توصيات تقرير لجنة الأمن الغذائى العالمى حول تعزيز نظم الغذاء - عاصم أبو حطب - بوابة الشروق
السبت 7 ديسمبر 2024 7:16 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

توصيات تقرير لجنة الأمن الغذائى العالمى حول تعزيز نظم الغذاء

نشر فى : الجمعة 19 يوليه 2024 - 5:40 م | آخر تحديث : الجمعة 19 يوليه 2024 - 5:40 م

فى الثانى من يوليو الجارى، دشنت الأمم المتحدة التقرير التاسع عشر لفريق الخبراء الرفيع المستوى للجنة الأمن الغذائى العالمى، حول «تعزيز نظم الغذاء الحضرية وشبه الحضرية؛ لتحقيق الأمن الغذائى والتغذية فى ظل التحضر والتحول الريفى». وقد حظى التقرير ــ الذى كان كاتب هذا المقال أحد أعضاء الفريق العلمى لصياغته ــ بزخم كبير منذ تدشينه فى الأوساط البحثية والحكومية التنفيذية؛ نظرًا لأهمية موضوعه وتوقيته وارتباطه بالعديد من تحديات التنمية المستدامة؛ لا سيما أنَّ أكثر من 60% من سكان العالم، وحوالى ثلاثة أرباع من يعانون من انعدام الأمن الغذائى المعتدل أو الحاد حول العالم يعيشون اليوم فى المناطق الحضرية (أى المناطق ذات الكثافة السكانية العالية غالبًا والبنية التحتية المتطورة، مثل المدن) والمناطق شبه الحضرية (أى المناطق الانتقالية بين الحضرية والريفية، ذات الكثافة السكانية المتوسطة غالبًا، والبنية التحتية متوسطة التطور، مثل الضواحى).
وبقراءةٍ سريعةٍ فى توصيات التقرير، نجد أن الرسالة الأساسية التى يسوقها فى أجزاء عديدةٍ من فصوله الثمانية تؤكد أن المناطق الحضرية وشبه الحضرية ــ خصوصًا فى دول آسيا وإفريقيا؛ حيث يتركز الفقر جغرافيًا ويبلغ معدل التمدد الحضرى أقصاه ــ صارت تشكل بؤرةً لتحديات التنمية المستدامة، كالقضاء على الجوع والفقر، وتحقيق الأمن الغذائى والمساواة والعدالة الاجتماعية، وغيرها من التحديات البيئية والاجتماعية والاقتصادية. كما يشير التقرير إلى أن الوتيرة المتسارعة للتحول الديموجرافى والتمدد الحضرى فى أغلب أقاليم ودول العالم ستزيد من التركز الجغرافى والمكانى لهذه التحديات وتأثيراتها خلال العقود القليلة القادمة فى مدن العالم ومناطقه الحضرية وشبه الحضرية.
وعلى الرغم من ذلك، فإن سياسات الأمن الغذائى واستراتيجيات التنمية الزراعية فى الكثير من دول العالم كانت ولا تزال تتجاهل دور المدن كعاملٍ مساعدٍ فى تفاقم مشكلات الأمن الغذائى والتغذية، وكأداةٍ فاعلةٍ لتحقيق استدامة النظم الغذائية والأمن الغذائى. وبناءً عليه؛ تشدد توصيات التقرير بأن قدرة الدول والحكومات على تحقيق أهداف التنمية المستدامة سترتبط إلى حد كبير بقدراتها على بناء نظمٍ غذائيةٍ «مدنية» مستدامة؛ تمكنها من تأمين الاحتياجات الغذائية لسكان المدن، وتحقيق نمو اقتصادى شامل للجميع، وتمنحها فى ذات الوقت المرونة الكافية للتأقلم مع تأثيرات التغير المناخى، والتدهور البيئى، والتغيرات الاقتصادية والاجتماعية المتزايدة. كما تبرز توصيات التقرير الحاجة الملحة لإعادة توجيه السياسات المتعلقة بالأمن الغذائى، والاستثمارات المرتبطة بقطاعات الزراعة للتركيز على المدن؛ وذلك لضمان تحقيق الحق فى الغذاء والأمن الغذائى بأبعاده الستة، فى ظل التوسع الحضرى والتحول الريفى المتسارع حول العالم.
