«بوب فيكشن».. نوستالجيا كتب الجيب! - إيهاب الملاح - بوابة الشروق
السبت 20 سبتمبر 2025 9:44 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

برأيك.. من البديل الأنسب لـ ريبيرو في النادي الأهلي؟

«بوب فيكشن».. نوستالجيا كتب الجيب!

نشر فى : السبت 20 سبتمبر 2025 - 8:00 م | آخر تحديث : السبت 20 سبتمبر 2025 - 8:00 م

(1)
من يراجع تاريخ الآداب العالمية، والسير الذاتية لكبار الكتّاب والمؤلفين فى القرن العشرين، وبخاصة فى أدبنا العربى، سيجد شبه إجماع أو اتفاقًا عامًا على نقطة «البداية» أو «طرف الخيط» الذى أمسك به هذا الأديب أو ذاك حينما كان فى صباه الباكر للتعرف على فعل «القراءة» ولذّتها ومتعتها، وصولًا إلى احترافه الكتابة وصنع مجده الشخصى، وما يمكن أن نطلق عليه «رحلة الكتابة وإنجازها التاريخى». «كتب الجيب» لدى هؤلاء جميعًا كانت هى لحظة التعرّف الأولى على عالم يتشكل ويتلوّن على الورق، ينشّط حاسة الخيال، وينمّى طاقة الشغف، ويشعل حرارة الفضول، بإثارة البحث عن جوابٍ لسؤال الفن والدراما الخالد: وماذا بعد؟ ما الذى سيحدث بعد ذلك؟ يكاد ينطبق هذا القانون على الجميع، من أول نجيب محفوظ وحتى العشرات بل المئات ممن يُقبلون الآن زُرَافات ووُحدانًا على الكتابة سعيًا لقيمتها أو لما تدرّه من أمور أخرى، حسب كل حالة وسياق السوق ومزاج العصر وتعاظم نزعة الاستهلاك!
(2)
ولا أريد الاستطراد فى حشد الشواهد والأدلة على ما أقول، فقد كتبت سابقًا وكثيرًا عن نجيب محفوظ وما لعبته كتب الجيب فى صباه وبداياته الباكرة مع القراءة، وتوقف عديد النقاد ومؤرخى الرواية عند تلك اللحظة التى تحوّل فيها نجيب محفوظ من إنسان عادى إلى إنسان يقرأ «كتب الجيب»، ويدمن القراءة ويسير فى طريقه حتى وصل إلى قمة الهرم فى الكتابة الروائية فى أدبنا العربى الحديث والمعاصر. سأكتفى بإيراد مثال واحد لكاتبٍ كبير من جيلٍ تالٍ لنجيب محفوظ؛ هو القدير الراحل بهاء طاهر، الذى يخبرنا فى موجز سيرته الذاتية التى افتتح بها روايته البديعة «خالتى صفية والدير»، عن بداياته مع «روايات الجيب» وما لعبته من دور حاسم فى توجيه مساره وحياته كلها، فيقول: «وأظن أننا كنا فى بداية السنة الثالثة الابتدائية، عندما دلّنا على اكتشافه الجديد الرائع: روايات الجيب! ومن وقتها بدأنا نتبادل فى حرصٍ وخفية أرسين لوبين، وشرلوك هولمز، ورو كامبول، وأى شىء يمكن أن تقع عليه أيدينا من تلك الروايات البريئة التى كان تبادلها محرَّمًا فى الجيزة الابتدائية على أساس أنها تصرفنا عن الدرس والاجتهاد. ومع ذلك، فإن تهريبها لم يتوقف فى أى وقت. لم يكن لدى أى منا من النقود ما يكفى لشراء كل هذه الأعمال، وكان تبادل المتاح منها يحل المشكلة، ثم إننا كنا نجلس فى حلقة الظهيرة فى فناء المدرسة ليقصّ كلٌّ منا فى حماس على بقية المجموعة ما تيسّر له من القراءة».
(3)
ربما كان التمهيد السابق كافيًا وملائمًا للحديث عن هذا الكتاب النوستالجى بامتياز، الذى أتصوّر أنه سيكون من الكتب الرائعة التى ستحظى باهتمامٍ كبير جدًا فى الفترة القادمة. خمس سنوات كاملة استغرقها تأليف هذا الكتاب حتى اكتملت فصوله وانتظمت أبوابه، ورُتبت صوره؛ ليصدر أخيرًا عن دار الرواق للنشر والتوزيع بعنوان: «بوب فيكشن - كيف غيّرت روايات الجيب حياتي؟» للكاتب والروائى الموهوب أحمد عبدالمجيد، وبغلاف أقلّ ما يوصف به أنه غاية فى الجمال والبهجة والقدرة الفذّة على إثارة أطنان من النوستالجيا والحنين الغامر، للفنان المبدع كريم آدم.
ومن حظّى أننى كنت شاهدًا على ميلاد هذا النص الرائع وتخلّقه، وقراءة مسوداته المتتالية منذ 2020 حتى فبراير 2025، حتى صدر فى صورته الأخيرة (فيما يزيد على الأربعمائة وخمسين صفحة)، ليصبح - فى حدود علمى - أول كتابٍ من نوعه يتتبّع أثرَ روايات الجيب فى مصر، منذ النصف الثانى من القرن العشرين وحتى العقود الأولى من الألفية الثالثة. عبر فصوله وصفحاته ستتردد أسماء أجاثا كريستى، ملكة كتابة الروايات البوليسية المثيرة، ومعها أيضًا موريس لوبلان، صاحب السلسلة الأشهر فى روايات المغامرات المثيرة (أرسين لوبين)، وآرثر كونان دويل، صاحب «شرلوك هولمز». لكن نصيب الأسد من فصول الكتاب وصفحاته سيكون للكتّاب المصريين والعرب؛ وعلى رأسهم الكاتب الراحل محمود سالم الذى تربع على عرش كتب الجيب منذ عام 1968 حتى منتصف الثمانينيات. محمود سالم الذى ارتبط اسمه بأشهر سلسلتين من مغامرات الجيب؛ «المغامرون الخمسة» و«الشياطين الـ13»، وتجاوزت شهرتهما حدود مصر إلى أنحاء العالم العربى كله.
(4)
ثم ستكون الوقفات المطوّلة المتأنية، المحتشدة بالذكريات والتأمل الذاتى والوصف الدقيق والتتبّع الاستقصائى المعلوماتى الموثق، لنجمى كتب الجيب الأشهر والأكثر توزيعًا وتأثيرًا فى مصر والعالم العربى طوال الثمانينيات والتسعينيات من القرن الماضى؛ وهما الراحلان الكريمان نبيل فاروق وأحمد خالد توفيق، وما أحدثاه من تأثير مذهل، شديد الاتساع والامتداد والعمق فى جيلين أو ثلاثة أجيال على الأقل، خلال الفترة من منتصف الثمانينيات (وتحديدًا العام 1984 الذى ظهرت فيه للمرة الأولى "روايات مصرية للجيب") وحتى أواخر تسعينيات القرن الماضى، أعتقد أن الإهداء الذى صدر به المؤلف كتابه على النحو التالى كان منطقيًا ومفهومًا ودالًا:
«إلى محمود سالم، نبيل فاروق، أحمد خالد توفيق، لولاكم، ما كنت لأصبح ما أنا عليه اليوم!».
(وللحديث بقية)