغلبية الجمهورية فى مجلس الشيوخ «ميتش ماكونيل» قدر الحيرة التى استبدت بهم.
الأول، ذهب إلى «نصف انقلاب» على «ترامب»، أعلن التزامه بإرادة الناخبين فى صناديق الاقتراع ورفض «قلب نتائج الانتخابات الرئاسية» بصفته رئيسا لمجلس الشيوخ فى جلسة التصديق، لكنه رفض تفعيل التعديل الخامس والعشرين من الدستور الأمريكى، الذى يبيح له عزل الرئيس.
والثانى، ذهب أبعد قليلا فى التخلص من إرث «ترامب» وسطوته، أدانه بحسم وحمَّله مسئولية اقتحام مبنى «الكابيتول» وأنه يستحق المساءلة غير أنه مانع عزله بالمحاكمة، بذريعة أن الوقت لا يسمح، فيما هو يحاول أن يمنع تفكك وحدة الموقف الجمهورى مراهنا على الوقت لطى صفحة «ترامب» وتقويض نفوذه.
رغم الحدة فى المساجلات الأمريكية إلا أنها لا تلخص حقيقة الأزمة ولا مدى خطورتها.
الأزمة تاريخية وبنيوية تعود أصولها إلى إرث الحرب الأهلية بين عامى (1861) و(1865) على خلفية الصدام بالسلاح بين ولايات الشمال والجنوب فى قضية العبودية.
رغم التطورات الجوهرية، التى لحقت بالمجتمع الأمريكى وبروز أدوار الأقليات فى السياسة العامة، إلا أن العنصرية ما زالت تقسمه وتهدد وحدته.
كما أن إرث النشأة على حساب المواطنين الأصليين، الذين تعرضوا لمجازر على يد المستوطنين البيض، أفضت إلى نوع من الثقافة ترى ان حيازة السلاح حق لا ينازع.
بعد انتهاء الحرب الأهلية صيغ النظام السياسى الأمريكى على أسس فيدرالية بالغة التعقيد حاولت أن تتجنب مزالق التقسيم، لكنها أفقدت الانتخابات الرئاسية احتكامها النهائى إلى التصويت المباشر، كما يحدث فى الديمقراطيات الأخرى.
فى أى نظام ديمقراطى لا معقب على إرادة الشعب بصناديق الاقتراع، وليس متصورا «قلب النتائج» على أى نحو من مجمع انتخابى، أو من مجلس نيابي!
رغم النجاح الذى حازته المؤسسة الأمريكية فى مواجهة التفلتات غير المسبوقة لساكن البيت الأبيض إلا أنه لا يخف قدر الاهتزاز الذى ضربها ووضع المستقبل الأمريكى كله بين قوسين كبيرين.
ذلك النجاح استبعد مؤقتا أية سيناريوهات لتفكك الولايات المتحدة بأثر التنازع على طبيعة الدولة نفسها، إذا ما كانت دولة تتسع لجميع مواطنيها على قدم المساواة بغض النظر عن أصولهم العرقية، أم أنها دولة الرجل الأبيض وحده صاحب الحق الحصرى فى الثروة والسلطة؟
بترجمة سياسية فإن قدر الكفاءة التى أبدتها الديمقراطية الأمريكية فى تطويق الأزمة غير المسبوقة منعت «السيناريو السوفييتى» الذى ضرب القوة العظمى الثانية بالتفكك مطلع ثمانينيات القرن الماضى، من أن يمضى إلى آخره لكنه بصورة لا يزال ماثلا فى المكان بتساؤلات لا يمكن تجاهلها.
ما مغزى ما أقدمت عليه رئيسة مجلس النواب «نانسى بيلوسى» من اتصال برئاسة هيئة الأركان للقوات الأمريكية بذريعة الخشية من أن يدفع رئيس غير متزن البلاد إلى حرب مفاجئة، أو أن يستخدم السلاح النووي؟
كان ذلك الاتصال سابقة فى التاريخ الأمريكى كله، وهو خروج عن مقتضيات منصبها أيا ما كانت أسبابها.
فى أوضاع شبه طبيعية فإنها تستحق التوبيخ.
وما مغزى البيان، الذى أصدره قادة «البنتاجون» عن التزامهم مقتضيات الدستور فى الوفاء بمهامهم؟
فى أوضاع شبه طبيعية فلا حاجة لإصدار مثل هذه البيانات، أو تأكيد ما هو ثابت ومؤكد.
وما مغزى الإجراءات الأمنية المشددة وفرض الطوارئ فى واشنطن، والأعداد الكبيرة من الحرس الوطنى، التى ترابط فى المكان، وتفترش قاعات وردهات مبنى الكونجرس؟
الإجراءات ضرورية لكنها تنطوى على توقعات بانفلاتات محتملة، يوم التنصيب أو بعده.
ثم ماذا كان يمكن أن يحدث لو أفلت اقتحام الكونجرس إلى مقتل نوابا من الحزبين فيما يشبه المجزرة؟
لم يكن مستبعدا تدخل الجيش الأمريكى لحفظ النظام العام أمام الفوضى الدموية.
فى حدود ما حدث نجت الديمقراطية الأمريكية من الأفخاخ المنصوبة، غير أن أشباح ما جرى ما زالت تحوم فى المكان.