الثورة والدولة فى السودان - محمد عصمت - بوابة الشروق
الخميس 25 أبريل 2024 2:42 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الثورة والدولة فى السودان

نشر فى : الإثنين 22 يوليه 2019 - 8:05 م | آخر تحديث : الإثنين 22 يوليه 2019 - 8:05 م

على الرغم من الإيجابيات التى تحققت فى اتفاق المجلس العسكرى الانتقالى الحاكم فى السودان مع قوى إعلان الحرية والتغيير الذى وقعه الطرفان بالأحرف الأولى فى الخرطوم يوم الأربعاء الماضى ــ فإن الكثير من القوى الثورية السودانية أكدت رفضها له، واعتبرت بعض فصائلها أنه تهاون غير مقبول فى حق الثورة الشعبية التى أطاحت بديكتاتورية الرئيس المخلوع عمر البشير، وبجرائمها المروعة فى حق الشعب السودانى على مدى ثلاثين عاما كاملة، وأنه لا يوفر أى ضمانات جادة لبناء سلطة ديموقراطية فى المستقبل.
الاتفاق ينص على انتقال السلطة كاملة إلى المدنيين عقب مرحلة انتقالية يرى معارضوه أنها طويلة أكثر مما ينبغى، حيث تمتد إلى 39 شهرا يترأس العسكريون الـ21 شهرا الأولى منها، والمدنيون الـ18 شهرا الباقية، فى نفس الوقت الذى خلا فيه الاتفاق من مجرد الإشارة إلى قضايا مهمة أهمها قضايا النزاع المسلح والحركات العسكرية المعارضة فى دارفور وجنوب كرفان، وكيفية إحلال السلام فى هذه المناطق، بالإضافة إلى عدم وضوح الرؤية فى كيفية بناء مؤسسات الدولة بشكل ديمقراطى خلال الفترة الانتقالية.
كما يرى المعارضون أيضا أن الاتفاق تجاهل مسائل أساسية منها كيفية تفكيك نظام البشير ومحاكمة رموزه الفاسدة، واستعادة الأموال المنهوبة، وإلغاء جميع القوانين المقيدة للحريات، محذرين من خطر هيمنة المجلس العسكرى الانتقالى على مفاصل الدولة بما يسمح مستقبلا باستعادة الثورة المضادة السيطرة على السلطة فى البلاد.
صحيح أن هذا الاتفاق وضع قواعد عامة من شأنها دفع الأمور قدما للأمام مثل حق قوى الحرية والتغيير فى اختيار رئيس الوزراء خلال المرحلة الانتقالية، وإقرار الطرفين بالتزامهما بالديمقراطية وحقوق الإنسان وحل القضايا الخلافية بالحوار، لكن عدم الاتفاق على القضايا التى أثارها المعارضون ربما تضع الاتفاق كله فى مهب الريح، وهو ما قد يهدد كما حذر مسئولون غربيون باندلاع حروب أهلية عديدة فى مناطق مختلفة بالسودان، بما يحمله ذلك من مخاطر تفتيت البلد أسوة بانفصال الجنوب.
ما يزيد الأمور تعقيدا فى السودان هو موقف القوى التقليدية فى ىالسودان وعلى رأسها حزب الأمة من هذه التغييرات التى تحدث فى السودان، وبروز القوى الحديثة لصدارة المشهد وتوجيه دفة الحراك السياسى بما يهدد باقتلاع النفوذ القديم لهذه القوى التقليدية، ولم يكن غريبا أن يدلى الصادق المهدى بتصريحات صحفية مثيرة للجدل، منها موافقته على تولى الفريق أول أحمد دقلو «حميدتى» رئاسة السودان بشرط انضمامه لحزب سياسى أو تأسيسه حزبا جديدا، ومطالبته بضم قوات الدعم السريع التى يترأسها «حميدتى» للجيش النظامى السودانى، ومدحه للدور الذى لعبته فى الإطاحة بالبشير، على الرغم من ارتكاب هذه القوات جرائم حرب فى دارفور، واتهامها بقتل عدد من المتظاهرين خلال شهور الثورة ضد البشير.
الصراع السياسى الجارى حاليا فى السودان مفتوح على جميع الاحتمالات، القوى الحديثة فى السودان وفى القلب منها قوى إعلان الحرية والتغيير تريد سودانا مختلفا تماما عما تريده القوى التقليدية، واللذان يختلفان أيضا عن السودان الذى يتصوره المجلس العسكرى، فى إمكان هذا الصراع أن يسفر عن ولادة نظام سياسى ديمقراطى حقيقى، وفى إمكانه أن يعيد السودان إلى النظام الذى كان موجودا قبل انقلاب البشير فى 30 يونيو 1989، وفى إمكانه أيضا أن يفتت السودان إلى شظايا!
ومع ذلك، فإن كل الأطراف الفاعلة على الساحة الآن تدرك أنها إذا لم تتفق على قواعد واضحة لحل قضاياها الخلافية عبر مسارات ديمقراطية تلبى مطالب الشارع السودانى، فسوف يصبح وجود السودان نفسه كدولة وكيان جغرافى محل شك كبير، خاصة أن مناورات أعداء الثورة فى الداخل والخارج لن تتوقف لمنع السودان من الانعتاق من قيوده الطائفية والجهوية القديمة، أو تقديم نموذج لنظام حكم ديمقراطى رشيد!

محمد عصمت كاتب صحفي