الجامعات المصرية أمام التحديات - نبيل الهادي - بوابة الشروق
السبت 20 أبريل 2024 4:55 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الجامعات المصرية أمام التحديات

نشر فى : الإثنين 23 مايو 2022 - 9:45 م | آخر تحديث : الإثنين 23 مايو 2022 - 9:45 م
منذ عدة سنوات قرأت تصريحا لقيادة جامعية ما وصفه بنقل الجامعة العريقة لتكون جامعة من الجيل الثالث وأذكر أنه انتابنى شعور بعدم الارتياح، وبعدها بسنوات قليلة قرأت لقيادى جامعى آخر أنه يعمل لتكون جامعته من رواد الجيل الرابع للجامعات فى مصر. تحول عدم الارتياح الأول للكثير من التعجب لأن ما أفهمه أن ركائز الجامعة ثلاث: الأستاذ والطالب والمكتبة وبالنسبة لى أى تقدم أو تطوير للجامعة لا يظهر فى تلك الأركان الثلاثة غير ذى مغزى ومن الصعب أن يكون حقيقيا مهما قيل غير ذلك.
كما أنى أتابع فى السنوات الأخيرة هذا الهوس بترتيب الجامعات المصرية فى التصنيفات العالمية. وأتفهم بالطبع الدوافع المباشرة وراء ذلك لكنى ما أزال مندهشا بالاهتمام المبالغ به بها ولأن هناك العديد منها فيختار من يختار التصنيف الذى يخدم أهدافه الوقتية. وقليلا ما قام المتابعون بتحليل دقيق لتلك التصنيفات وكيف تعمل ومدى مصداقيتها. خذ مثلا التصنيف الذى يركز على الاستدامة وفيه ترى أن جامعة ما من هنا أو هناك سعيدة بترتيبها فى تحقيق هدف التنمية المستدامة رقم كذا أو الهدف الآخر رقم كذا بينما تركت تلك الجامعات ووزارة التعليم العالى جوهر مفهوم الاستدامة وتطبيقه ولم تجعله فى صلب اهتمامها بتحسين التعليم الجامعى من خلال تحسين بيئته. لم أرَ حتى الآن جامعات عامة فى مصر تخصص مكتبا للاستدامة يهتم بترشيد استهلاك الموارد الرئيسية من ماء وطاقة وخلافه ويقوم بحساب البصمة الكربونية للجامعة ويطور بناء على البيانات التى يجمعها أهداف أكثر طموحا وتأثيرا على جودة الحياة فى الجامعة.
لم أرَ أيضا ربطا بين تلك التصنيفات وكيفية مواجهة التحديات العديدة لتلك الجامعات ولعل من أهمها تمويل البحث العلمى وكيف يمكن لهذا البحث ربما بدعم مؤثر من رجال الأعمال الوطنيين من دعم التحول الاقتصادى الاجتماعى البيئى لمصر؟ كيف يمكن لطرق مبتكرة أن تجذب تمويلا مؤثرا للبحث العلمى وتدعم التشارك مع الجامعات ومؤسسات البحث فى مصر وخارجها؟ وهل يمكن لهذا البحث العلمى الجاد أن يتقدم وبدون أن يتبنى الأساتذة أساليب جديدة للتعامل مع ما يدرسونه وأن يتجنب أكثرهم إيثار السلامة كما هو الحال الآن. فالبحث العلمى كما أفهمه لا بد له من استقلال كافٍ وأيضا ربما بعض المخاطرة التى هى أساس التجريب والتقدم.
• • •
لسنا بحاجة لمن يخبرنا بأن جامعاتنا غير مستقلة عن الدولة وهو وضع أتصور أن كلاهما فيه خاسر خاصة فى وقت الأزمات التى تواجهنا والتى ليس من المتوقع أن تفارقنا قريبا. وأتمنى أن تبدأ الجامعة بالمبادرة لإقامة نقاشات جادة وحرة حول التحديات التى نواجهها وأتصور أن كلها مترابطة سواء تحدى التغير المناخى أو التحدى الاقتصادى أو التحديات الاجتماعية وغيرها.
ولكن قبل أن تكون الجامعة قيادة وأساتذة قدوة فى الإدارة والجدية يجب عليها أن تكون قادرة على أن تسمع وتنصت للآراء حتى تلك التى لا تتفق معها. وأن لا تكتفى بهدوء زائف يخدع البعض بأنه استقرار للحال وغياب للمشاكل. تحتاج تلك القيادة أن تسأل عن جوانب عديدة لحياتنا الجامعية التى تظهر هنا وهناك وهل هى مشاكل كثيرة أم أعراض لمشكلة أكبر. فكيف للقيادات التى تتطلع لمستقبل أفضل أن تبنى هذا المستقبل بدون أن تفهم المشكل أو المشكلات الموجودة بصورة عميقة حتى تكون حلولها ومبادراتها مبنية على أرضية صلبة وحتى تتمكن أيضا تلك الحلول من مواجهة أصل المشكلة وبالتالى تسمح لنا بالتقدم للأمام بصورة حقيقية وليس فقط بصورة مظهرية. وهذه الحلول يجب أن تنطلق من رؤية تبنى من خلال حوار جاد مع مجتمع الجامعة ومن خلال تلك الرؤية تطرح خارطة طريق لتحول يستهدف الصالح العام للجامعة والمجتمع ويستخدم بذكاء الموارد المتاحة وأولها البشر والمعرفة فى هذا المجتمع.
هل يمكن أن نتعلم من نقاشات بعضها جرى فى مؤتمر مهم نظمته وحدة المستقبل العمرانى فى إحدى الجامعات الهولندية وفيه طرحت الأستاذة الجامعية والاقتصادية المرموقة ماريانا ماتسوكاتو فكرة الجامعة كمكان للالتقاء. فهل يمكن لنا أن نفكر فى جامعاتنا لتكون مكانا يكتشف فيه الباحثون والباحثات والطلاب كل يوم لُقية قد تختلف وتتنوع كل حسب مجهوده وربما تبعا للمكان الذى يبحث فيه. وهل يمكن أن تتحول الفضاءات العامة فى جامعاتنا إلى تلك الأماكن بدلا من كونها مجرد أرضيات وأكشاك لبيع الطعام المضر بالصحة ومقاعد ليست بمقاعد وشجر يئن من قلة جيرانه الخضر.
• • •
من المهم لجامعاتنا أن تقدم نموذجا فى الإدارة والعمران فتحويل حرم جامعة القاهرة مثلا لمكان مستدام سيهم ولا شك فى جذب الطالبات والطلبة من كل مكان فى العالم وسيساعد أيضا فى صعود الجامعة فى مراتب التصنيف العالم التى أعتقد أنها أصبحت ذات أهمية كبرى للمؤسسات التعليمية كما سيوفر للأساتذة والطلبة بيئة ملهمة.
نحن فى انتظار قيادات جامعية فى بعض من أهم جامعات مصر نتمنى أن يكون لديهم من الرؤى التى تبتكر طريقا لجامعاتنا للتقدم وتشجع وتحتفل بالمبدعين والمبتكرين والمساهمين بقوة فى دعم البحث وتقديم التعليم العالى المستوى حتى فى إطار تحديات الموارد المتاحة وأن تأخذ زمام المبادرات الجادة وتحول الجامعة لمنصة للنقاشات العلمية الجادة والتى يمكن أن تفيد كثيرا وتنير كثيرا فهل من مبادر؟

أستاذ العمارة بجامعة القاهرة
التعليقات