«وعى إسلامى مختلف».. عن أساطير يجب التخلص منها! - أحمد عبدربه - بوابة الشروق
الجمعة 26 أبريل 2024 11:07 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

«وعى إسلامى مختلف».. عن أساطير يجب التخلص منها!

نشر فى : السبت 18 يونيو 2016 - 8:30 م | آخر تحديث : السبت 18 يونيو 2016 - 8:30 م

هناك ثلاث فرق أدعوك عزيزى القارئ عدم الالتفات إليهم حينما يحدثونك عن تجديد الخطاب الإسلامي! الأول، هو فريق أن الإسلام يتعرض لمؤامرة، وأننا ــ إن شاء الله ــ لمنتصرون وقادرون على سحق أعدائنا وأن العزة فى النهاية لنا! أما الثانى فهو فريق أن الإسلام هو المشكلة وهو أصل كل الشرور وأن الحل هو الفصل التام بين الدين والدولة والسياسة والمجتمع، وجعل الدين مجرد احتفالية ثقافية فنية نسترجع فيها ذكريات الماضى دون أن نتخذ منه تعاليم أو رسائل، أما الفريق الثالث والأخير فهو فريق أن التحديث يأتى عن طريق سحق البشر لصالح الحجر وأن القائد الملهم التحديثى قادر على التطوير والتجديد والتقدم والنهضة بتقييد الحريات وانتهاك الحقوق.


●●●


لن يُجدد الخطاب الإسلامى ممن لا يؤمن بالإسلام كدين جاء عن طريق رسالة سماوية له تعاليم وله منطق وله حضارة وله تاريخ يلهم بالضرورة من يؤمن به! من حق أى إنسان أن يشك فى رسالة الإسلام وألا يؤمن بها، ولكن بالمنطق لن يتمكن هؤلاء من تجديد خطاب هم أصلا غير مؤمنين به حتى لو لم يجهروا بهذه الحقيقة خوفا من دفع أثمان مجتمع مأزوم ومذعور يُفضِّل التظاهر بالإيمان للحفاظ على «النظام العام».

كما لن يجدده أيضا هؤلاء الذين لا يؤمنون بحق غيرهم فى الحياة! أولئك المتطرفون من أنصار حرق وقتل الآخر لأنه لا يؤمن بنفس الرسالة أو بنفس التعاليم! أولئك الذين حولوا الدين إلى كهنوت وكهنة معتقدون بسذاجة وجهل يحسدون عليه أن مليارات البشر الذين خلقهم الله قبلنا، والذين يعيشون معنا الآن والذين سيأتون بعدنا، كلهم فى النار وأنهم الفئة الوحيدة المختارة! وأخيرا فلن يجدد الخطاب ولا الإيمان أيضا هؤلاء الموهومون المخدوعون بفكرة القائد التحديثى الذى يتآمر عليه العام وسينتصر فى النهاية بعد أن رهنوا له العام والخاص ومازالوا يفعلون!


حتى يتم تجديد الخطاب الدينى والذى هو ضرورة ملحة فى هذه الأيام، فلابد أن نفهم أننا (كمسلمين)، سواء كان إسلامنا إيمانا وعقيدة أو ثقافة أو وراثة أو وجاهة وعلاقات قوة، نعيش وسط مجموعة مسلمات شكَّلت وعينا العام ومازالت تؤثر، وهى فى الواقع ليست أكثر من أساطير مؤسسة لوعينا المعاصر ولا مفر من الاشتباك معها وتفكيك منطقها الواهم!


