الرعاية الأولية كأداة لمواجهة ارتفاع تكلفة الخدمة الصحية - علاء غنام - بوابة الشروق
الخميس 25 أبريل 2024 7:57 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الرعاية الأولية كأداة لمواجهة ارتفاع تكلفة الخدمة الصحية

نشر فى : الخميس 20 أكتوبر 2022 - 6:55 م | آخر تحديث : الخميس 20 أكتوبر 2022 - 6:55 م

روجت دائما خلال ممارسة مهنة الطب، وخصوصا عندما مارستها فى مطلع الشباب، لأهمية كل التدخلات الطبيعية مثل ضرورة الرضاعة الطبيعية كقاعدة وضرورة الولادة الطبيعية وضرورة الغذاء الطبيعى البسيط وضرورة الحد من اللجوء للأدوية أو الاستهلاك العشوائى لها إلا للضرورة وبإشراف طبى. وعندما كنت أحيانا أكتب روشتة لمريض خالية من الأدوية وبها نصائح أو أدوية بسيطة كان يندهش لخلو الروشتة من أصناف عديدة من الأدوية كما هى العادة.
ولكن، ظللت على قناعاتى الراسخة وأعتقد وبعد كل هذا العمر والخبرة أن الطب فعلا علم هدفه الحفاظ على المحددات الاجتماعية والبيئية والنفسية للصحة.
الأصل أن يكون التدخل الطبى طبيعيا والاستثناء هو التدخل الدوائى. ومن ثم تسليع الدواء وخلق الطب الزائد يستحق نظرة طويلة. فمثل ما هناك تكنولوجيا طبية معقدة هناك ما يسمى بتكنولوجيا طبية ملائمة وقليلة التكلفة وهذا ينطبق أكثر فى مستوى الرعاية الأساسية، مع ضرورة وجود قائمة أدوية أساسية وملائمة لا يسمح أبدا بالتلاعب فى أسعارها يوميا مثلها مثل أى سلعة أخرى بحكم تغير أسعار الصرف أو ما شابه.
فى هذا السياق، فإن طب الأسرة نموذج أساسى فى منظومة الإصلاح الصحى والرعاية الأولية، طبيب الأسرة عمود خيمة الرعاية الأساسية الصحية ومدخل النظام الصحى القوى بالتعليم الجيد لطب الأسرة وبإضافة بعض العلوم الإنسانية لمقررات كليات الطب، فبدون هذه العلوم الإنسانية سيظل نموذج دكتور السوق الطبية هو السائد.
نموذج طبيب الأسرة أكثر شمولا وإنسانية، فبتعليم مُركز وجيد وإنسانى سيعود الطبيب حكيما، فالطب بدأ بالحكمة والفلسفة قديما ويجب أن يعود كذلك وطبيب الأسرة يستطيع التعامل مع 70% من احتياجات المجتمع الصحية الأساسية ويلعب دورا عضويا فى التوعية والوقاية والعلاج لأمراضنا الأهم المنتشرة سواء كانت سارية أو غير سارية.
هو يستطيع بذلك الحد من تسليع الخدمة والذهاب مباشرة إلى المستشفيات من خلال وحدات ومراكز صحة الأسرة وطبيب الأسرة، الذى سيلعب دورا محوريا فى الحد من الإنفاق الصحى العشوائى خاصة فى الدواء (وهو مرتفع؛ إذ يمثل 34% من الإنفاق الصحى الكلى) باستخدام قائمة أدوية أساسية يجب توفيرها من نظام التأمين بلا مساهمات، من هنا نحد من الإنفاق العشوائى ومن هيمنة الاحتكارات وتسليع الخدمة المكلفة.
لكن، تظل المشكلة الأساسية هى كيف نطلب من أطبائنا التخصص فى هذا الفرع، طب الأسرة، وبكل هذه المهام بمرتبات شديدة الضعف؟ إن أى نقاش عن التأمين الصحى الشامل أو إصلاح النظام الصحى يجب أن يبدأ أولا بتحسين مرتبات الأطباء، فى الواقع الرواتب للقطاع الطبى شديدة الضعف ولا تكفل أساسيات الحياة وبالتالى سيضطر الطبيب للعمل خارج القطاع العام ليكفل احتياجاته المعيشية.
بشكل أكثر مباشرة ووضوحا، إن طبيب الأسرة (والطبيب عموما) ليفعل ذلك، أى يؤدى مهمته التى ستوفر على النظام الصحى الكثير من الإنفاق، يجب أن يحصل على دخل جيد ليتفرغ لمهمته تماما ويستقر فى وحدته، خاصة الريفية، وطبيب الأسرة عنصر مهم وقيادة فى مجتمعه المحلى وطبيب الأسرة يمكن أن يوفر على النظام الصحى أموالا فهو يحول ما لا يزيد على 20% (تقديرا) من الحالات للمستوى الثانى والثالث من الخدمة وفق قواعد محددة صحية.
فمن غير الممكن أن يكون هناك نظام تأمين صحى شامل دون طب الأسرة وطبيب الأسرة، ولن يكن هناك أطباء راغبون فى التخصص فى هذا المجال إلا إذا كان يستحق عناء الدراسة والتخصص من الناحية المادية. ومن الجدير بالذكر النقص الحاد فى الأطباء الذى تواجهه مصر، وهى أزمة أكبر من أن يتعرض لها مقال أو نقاش أو حتى دراسة، تحتاج فقط لفعل وتدخل. لقد طرحت العديد والعشرات من الحلول والمقترحات والدراسات وتتوقف عند التنفيذ وتحويل هذه المقترحات إلى خطط تنفذ فعلا.
بالإضافة إلى أنه مع أزمة سعر الصرف، وازدياد تكلفة الخدمات الصحية عموما، فإن الحاجة إلى احتواء التكاليف المتزايدة للخدمات الصحية، تستلزم هذه العوامل إعادة تشكيل مشهد الرعاية الصحية فى مصر بشكل كبير باتجاه الاعتماد على طب الأسرة والرعاية الأولية.
وهناك العديد من الدراسات التى تقول إن الإنفاق والاستثمار فى الرعاية الأولية وطب الأسرة يوفران على النظام الصحى ويقللان التكلفة الصحية بشكل رشيد عن طريق تحجيم الإنفاق غير الرشيد مثل الاستهلاك المبالغ للأدوية ووقف الطلب المزيف على الخدمة مثل المبالغة فى طلب عمل تحاليل صحية.
وفى الخلاصة، بعد طرح فكرة وأهمية طب الأسرة سيظل التحدى فى توفير أجور كريمة وآدمية للأطباء. ثانيا التوسع فى الاستثمار على مستوى التعليم الطبى فى طب الأسرة، وعلى مستوى البنية التحتية عبر شبكة قوية من وحدات الرعاية الأساسية تغطى التوزيع الجرافى للمواطنات والمواطنين.

علاء غنام مسئول الحق فى الصحة فى المبادرة المصرية للحقوق الشخصية وخبير فى إصلاح القطاع الصحى
التعليقات