تراث لى كوان يو: سنغافورة السنغافورية - العالم يفكر - بوابة الشروق
الجمعة 26 أبريل 2024 4:18 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

تراث لى كوان يو: سنغافورة السنغافورية

نشر فى : الأربعاء 22 أبريل 2015 - 9:25 ص | آخر تحديث : الأربعاء 22 أبريل 2015 - 9:25 ص

نشر موقع يوريشيا ريفيو مقالا للكاتب بيلفير سينغ، أستاذ مشارك للعلوم السياسية فى جامعة سنغافورة الوطنية، يتناول الدور الذى لعبه لى كوان يو – أول رئيس وزراء لجمهورية سنغافورة – فى نهضة دولة حديثة النشأة ومتعددة الأعراق، من خلال إدماج تلك الأعراق المختلفة فى أمة موحدة. ويشير سينغ فى بداية مقاله إلى أنه عندما زار السيد لى كوان يو المعبد الرئيسى للسيخ فى الثانى من نوفمبر 1990، وكان على بعد بضعة أمتار عندما قال رئيس الوزراء آنذاك: «فى الوقت المناسب، تريد حكومتى أن يعتمد السيخ اللغة البنجابية (لغة أولى فى المدارس). وسأكون وحكومتى فاشلين إذا فرضنا عليكم اللغة الصينية». وكان «لى» «بانى الأمة» حينها فى أفضل حالاته.

ويوضح سينغ مصدقا لكلماته، أنه كان من آخر أعماله كرئيس للوزراء رسالة إلى طائفة السيخ تفيد باستعداد وزارة التربية والتعليم لقبول البنجابية اللغة الأم للسيخ، كجزء من السياسة الوطنية ثنائية اللغة فى سياق التعددية الثقافية. وحافظ بدقة طوال مسيرته السياسية على الالتزام بهذه السياسة، بينما كان يسعى إلى بناء أمة من مجتمع متعدد الأعراق.

الوحدة فى التنوع

ويبين سينغ أن لى كوان لم يَخشَ أبدا مواجهة الحقائق. فمن بين الحقائق الصعبة الأبدية فى سنغافورة الانقسامات الحادة عرقيا ودينيا ولغويا. وكان واضحا بالنسبة له أنه ما لم ينشأ الشعور بالوحدة بين الجماهير، ستفشل جمهورية «الجزيرة» فى النهوض سياسيا واقتصاديا. والأسوأ من ذلك، أنها واجهت خطر الانهيار من الداخل كما حدث من قبل مجتمعات تعددية مماثلة مثل سيريلانكا ولبنان وقبرص وفيجى.

ولم ينس لى كوان يو أبدا الأصول العرقية للسنغافوريين أيضا. وأدان السياسة الاستعمارية التى كرست «الجيوب» العرقية. وكانت السياسة الاستعمارية البريطانية فى مجتمع تعددى تسماح للناس بالاختلاط مع عدم الاندماج. حيث جاء الناس معا ولكن ظلوا منفصلين، على أساس الديانات، والثقافات واللغات والتوجهات.

وحتى عندما كان زعيما للمعارضة فى الخمسينيات، أدرك لى كوان يو خطر هذه السياسة. وما إن صار رئيسا للوزراء فى 1959 قام بتغييرها، وقام ببناء الأمة فى سنغافورة. ويشير الحزن الوطنى العام بعد وفاته إلى مدى تطور سنغافورة كأمة منذ عام 1959.

ويطرح سينغ تساؤلا رائجا أثناء حكم لى وهو «ما هو نوع الأمة التى يجب أن تكونها سنغافورة؟». ويجيب سينغ أن حقائق التاريخ والجغرافيا والديموغرافيا، والتبعية الاقتصادية والجغرافيا السياسية دفعت لى إلى صنع أمة متسامحة متعددة الأعراق فريدة من نوعها، من خلال سياسة الوحدة فى التنوع.

وبينما يبدو هذا أمرا قويما وطبيعيا اليوم، إلا أنه كان فكرا ثوريا فى الخمسينيات والستينيات. فقد كان الخيار السهل، خلق «أمة صينية» فى سنغافورة. وكان يمكن أن يكون هذا مغريا مع صعود الشوفينية الصينية فى الخمسينيات بالإضافة إلى كونها استراتيجية سهلة. غير أن «لى» عارض هذا. واختار طريقا أكثر صعوبة بكثير، عبر تعبئة الجميع فى عملية بناء أمة جديدة من أصحاب المصلحة فيها، وهو ما تطلب من السنغافوريين التخلى عن بعض الأمور، وتبنى قيم جديدة للتعايش السلمى فى إطار متعدد الأعراق. ونجح فى غرس شعور التعلق بسنغافورة، وهو من موروثات «لى» الباقية.