• • •
ويكشف التقرير أن تعزيز نظم الغذاء الحضرية وشبه الحضرية يتطلب اتباع نُهج حوكمةٍ شاملةٍ، وأساليب نظاميةٍ متعددة القطاعات والمستويات والشركاء الفاعلين، عبر جميع مكونات نظم الغذاء، ومراحل سلاسل الإمداد الغذائى، لتحويلها إلى نظم مستدامة ومنصفة ومرنة وملائمة للظروف البيئية والموارد الطبيعية. فمع تزايد عولمة النظم الغذائية المعاصرة، أضحت سلاسل الإمداد الغذائى للمدن تتكون من شبكات معقدة من المؤسسات والجهات الفاعلة على المستويات المحلية والإقليمية والعالمية، وهى كذلك ليست فى معزل عن النظم الأخرى، كنظم الطاقة ونظم التجارة والنظم الصحية. وعليه، فهى تتأثر باستمرارٍ بالعوامل الضاغطة الداخلية والخارجية الناتجة عن الكوارث الطبيعية، والأزمات الاجتماعية والاقتصادية، والصراعات الجيوسياسية؛ مما يجعل الفهم التقليدى لـ «خطية» سلاسل الإمداد ــ حيث تقوم إحدى المنظمات ببساطة بتوريد المواد أو تغذية الموارد إلى منظمة أخرى ــ غير ملائم وعاجز عن بناء قدرة ومرونة سلاسل الإمداد الغذائى أمام الأزمات التى صارت تواجهها على نحو متزايد يوما بعد يوم.
وفى هذا الصدد، يبين التقرير أنه فيما يتعلق بإنتاج الغذاء فى المدن ــ على سبيل المثال ــ ينبغى العمل على زيادة التعاون والتنسيق بين مختلف القطاعات التى ترتبط بشكل مباشر وغير مباشر بإنتاج واستهلاك الغذاء بالمدن، وأن تعمل الحكومات المحلية للمدن جنبًا إلى جنب مع الجهات الحكومية الأخرى على صياغة القوانين اللازمة لتشجيع الإنتاج الغذائى المستدام من خلال تخطيط استخدام الأراضى لحماية الزراعة الحضرية والأنشطة الأخرى المرتبطة بها، وتطوير سلاسل التوريد الأقصر؛ لتسهيل وصول المنتجين إلى أسواق المدن، ودعم الشراكة مع منظمات المجتمع المدنى، والمؤسسات البحثية، لتقديم الخدمات الإرشادية المناسبة لطبيعة واحتياجات مزارعى ومنتجى المدن، والاهتمام بدعم الابتكار، وتطبيق التكنولوجيا الحديثة؛ لتحسين الإنتاج، وضمان التوزيع العادل للموارد؛ بحيث يمكن تحقيق توازن بين الاحتياجات الحالية والمستقبلية لسكان المدن.
• • •
وفيما يخص تجارة وأسواق الغذاء بالمناطق الحضرية وشبه الحضرية، يؤكد التقرير على ضرورة تطوير اللوائح والسياسات التجارية؛ لتشجيع سكان المدن على تبنى حميات غذائية، وأنماط استهلاك صحية، وتمكينهم من الوصول إلى الأغذية الصحية بتكلفة تتلاءم مع قدراتهم الشرائية، وضرورة توعية المستهلكين بمخاطر المنتجات الغذائية غير الصحية، كالوجبات السريعة، والأغذية كثيفة الطاقة وعالية التجهيز، والتصدى للتسويق المستهدف لها من خلال أدوات قانونية وتنظيمية مناسبة، كالضرائب وفرض القيود على الإعلانات التلفزيونية والإلكترونية التى تستهدف الأطفال والشباب، إذ إن هذه الفئة هى الأكثر تأثرا بتلك الإعلانات. كما يجب تفعيل استخدام الملصقات الغذائية؛ لتوعية المستهلكين بمكونات المنتجات الغذائية وتأثيراتها الصحية من خلال إلزام الشركات بتوضيح المحتويات الغذائية بشكل دقيق، وبطريقة يسهل فهمها على المستهلكين، بما فى ذلك كمية السكر، والدهون، والمواد الحافظة.
هذا، وقد حظى دور الحد من هدر الغذاء بأهمية خاصة فى توصيات التقرير، كاستراتيجية فعالة لتعزيز استدامة ومرونة نظم الغذاء الحضرية وشبه الحضرية؛ باعتبار أن تقليل هدر الغذاء يحسن كفاءة استخدام الموارد، ويحد من الاستهلاك المفرط للموارد الطبيعية، مثل المياه والأراضى الزراعية، ويساهم فى تقليل الانبعاثات الكربونية الناتجة عن إنتاج الغذاء، ويدعم جهود التخفيف والتأقلم مع تأثيرات التغير المناخى. فعلى سبيل المثال، يمكن للسياسات المحلية أن تدعم إنشاء بنوك طعام، ومبادرات لإعادة توزيع الفائض الغذائى للمحتاجين؛ مما يضمن أن يكون الغذاء المتاح موزعًا بشكل عادل وأكثر كفاءة. إضافة إلى ذلك، فإن بناء الوعى والثقافة العامة حول أهمية تقليل هدر الغذاء يمكن أن يلعب دورًا حاسمًا فى تغيير عادات وسلوكيات وتعامل الأفراد مع الغذاء، وهو ما يمكن تحقيقه من خلال الحملات التوعوية والتعليمية التى تعزز من المسئولية الاجتماعية، وتدعم الممارسات المستدامة فى جميع مراحل سلسلة الإمداد الغذائى.
