فتح وتحديات المستقبل - أحمد يوسف أحمد - بوابة الشروق
الأحد 28 أبريل 2024 11:14 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

فتح وتحديات المستقبل

نشر فى : الخميس 20 أغسطس 2009 - 10:06 ص | آخر تحديث : الخميس 20 أغسطس 2009 - 10:06 ص

 ظلت فتح هى العمود الفقرى لحركة التحرر الوطنى الفلسطينى لمدة تقارب الأربعة عقود منذ انطلاق الرصاصة الأولى من بنادق فتح في1965 وحتى استشهاد زعيمها المؤسس ياسر عرفات في2004.

ثم زاحمتها حماس على هذه المكانة إلى أن فازت فى الانتخابات التشريعية فى 2006، ثم أخرجت فتح من مؤسسات السلطة فى غزة بالقوة في2007، ليتأسس منذ ذلك الحين واحد من أسوأ الانقسامات فى تاريخ حركات التحرر الوطنى المعاصرة.

لم تأت تلك الأحدث من فراغ بطبيعة الحال على نحو ما سنرى، ولذلك فإن انعقاد مؤتمر عام لفتح كان ضرورة، غير أن هذه الضرورة لم تكن وليدة أحداث2006و2007 فحسب، ولكنها بدأت فى تقديرى منذ1993، ذلك أن آخر مؤتمر عام لفتح قد انعقد كما هو معروف فى 1988، أى أن أحداثا جساما أعقبته.

وعلى رأسها اتفاقية أوسلو فى 1993 التى غيرت مسار النضال الفتحاوى جذريا، واستشهاد الزعيم المؤسس لفتح فى 2004، وخسارتها الانتخابات فى 2006، وتصفية وجودها فى مؤسسات السلطة فى غزة بالقوة المسلحة فى 2007.

تأخر انعقاد المؤتمر طويلا إذن حتى إن المرء ليتساءل حقا عما إذا كان الهدف الحقيقى من انعقاد المؤتمر السادس هو النظر الجاد فى التحديات الراهنة التى تواجه النضال الفلسطينى، أم أنه تعزيز مركز رئيس الحركة الذى انتخبه المؤتمر بالتزكية، والذى يشغل فى الوقت نفسه منصبى رئيس السلطة الفلسطينية ورئيس منظمة التحرير الفلسطينية استعدادا لشىء قادم بلا معالم واضحة حتى الآن.

خاصة وقد كان هناك تشكيك من دوائر داخل فتح فى درجة تمثيل المؤتمر لألوان الطيف الفتحاوى، سواء على ضوء من أضيفوا دون انتخاب لعضوية المؤتمر –وعددهم بالمئات- أو لعدم توجيه الدعوة لبعض الأعضاء ذوى الخط السياسى المخالف للتوجه السائد، أو لامتناع آخرين طوعا عن الحضور لتحفظاتهم على انعقاد المؤتمر بالطريقة التى تم بها، أو لمنع فريق رابع من حضور المؤتمر سواء من قبل حماس أو إسرائيل.

والواقع أن هذا التشكيك فى مدى سلامة إجراءات انعقاد المؤتمر، والذى أتى من مصادر داخل فتح قبل أن يأتى من خارجها، جنبا إلى جنب مع مكان انعقاد المؤتمر فى رام الله، لم يكن من الممكن أن يفضيا إلى توقع أن يحدث المؤتمر اختراقا للمسار الذى انتهجته فتح منذ 1993.

فالشكوك فى مدى تمثيل المؤتمر للتيارات داخل فتح تعنى ضمنا أن الأقرب للخط السياسى الراهن هم الأوفر نصيبا فى الحضور ــ دون استبعاد وجود معارضة حقيقية بطبيعة الحال ــ ومكان انعقاد المؤتمر فى مدنية فلسطينية ما زالت تحت الاحتلال الإسرائيلى يعنى أصلا التسليم بالنهج القائم من قبل المشاركين فى المؤتمر.

قيل إن المؤتمر مع ذلك قد نجح فى تفادى حدوث انشقاق واضح داخل الحركة، وذلك بفضل حنكة الرئيس عباس ولهجته التصالحية حتى إزاء من اتهموه بالضلوع فى اغتيال ياسر عرفات، وهو –أى تفادى الانشقاق الواسع- قول صحيح. وقيل كذلك إن المؤتمر قد نجح فى تجديد البنى القيادية لفتح وهو أمر يحتاج وقفة، ففى اللجنة المركزية اعتبر مراقبون كثيرون أن بنيتها قد تغيرت على نحو جذرى لصالح الحرس الجديد.

فلم يبق فيها من الحرس القديم سوى أربعة من18عضوا فيما دخلها14عضوا جديدا، ولن نتوقف عند اتهامات التلاعب فى نتائج الانتخابات التى أطلقها قياديون فى فتح بوزن أحمد قريع، لكن إمعان النظر فى مفهوم «الحرس الجديد» الذى اعتبر دخول ممثليه تجديدا جذريا فى بنية اللجنة المركزية قد يصل بالمرء إلى نتائج مختلفة، فمعظم ممثلى الحرس الجديد ــ إن لم يكن كلهم ــ قد شغل مواقع تنفيذية بارزة فى السلطة الفلسطينية، أى أنهم جزء من الوضع الراهن لفتح وليس من مستقبلها.