●●●


«وجدنا إسلاما بلا مسلمين»، لعلها الأسطورة الأكثر بؤسا تشكيلا لوعينا المعاصر! أسطورة بها قدر عجيب من الصلف والنرجسية والاستسهال والانعزال عن الواقع! العبارة يتم ترديدها منذ القرن التاسع عشر على الأقل تفسيرا لأسباب تقدم وتحضر الآخر (غربا أو شرقا) وتخلف مجتمعاتنا الإسلامية! بدلا من أن نعطى الآخر حقه فى التقدم والنهضة بأسلوبه وثقافته وتاريخه وخصوصيته، نستسهل ونعتبر أنهم يتبعون الإسلام ثم نتحسر لأن ما ينقصهم فقط هو أن يتحولوا إلى «الإسلام»! ما هذا البؤس؟! أنت لم تجد إسلاما ولم تجد مسلمين، ولكن وجدت حرية وليبرالية وديمقراطية وعدل وحوكمة وشفافية ومساءلة جعلت هذه المجتمعات تتطور للأفضل رغم ما فيها من مثالب ومشاكل وعيوب لا ينكرها أحد! حينما نتخلص من هذه النزعة المركزية البائسة فى فهمنا لتطور التاريخ البشرى (السابق والتالى للرسالة الإسلامية)، فسيكون وقتها فقط هناك فرصة للتجديد وإعادة الحياة والفهم لتعاليمنا الإسلامية!


«العودة إلى الله كسبيل للتقدم»، أعلم أن هناك حساسية كبيرة فى أن اسمى تلك العبارة «أسطورة»! لكنها الحقيقة المؤلمة التى يجب أن نعيد فهمها! العودة إلى الله لا يجب أن تكون مشروطة بأى شيء! لا قبل العودة ولا بعدها! العودة إلى الله هو شعور سرمدى تتلامس فيه الغيبيات مع الفطرة مع الخبرة الشخصية والحياتية، تتعانق فيه روح الجسد مع رسالة السماء، وهى بهذا المعنى تختلف معانيها ومعالمها من شخص إلى آخر! هناك من «يعود إلى الله» بالصلاة أو الصوم أو الزكاة أو الحج أو غيرها من العبادات التى ربما قد يكون انقطع عنها فترة إنكارا أو شكا أو كسلا أو ارتباكا! وهناك آخر يعود إلى الله بعد أن يصحح مظالم قد قام بها فى هذه الحياة وآذى بها غيره من البشر، وهناك من يعود إلى الله بتنقية نفسه وروحه بالذكر أو التواشيح أو المديح! وآخرون يعودون إلى الله بالتأمل فى البحار أو الجبال أو بالعطف على الحيوانات أو بمساعدة اللاجئين والعاجزين ومن تقطعت بهم سبل الحياة! العودة إلى الله ليست معادلة للتقدم أو التخلف، العودة إلى الله خبرة شخصية غير مشروطة وغير محدودة ولا يمكن وصفها إلا لمن مرَّ بخبرتها، وهى بهذا المعنى لا علاقة لها بالتقدم ولا بالتخلف، فأكثر المجتمعات تقدما فى عالمنا المعاصر هى مجتمعات ينتشر بها الإلحاد!


«الإسلام ليس به كهنوت»! أشعر بالسخرية وأن الضحك يساوى البكاء كلما سمعت هذه العبارة! صحيح أن الرسالة لم يكن بها كهنوت، لكن وبنفس درجة الصحة فإن الإسلام عرف الكهنوت منذ أحداث الفتنة الكبرى وبعد وقت قليل للغاية من وفاة الرسول محمد (عليه الصلاة والسلام)! تاريخ الإسلام منذ ذلك الحين هو تاريخ كهنوتى خالص، وما دولة الخلافة المزعومة التى يسعى إليها ويحلم بها قطاع لا بأس به من المسلمين إلا دولة كهنوتية خالصة! وما قطاع كبير من «علماء» الإسلام الحاليين إلا مجموعة من الكهنة الكبار أو الصغار وفى انتظار فرص الترقى إلى أعلى هرم الكهنوت! هؤلاء الذين يلبسون غطاء على رءوسهم فى استوديوهات مكيفة ليس بها شمس ولا حر هم كهنة!

هؤلاء الذين يتبعون «السلطان» ويحللون حلاله ويحرمون حرامه هم كهنة! هؤلاء الذين يحدثونك عن الزهد والطاعة وعدم الخروج على الحاكم، بينما هم ينعمون بالشهرة والمال من فتاوى الدين المنضبطة سياسيا هم كهنة! أولئك الذين يحرضون ضد المفطرين فى نهار رمضان أو ضد السافرات بينما يخرسون أمام الظلم والقمع والقتل هم كهنة! بل إأن هناك تراثا إسلاميا كاملا يتمحور حول «السلطان» ضد كل قيم العدل والرحمة تطور عبر قرون طويلة من الخلافة العضوض، فهل ننكر كل ذلك لنريح أنفسنا؟!