• • •
وأفرد التقرير أجزاءً عدة للتأكيد على الحاجة إلى المزيد من البيانات والبحوث المتعلقة بالأمن الغذائى والتغذية فى سياق المناطق الحضرية وشبه الحضرية؛ بحيث تستطيع حكومات المدن من اتخاذ قرارات مستندة إلى أدلة علمية دقيقة، وهو ما يتطلب تطوير أدوات جمع بيانات خاصة بالأمن الغذائى والتغذية مناسبة لهذه المناطق، والاستثمار فى تكنولوجيا المعلومات والأنظمة الرقمية، لتخطيط وتنفيذ وتقييم السياسات والبرامج المرتبطة بإنتاج واستهلاك الغذاء، واستخدام نظم المعلومات الجغرافية والاستشعار عن بعد، لتحديد المناطق الأكثر عرضة للصدمات والأزمات المتعلقة بسلاسل الإمداد الغذائى؛ لتحسين قدرة المدن على التخطيط طويل الأجل، والاستجابة الفعالة للأزمات.
وانصبَّ جانب آخر من توصيات التقرير على ضرورة تحسين قدرات نظم الغذاء الحضرية وشبه الحضرية على استشراف الصدمات والأزمات، والاستجابة لتداعياتها من خلال التخطيط الاستباقى، وتطوير أنظمة الإنذار المبكر للكوارث، وتحديد الفئات السكانية، والمناطق الأكثر عرضة لانعدام الأمن الغذائى فى أوقات الأزمات، وتضمين دعم النظام الغذائى فى خطط تمويل الاستجابة للكوارث على المستويات الوطنية والمحلية.
بالإضافة إلى ذلك، يؤكد التقرير على أهمية الاستثمار فى برامج الحماية الاجتماعية التى تستهدف الفئات السكانية الأكثر ضعفًا، خاصة الأطفال، والنساء فى سن الإنجاب، والنساء الحوامل والمرضعات، وتوفير الحماية لهم فى أوقات الأزمات. وكذلك يجب أيضًا دعم وتطوير مصادر الأغذية غير السوقية، وأن تستثمر الحكومات فى برامج المشتريات العامة الخاصة بالغذاء والتغذية، والموجهة بشكل خاص إلى الفئات الهشة بالمدن، مع إعطاء الأولوية للمزارعين والمنتجين المحليين فى برامج المشتريات العامة، خاصة فى برامج التغذية المدرسية، والبرامج التى تهدف إلى التغذية فى الألف يوم الأولى، وتطوير القوانين المحلية التى تدعم التنمية اللامركزية لبنوك الطعام والمطابخ المجتمعية، والبرامج الأخرى لتوزيع الطعام، وتعزيز دور منظمات المجتمع المدنى فى تقديم المساعدات الغذائية فى أوقات الأزمات، واستغلال قدرتها على الوصول إلى الفئات السكانية الضعيفة.
وأخيرًا، فمن غير الممكن استعراض تقرير ثَرى ذى مائتى صفحة فى مقال قصير كهذا، ولكن حاولنا من خلال هذه القراءة السريعة إلقاء الضوء على التقرير، الذى لم يحظ بالقدر الكافى من التغطية والنقاش فى أوساط الإعلاميين والمسئولين والباحثين محليًا، وتوجيه الدعوة للجهات المعنية بحكومتنا الجديدة للاطلاع عليه والاسترشاد بنتائجه وتوصياته، لا سيما فى ظل هيمنة مشروعات التنمية العمرانية والمدن والمجتمعات الجديدة على الإنفاق العام، ومشروعات الدولة فى السنوات العشرة الأخيرة؛ علها تساهم فى جعل جهود التخطيط العمرانى لمدننا أكثر كفاءةً وقدرةً على تحقيق الهدف الحادى عشر من أهداف التنمية المستدامة، «جعل المدن والمستوطنات البشرية شاملة للجميع، وآمنة، وقادرة على الصمود، ومستدامة».

عاصم أبو حطب أستاذ مساعد بقسم الاقتصاد بالجامعة السويدية للعلوم الزراعية
التعليقات