وقد يختلف الأمر بالنسبة للمجلس الثورى الذى ذكرت التقارير أن عددا كبيرا من شبيبة فتح فى سن30 ــ 45سنة قد دخله، وأن غالبية هؤلاء من نشطاء الانتفاضتين الأولى والثانية، ولا توجد لدينا معلومات مدققة حتى الآن فى هذا الصدد عن الأعداد والنسب والخلفيات، لكن هذه المؤشرات الأولى إن صحت لكان معناها أن المجلس الثورى قد يكون هو البنية القيادية الأكثر احتمالا للقيام بمراجعة لنهج فتح.

خاصة أن للمجلس سلطاته الواسعة، فهو الهيئة القيادية الثانية للحركة، وهو أعلى هيئة تشريعية فيها فى المدة الواقعة بين انعقاد مؤتمرين، والتى يفترض ألا تتجاوز خمس سنوات، وبمقدوره أن يحجب الثقة عن اللجنة المركزية، أو عن أى عضو فيها بأغلبية الثلثين، كما أنه يستطيع أن يصوت بوقف أية قرارات أو سياسات للجنة المركزية أو تصويبها، ومع ذلك فإن الحكم على مدى إمكان قيامه بمراجعة حقيقية لنهج فتح متروك للشهور القادمة على ضوء الممارسة الفعلية.

لكن الشىء المحير حقا والأكثر أهمية أن «البرنامج السياسي» فيما خرج عن هذا المؤتمر بدا باهتا إلى أبعد الحدود، وقد اتهمت نفسى غير مرة بأننى لم أحسن قراءة مداولات المؤتمر ونتائجه، لكن إعادة القراءة لم تصل بى إلى مثل هذا البرنامج، والواقع أن هذه المسألة بالذات كان من المفترض أن تمثل بؤرة اهتمامات المؤتمر فقد دخلت فتح فى عملية تسوية سلمية وفقا لاتفاقية أوسلو فى عام1993.

أى بعد انعقاد آخر مؤتمر عام لفتح قبل مؤتمر رام الله بسنوات قليلة، وقد ترتبت على ذلك تجربة إنشاء سلطة فلسطينية فى ظل الاحتلال، وهى تجربة بالغة الأهمية، لأنه كان ممكنا أن تكون نقطة بداية لدولة فلسطينية حقيقية لو خلصت النوايا ــ الإسرائيلية بطبيعة الحال وهى ليست خالصة- غير أن التجربة من ناحية أخرى كان من الممكن أن تفضى ــ وهو ما حدث بالفعل ــ إلى تحول المقاومة إلى سلطة قبل الأوان، ومعاناتها من ثم من الأمراض المعتادة لنظم الحكم فى الدول القطرية العربية.

ولم يقتصر الأمر على حركة فتح وحدها، والواقع أن ما نتابعه من مشاهد عبثية فى الساحة الفلسطينية الآن لا يعدو أن يكون نتاجا لهذا الفيروس الخبيث الذى زرعته أوسلو فى حركة التحرر الوطنى الفلسطينى، فبعد أن كانت حماس تقاطع الانتخابات لأنها ترفض أوسلو إذا بها تخوض الانتخابات التشريعية لعام 2006، وتكسبها، وتتحول بدورها إلى سلطة بالكيفية نفسها التى تحولت بها فتح.

وبموجب موازين القوى الجديدة التى أفرزتها انتخابات 2006 بدأ مرض أوسلو يفتك بأوصال حركة التحرر الفلسطينى ممثلا فى الخلاف بين حماس وفتح.

من أجل هذا كان من الضرورى أن يقوم المؤتمر العام السادس لفتح بنقد ذاتى وتقييم عام لهذا كله، أى لمسار أوسلو، خاصة وأنه لم يفض حتى الآن ــ أى بعد ستة عشر عاما من بدايته ــ إلى أى تقدم حقيقى على طريق استعادة الشعب الفلسطينى حقوقه، وكل الإنجازات التى تم تحقيقها انتكست إلى نقطة الصفر من جديد. لذلك فإن مفهوم «السلطة» بدا عبثيا إن فى قطاع غزة الذى تتبنى فيه حماس نهجا «مقاوما» أو فى الضفة التى تتبنى فيها السلطة نهجا تفاوضيا.

فإسرائيل تعتدى على غزة حين شاءت، وتقتحم مدن الضفة وقراها فى الوقت الذى تريد، فمتى إذن تجب المراجعة الشاملة لمسار النضال الفلسطينى إذا لم تكن واجبة الآن؟

فهل كان الكاتب الفلسطينى البارز ماجد كيالى على حق إذن فى قوله إن المؤتمر العام السادس لفتح كان تأسيسا ثانيا لها أكثر منه تجديدا وتطويرا لهذه الحركة التى ظلت بمثابة العمود الفقرى للنضال الفلسطينى قرابة أربعة عقود كاملة؟


أحمد يوسف أحمد أستاذ العلوم السياسية بكلية الإقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة، وعميد معهد الدراسات العربية