الاندماج الوطنى

ويرى سينغ أنه كان لنجاح «لى» فى هزيمة الشيوعيين فى سنغافورة أهمية خاصة فى مسعاه لبناء أمة. فقد لعب الشيوعيون على المشاعر العرقية الصينية، ودعموا التعليم واللغة والثقافة الصينية. وأدرك «لى» أن هذا يسبب الانقسام داخليا، ومن شأنه أيضا إعطاء الجيران المباشرين ذريعة لإفشال استقلال سنغافورة الوليد. وعقب فوز حزبه «العمل الشعبى» فى الانتخابات العامة عام 1963، بعد الاندماج مع ماليزيا، بدأ «لى» تجربة جريئة لتحول سنغافورة، وهو الأمر الذى سعى إليه بقوة أكبر بعد الاستقلال يوم 9 أغسطس 1965. وكان جوهر التجربة يهدف إلى خلق الانسجام الاجتماعى واتباع سياسات من شأنها تعزيز النمو الاقتصادى فى ما كان مجتمع الانقسامات الحادة، مع غياب الموارد.

ويشير سينغ إلى أن العديد من واضعى البرامج قاموا بتحقيق هذه الأهداف. حيث كانت الحاجة ماسة إلى تخفيف المطالب العرقية والدينية واللغوية لضمان أن يعيش السنغافوريون فى وئام، خاصة بعد أعمال الشغب العرقية 1964. وتم الحفاظ على الهويات العرقية والدينية واللغوية لتوفير الأساس الثقافى واستيعاب تطلعات مجتمع آسيوى تقليدى إلى حد كبير. وتَشَرب المواطنون قيما وطنية جديدة، حيث يحدد مبدأ الجدارة الحراك الاجتماعى والتميز فى المجتمع.

وتم اعتماد نهج متكامل من خلال تدابير بارعة وقوية، لتحول الأمة؛ من خلال مجموعة كبيرة من السياسات فى مجال التعليم، والإسكان، والخدمة الوطنية، وتقاسم الثروة الوطنية الاقتصادية والأمان الوظيفى، والرعاية الصحية، ونظام نقل فعال والنظافة والصرف الصحى الحديث وتوفير الأمن المادى. ونشأت الأمة من خلال الحكم الرشيد.

ولما كان بناء الأمة عملية عاطفية ونفسية، كان العمل على تطوير المعنويات والمشاعر بنفس أهمية تطوير الأجهزة. فقد كان الأمر يتطلب خلق وعى سياسى جديد. ولم يكن الهدف النهائى مجرد الشعور الطيب بسنغافورة ولكن الأهم من ذلك، هو شعور المواطنين أنهم سنغافوريون. وشمل ذلك تحولا ذهنيا ونفسيا بشأن الإيمان بالروح السنغافورية.

مفهوم الأمة عند لى كوان يو

ويوضح سينغ أن موت لى كوان يو ووحدة الحزن الوطنى كشفا عن فعل سياسى وطنى مهم. يرمز إلى القيم المشتركة التى نادى بها، وكافح من أجلها، ودافع عنها وحققها. فإذا انهارت سنغافورة بعد لى كوان يو، يكون مؤسس سنغافورة الحديثة قد فشل. لقد غرس فى الشعب مفهوم الأمة، وروحا تتمسك بها للأبد، وقيمة الوحدة الوطنية وأهمية النجاح. وجعل السنغافوريين يدركون أن سنغافورة «وطن»، وليست «فندقا».

ويعتقد سينغ أنه فى حين أن انتقال سنغافورة المادى من العالم الثالث إلى الأول أصبح أمرا بديهيا، فإن نجاح لى فى خلق أمة من مستنقع وأوحال، هو الأكثر أهمية. فهى دولة تكرس قيم الوئام، والاستقامة، وتكافؤ الفرص، والعمل الجاد والتميز وقبل كل شىء، الأمل فى المستقبل.

وفى الختام يؤكد سينغ أن حلم لى كوان يو للدولة المدنية العظيمة سوف يظل فريدا من نوعه فى التاريخ حيث لا يكون الشعب مجرد شعب سنغافورة، بل شعب تعلم احتضان العالم ـ وذلك من أعظم ما تركه «لى» من إرث.

التعليقات