المذهب الماركسى - رجائي عطية - بوابة الشروق
الجمعة 19 أبريل 2024 3:15 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

المذهب الماركسى

نشر فى : الأربعاء 18 مارس 2020 - 10:20 م | آخر تحديث : الأربعاء 18 مارس 2020 - 10:20 م

تقوم المادية الماركسية ــ فيما أبدى العقاد ــ على أساس مستعار من مذهب هيجل الفيلسوف الألمانى صاحب «المثالية» أو «الفكرية الحديثة»، وأورد لينين فى تعليقاته الفلسفية التى نشرت بعد موته: «إن كتاب «رأس المال» لا معنى له بغير مذهب «هيجل» القائم على تطور النقائض أو الثنائية».
ولباب مذهب «هيجل» أن الوجود والحق إنما هو وجود الفكرة المطلقة، وأن الفكرة أبدية أزلية ولكن قدرتها رهينة بالقوة والقابلية، وسبيل تحققها بالفعل فى أطوار التاريخ.. فالفكرة تعرف كل شىء بالقوة والقابلية، وتتطور ثم تصل إلى أرفع أطوارها فى وَعْى الإنسان.. وبهذه المعرفة تتحقق الحرية المطلقة، وتصل إلى تمامها بتمام الحرية.
وأطوار الفكرة تتكامل، فكل طور ناقص يتممه طور آخر فيما سماه «هيجل» قانون النقائض أو قانون الثنائية، وسماه آخرون قانون الحوار من باب المجاز، فالحوار يجرى على رأيين متقابلين.. ولذلك فكل طور من أطوار التاريخ لا يشتمل على«كُلٍّ» كامل، بل يشتمل على «جزء» يقابله جزء آخر، وتكمن فيه جرثومة التناقض لأنه «بعض» وليس «بكلٍّ» محيط بجميع الخصائص والأطوار.
فنحن لا نفهم شيئًا من الأشياء بما هو عليه فقط، بل وبما ليس عليه أيضًا، أو كما قيل قديمًا: «وبضدها تتميز الأشياء».
والتناقض ــ على هذا ــ هو دافع الحركة ودافع التقدم والحرية، إلى أن يبطل التناقض فى الأجزاء باحتوائها جميعًا فى «الكل» الذى لا شىء فيه يناقض بعضه بعضًا.
ومقتضى مذهب «هيجل» ــ فيما يقول العقاد ــ إن الحكومة البروسية هى أعلى ما ارتقى إليه الوعى الكونى من أطوار التاريخ، فبقيامها بين المحكومين تتحقق حرية الجميع بلا تصادم حرية أحدٍ بآخر.
وعلى حسب مذهب «هيجل» يمكن أن يقال إن الفوضى الأولى فى المجتمعات البدائية تبعتها السلطة المطلقة، وبها مع الفوضى اجتمع نظام الاستبداد المحدود، ثم ظهر نقيضه فى نظم الحكومات الديمقراطية والإمبراطورية المتحدة.
ومع تعدد مظاهر التاريخ، فإنها تدل عليها ــ عند «هيجل» ــ الأفكار والفنون، كما تدل عليها الدول والنظم والقوانين.. وتخلق هذه المظاهر بواعث الرجاء ثم تأتى بعدها بواعث اليأس، والذى يعود فيقوينا ويستنفر عزائمنا لنتخطاه، ونتطلع إلى رجاء أعظم وأبقى، ومن هنا تترقى المعتقدات وتترقى المعرفة وشعائر الأديان.
* * *
جاء «كارل ماركس»، فأبقى فقط إطار مذهب «هيجل»، ولكنه أفرغه من محتوياته، ونقله من مذهب فكرى لا يرى غير الفكرة ــ إلى مذهب مادى لا يرى شيئًا غير المادة، وسمى ماركس مذهبه هذا بالمادية الثنائية، وسمى قوانينها بالتفسير المادى للتاريخ.. فالمادة عند ماركس هى كل شىء، والفكرة عنده مخلوقة من المادة، بل والوعى الإنسانى ما هو إلا أعلى ما ارتقت إليه المادة!
ويستعير ماركس فكرة النقائض لهيجل، ولكن ليوظفها بمفهوم آخر هو أن الضرورات المادية فى المجتمع هى التى تحرك أدوار التاريخ، فيأتى كل دور منها «بنقيض» ما تقدمه.. ولا تزال الأدوار تتعاقب نقيضًا بعد نقيض حتى يأتى الدور الأخير فى المجتمع الإنسانى والذى يستولى عليه نظام واحد لا أضداد فيه.
ويتخذ ماركس من «الإنتاج» الذى تحتاجه الضرورات المادية ــ يتخذه المحزَّ الذى تدور حوله الأعراف والعقائد والأخلاق، وتشتجر حوله الأطوار فيما يسميه «حرب الطبقات»..
وهذه هى النقائض المادية التى يعوِّل عليها ماركس فى تفسير التاريخ.
فمن المشاع فى الملكية، إلى استيلاء السادة على وسائل الإنتاج باستخدام الأرقاء والمسخرين، إلى حلول الفرسان أرباب الاقطاعات محلهم، ثم تجار المدن وأصحاب الأموال البرجوازيون من بعدهم، ثم ليأتى الطور الثانى من أطوار رأس المال مع تقدم الصناعة ونشوء الصناعة الكبرى فى عصر التجار والمخترعات الحديثة.
وعلى هذا التصوير، تنتقل نقائض التاريخ الإنسانى، من عصر الشيوع البدائى إلى عصر الرق إلى عصر الاقطاع إلى عصر البرجوازية إلى عصر رأس المال الأخير، وهنا تنتهى النقائض لانتهاء عصر الاستغلال.
وعلى حسب المادية الثنائية، يموت كل دور من أدوار التاريخ بجراثيم الفناء التى تتوالد فى بنيته، ولكنه لا يموت حتى يبلغ قصاراه من التمام.. وآخر عهده بالتمام هو أول عهده بالزوال.
ويخرج ماركس إلى أن أدوار الاستغلال آلت إلى الاستغلال الأكبر وهو دور الصناعة الكبرى الذى يبنى عليه نظريته.. وهو استغلال يرى أنه يعيش بما يسميه «القيمة الفائضة».. فبهذه القيمة الفائضة ينمو، ثم بذات هذه القيمة الفائضة يموت.
أما «القيمة الفائضة» فهى تقوم فى مذهب «كارل ماركس» ـ على نظرية العمل والكسب، على أساس أن العمل هو الذى يعطى كل شىء قيمته، ولا قيمة لشىء بغير العمل الاجتماعى الذى يُبْذل فيه.
ولو لم يكن هناك استغلال لحصل العامل على كل ثمرة عمله، إلاَّ أن صاحب المال يستغل اضطرار العامل، فلا يعطيه من ناتج عمله سوى ما يكفى لقوته وضرورات المعيشة، ويحتجز الباقى لنفسه، وهو ما يزداد تضخمًا بتقلبات العرض والطلب، سواء برفع الأثمان، أو إنقاص أجور العمال، فتزداد قيمة الفائض الذى يحتجزه صاحب المال لنفسه، وهو ما يسميه ماركس بالقيمة الفاضلة.. أو بعبارة أخرى فائض القيمة الذى يستأثر به المستغلون أصحاب رءوس الأموال.
ومع أن «كارل ماركس» يعلم أن العالم يقوم على الأوطان والعقائد وآداب السلوك والعرف المتبع بين الأمم، إلاَّ أنه يدعو إلى هدمه، مقررًا أن كل هذا تابع لنظام رأس المال، ولا بد من ثم أن يزول حتى ينشأ المجتمع الإنسانى على ما يتخيله.
وأهم عناصر هذا المذهب: المادية ووسائل الإنتاج وصراع الطبقات، والقيمة الفاضلة أو فائض القيمة.

