موطن الشوكولاتة وثورة الكاكاو - داليا شمس - بوابة الشروق
الجمعة 26 أبريل 2024 3:08 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

موطن الشوكولاتة وثورة الكاكاو

نشر فى : السبت 19 مارس 2016 - 10:25 م | آخر تحديث : السبت 19 مارس 2016 - 10:25 م
قطعة الشوكولاتة الداكنة وهى تذوب تحت اللسان، بعد شىء من الممانعة والصمود يعقبهما خضوع واستسلام لذيذين، تأخذنا فى رحلة بالخيال إلى أماكن بعيدة، إلى بلاد ربما لم تطأها قدمانا من قبل حيث غابات الأمازون الاستوائية ومزارع كاكاو «الأريبا» التقليدى فى الإكوادور، ومعناه «القريب من النهر». ما بين الورقة المزركشة التى التفت فيها الشوكولاتة وحبات الكاكاو التى تشبه الفول لكن على أضخم، حكايات وحكايات، الكثير منها تشوبه مرارة كتلك التى تخلفها الشوكولاتة المركزة فى الفم بعد أن يزول طعم السكر. هى مرارة قريبة من التاريخ والجغرافيا وواقع المزارعين الذين عرفوا الكاكاو منذ أكثر من خمسة آلاف سنة، عندما كان طعاما للآلهة فى الحضارات ما قبل التقليدية.

النكهة القوية طالما ما ميزت كاكاو الإكوادور الذى يعد أجود أصناف العالم على الإطلاق، وهو ما جعله يتربع على عرش التصدير حتى بدايات القرن العشرين، بعدها تراجع قليلا لاعتبارات داخلية وسياسية، خاصة بعد زراعته فى المستعمرات الفرنسية والإنجليزية وانتشاره فى دول غرب أفريقيا، وعلى رأسها الكوت ديفوار الذى يسيطر حاليا على 39% من السوق العالمية «المركز الأول عالميا، والإكوادور فى المرتبة الرابعة»، لكن يبقى كاكاو الإكوادور هو الأفضل.

***
غريب أمر هذا النوع من الشوكولاتة، كلما التهمت قطعة، أردت قراءة المزيد عن الإكوادور، وكأنك تسبح فى بحر من الكاكاو، تطاردك الخيالات ورغبة عارمة فى السفر، ربما لا يكبحها سوى أخبار فيروس زيكا وما أحاط به من تهويل إعلامى يزيد من وقعه البعد الجغرافى عن أمريكا اللاتينية. أكتفى إذا بالسفر عبر الشوكولاتة، إعمالا لفن الممكن والبسيط من الأشياء، وأتعرف أكثر على البلد من خلال كاكاو «الأريبا» ومقاطعة إزميرالدا الفقيرة، حيث يجاهد المزارعون لإنتاج أفخر أنواع الكاكاو وتحقيق قدر معقول من الرزق، عندما يتم الحصاد مرتين فى السنة.

يعلق بذهنى أيضا اسم «سانتا ريتا» وهو تجمع سكانى صغير فى غابات الأمازون يضم 760 نسمة يعمل على توفير الكاكاو اللازم لأكبر شركتين اشتهرتا بتصنيع الشوكولاتة الداكنة فى الإكوادور، وهما «كالارى» و«باكارى». منذ نحو سبع سنوات حصدت هذه الأخيرة أكثر من 130 جائزة دولية، وهى تحاول فى الوقت ذاته تحسين أوضاع المزارعين الذين لا يستفيدون بالأساس من طلوع ونزول أسعار بورصة الكاكاو، بل يذهب معظم الربح إلى الوسطاء، إذ لا يتعدى دخل 85% من مزارعى الكاكاو حول العالم دولارا واحدا فى اليوم. تعمل شركة «باكارى» على تثبيت الأسعار أو بالأحرى على ضمان البيع بأثمان أفضل على المدى البعيد بالنسبة لشبكة المتعاونين معها ويصل عددهم إلى أربعين ألف فرد أو 3500 عائلة، من الإكوادور وبيرو وكولومبيا، وذلك لتشجيع الفلاحين على الاستمرار فى زراعة الكاكاو وعدم استبداله بمحصول آخر أكثر ربحية أو النزوح إلى المدينة، ضاربين عرض الحائط بزيادة الطلب عالميا على الكاكاو وتناقص العرض، فهم لا ينالون سوى الفتات فى حين تسيطر خمس أو ست شركات عملاقة على مراحل الصناعة المختلفة. تجنى هذه الشركات المزيد والمزيد، خاصة فى ظل زيادة ملحوظة فى عدد المستهلكين للشوكولاتة وبزوغ أسواق أخرى ناشئة، إذ استهلك العالم أكثر من أربعة ملايين طن كاكاو سنويا عام 2013، بزيادة 32% عن قبل عشر سنوات.

***
بورصات عالمية وقمة للكاكاو فى زيورخ وأكاديمية للشوكولاتة بالإكوادور لا تهدف الربح لكن ضمان ظروف أفضل للإنتاج، وهكتارات من المزارع العائلية. عالم كامل متكامل ندلف إليه من خلال قطعة شوكولاتة داكنة جاءتنى كهدية من الإكوادور فى جراب زاهى الألوان، تزامن ذلك مع نشر سائر الصحف خبرا مكررا حول فوائد جديدة للشوكولاتة الداكنة فيما يتعلق بالذاكرة والذكاء والوظائف الدماغية.

مزيد من الحلو والمر، من الطعم وعجينة الشوكولاتة التى يقترب لونها من السواد، لذا يطلق عليها المزارعون «ذهبهم الأسود»، فهى أقرب إلى قلوبهم من النفط، وهى التى تسببت يوما فى أزمة عارمة فى عشرينيات القرن الفائت، تلتها ثورة يوليو عام 1925 والتى قام بها ضباط شباب من الطبقة الوسطى فى الإكوادور. انتفضوا ضد الفساد وسيطرة البنك التجارى الزراعى وقتها على اقتصاد البلاد لما يقرب من ثلث قرن. تأثرت الأسعار بظروف الحرب العالمية الأولى ودخل البنك بثقله فى لعبة الرهانات والمضاربات، ما انعكس سلبا على واقع الفلاحين الذين هجروا زراعة الكاكاو وانتقلوا لمحاصيل أخرى كالموز، وهكذا اندلعت الثورة التى يمكن أن نطلق عليها مجازا «ثورة الكاكاو». حبات الثمرة البديعة وتأثيرها الكفيل بتحسين الحالة المزاجية وتعلق الناس التاريخى بها لم يمنعهم من الثورة عندما جار الزمان عليهم وضاق بهم الرزق والعيش.
التعليقات