«فى انتظار ولى الأمر»! تتجادل مع الذين يكفرون ويفتون بالقتل للمخالفين، قتل المرتد وقتل غير المصلى وقتل من يشتبك مع تعاليم دينية يعتقد أنها ليست من الدين، فيباغتك أحدهم متسائلا بسخرية «وكم من المرتدين أو المفطرين أو غير المصلين قد تم قتله بالفعل؟» وحينما تسأله عن ما الذى يعنيه، يقول لك إنه حينما يقول بقتل هذا أو ذاك فإن هذا فقط للتذكرة ولإحياء رسالة الله، ولكن من سيقوم بعملية القتل «تطبيق حدود الله» هم أولياء الأمور المتدينون العارفون بالشريعة وهؤلاء لم يأتوا بعد!... حقا؟ وهل أنت الآن تطمئننى؟ أنت فقط تقول إنك فى انتظار «الأمير»! أو فى انتظار «الخليفة» أو ربما فى انتظار «داعش»! هذا ما تفعله الأخيرة بالضبط! تقوم بالقتل والترويع تحت دعوى تطبيق الشريعة والدين! هل هذا ما ننتظره؟ ثم وبعد كل ذلك تحدثنا عن سماحة الدين ووسطيته؟ الدين السمح هو الدين الذى يحترم خيارات الآخرين الحرة! الدين النصيحة! الدين المعاملة! أما القتل والسلب والنهب فهذا ليس من شريعة الله فى شىء، ولكنه أفكار وفتاوى كهنة التطرف والإرهاب والترويع باسم الدين!


«الإسلام المتآمر عليه»، بعد أن ينتهى أحدهم من تأييدك لأنك تقف ضد نظرية المؤامرة على مصر وأنت تفنِّد حجج حروب الجيل الرابع والخامس وتوابعها، تجد أن نفس هذا الشخص يرى أن الإسلام يتعرض لمؤامرة كبرى! وبنفس الطريقة، لا يستطيع أن يحدد من يقصد بالضبط! العالم كله وفقا له يستيقط وينام متآمرا على الإسلام! تحليل محتوى بسيط لخطب الكثير من الشيوخ والعلماء فى أنحاء البلاد التى تقطنها أغلبيات مسلمة، تكشف عن كارثة الغرق فى نظرية المؤامرة! الشبكة العنكبوتية مؤامرة، والسينما مؤامرة، والموضة مؤامرة! بل وحتى لو كنت مسلما موحدا وأردت أن تنتقد أو حتى مجرد تفكر بشكل مختلف وعبرت عن ذلك بالكتابة أو شفاهة فإن الوصف البسيط لأفكارك هو أنك «متآمر على الإسلام»، هكذا دفعة واحدة! مع العلم أنه لا أحد يتآمر على الإسلام ولا على المسلمين، وإن شئنا الحق، فإن أكبر مؤامرة على المسلمين، تأتى من عقول وأفكار كهنتهم، سواء كان هؤلاء الكهنة موظفين رسميين فى الدولة أو دعاة فى الفضائيات، أو دعاة شعبويين فى انتظار فرص الترقى فى سلم الكهنوت، وعندما يعتزل هؤلاء الكهنوت، ربما من الممكن أن نكون فى وضع أفضل وقتها!


●●●


هذه مجرد بعض الأساطير المؤسسة للوعى المعاصر للمسلمين وقد حان وقت تحديها وتفنيدها! أسمع أحدهم قائلا «لا تقترب من ثوابت الدين» فأرد عليه «لا تقترب أنت من ثوابت السياسة والتاريخ طالما تجهلها»!

مدرس النظم السياسية المقارنة بجامعة القاهرة

أحمد عبدربه مدير برنامج التعاون الدبلوماسي الأمريكي الياباني، وأستاذ مساعد العلاقات الدولية بجامعة دنفر.