المادية

تفسير «المادية» بالظواهر النفسية، يورى بأنها أدنى المذاهب إلى اليأس والعنف والخطط الآلية، وأشد الماديات إغراقًا فى اليأس والعنف ــ فيما يرى العقاد ــ هى المادية التى اختارها «كارل ماركس» وسمَّاها بالمادية الثنائية.
فالمذاهب المادية متعددة، أشهرها المادية «المَكنيّة» (التمكن والمكانة: آلة أو جهاز)، والمادية «الناموسية» (من الناموس = القانون أو الشريعة).
والمادية «المكنية» هى التى تتخيل الكون فى صورة مكنة (آلة) مدارة، تتركب كل أداة منها فى موضعها وتدور كما تدور الآلات.
فلا بد عند «كارل ماركس» من مكنة تدير نفسها من باطنها، ولا يمكن أن تُدار من خارجها على فرض من الفروض، ولهذا يجب أن تسقط المادية المكنية أو «المكنازم» Mechanism من الحسبان على أى احتمال.
ويرى العقاد أن مادية النواميس شبيهة من بعض الوجوه بالمادية المكنية، وهى التى يقول أصحابها أن ظواهر الكون المحسوسة كلها مادية.. تديرها النواميس المركبة فى طبائعها، وتتحرك فى نطاقها بأمر خالق المادة وخالق النواميس.
ويرفض كارل ماركس المادية المكنية، لأنها تفتح الأبواب لافتراض «المدير المدبر»، ومتى كان ذلك، فإن المادية التى تؤمن بوجود الحقيقة من وراء الظواهر والنواميس ـ تكون مرفوضة من باب أولى.
وسواء كان رفض ماركس للمادية المكنية صحيحًا أو غير صحيح، فإن ما يعنى العقاد منه هو موقعه من الظواهر النفسية، لأنه أقرب المذاهب موقعًا من اليأس والعنف.
أما البحث فى هذه المادية بمقاييس الفكر والعلم فمحصوله أنها ترقيع، وتفكير ساذج، وبقية من بقايا الخرافات الإسرائيلية، ولا تنتهى إلى النتائج التى افترضها «ماركس»، ومن الترقيع أن تستعير فلسفة «هيجل» من المثالية إلى المادية وأن تستعير مصطلحاتها وأطوارها.. والغريب إسناد البطلان إلى فلسفة «هيجل»، كما وضعها صاحبها، ثم القول بأنها صحيحة فى «استعارة» كارل ماركس!
ويرى الأستاذ العقاد أن السخافة فى المادية الماركسية، أظهر من سخافة الترقيع والتلفيق، لأنها تقوم على النظرة العامة السهلة التى كانت شائعة بين جمهرة المتعالمين فى القرن السابع عشر على ما فى منطقهم من تهافت.
وعند هؤلاء أن المادة مفسرة بالبداهة، ناطقة بالبداهة، غنية بالبداهة، عن كل تفسير وكل تعبير.
وهذه النظرة الساذجة ــ هى نظرة «التفسير المادى» للوجود.. ظاهره وخافيه، وهى نظرة «كارل ماركس» فى تفسير الكون وتفسير التاريخ.. ولم تكن سذاجة هذه النظرة خافية فى عصر «كارل ماركس»، ولكنها خفيت عليه فى تعجله ومتابعته لهواه، دون أن يلتزم الأناة والروية أمام المجهول!.

‏Email:rattia2@hotmail.com
‏www.ragai2009.com

التعليقات