سيدى الرئيس.. أعد لنا مجتمعنا وأبناءنا - محمد محمود الإمام - بوابة الشروق
الجمعة 19 أبريل 2024 8:28 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

سيدى الرئيس.. أعد لنا مجتمعنا وأبناءنا

نشر فى : الأربعاء 23 يونيو 2010 - 10:06 ص | آخر تحديث : الأربعاء 23 يونيو 2010 - 10:06 ص

 سيدى الرئيس..أعتقد أن المهمة أصبحت أكثر من أن يقوم بها فرد.. فهلا دعوت من يرسمون لنا الطريق لإعادة بناء الوطن وتخليص جيله الجديد من كارثة تتهدد مستقبلهم ومستقبله؟

فى منتصف ولاية الرئيس مبارك، أى فى عام 1995، وجهت إليه خطابا بجريدة العربى عنوانه «سيدى الرئيس..أعد لنا وطننا». وكانت المناسبة إجابته عن تساؤلات حول كثرة تجواله فى مختلف بلدان العالم، بأنه زاهد فى ذلك لا يبغى منه متعة، ولكنه مضطر نظرا لحبه شعب مصر المسكين الذى يعتمد على جلب قوته من الخارج وينتظر أموالا تأتيه من أهل الميسرة، رغم أنه غنى والحكومة هى الفقيرة، وحبذا لو كان المال مصحوبا بمعرفة ضن الخالق بها على شعبه. كانت مشاعره تماثل آلام رب الأسرة الذى ابتلاه الله بكثرة العيال وشح الرزق، يضيق بمطالبهم ولكنه يود لو أمكنه أن يحققها جميعا.

وأردفت قائلا: «من يعلم مدى صدق الرجل فى التعبير عما يجيش فى صدره، ومدى ميله إلى الإفضاء بما يعتمل فى نفسه دون تزييف أو مواربة أو تغليف مشاعره بعبارات منمقة، يشفق عليه من هذه المعاناة، وينسى همومه الشخصية كواحد من هذا الشعب المسكين الذى رغم كل ذلك الجهد المبذول لا تتفتح أمامه بارقة أمل، ويتساءل هل من حل يخفف عن رئيسه همومه ويزيح عنه بلواه؟»

وقدرت أن هناك إجابة واحدة لخصتها بمطالبته «أرح نفسك من هذا العناء ودع اسم مصر يجوب نيابة عنك، ويضرب الآفاق شرقا وغربا، شمالا وجنوبا، آناء الليل وأطراف النهار.. فعندما يدوى صوت مصر عاليا فى كل الآفاق فسوف يكفيك أن تستخدم أبسط أدوات التكنولوجيا التى أصبحت تربط العالم صوتا وصورة، لتقول أنا رئيس مصر التى هى قلب الوطن العربى الشامخ، لينحنى لك الجميع احتراما، ويعيرون كلامك أذنا صاغية، ويلبون لشعبك مطالب هى حق عادل لهم فى زمن أصبحت كلمة العدالة فيه من قبيل الزينة التى تضاف على وجه واقع قبيح شرس لتكسب المظهر جمالا يفتقده الجوهر.

وحتى يتحقق ذلك فإن المشكلة يجب ألا تحصر فى زيادة عدد السكان الذين بلغ عددهم ستين مليونا، ونقص فى الموارد. ولا بد من تغيير النظرة إلى الشعب من كونه أفواها جائعة وأصواتا عالية تلح فى المطالب، إلى حقيقته من أنه عقول تفكر فتبدع وسواعد تعمل فتتقن ونفوس تعتز بألفاظ كادت تختفى من قاموس العالم الحديث الذى نلهث وراءه، هى العزة والكرامة.

فباستثناء قلة متسلطة تستمرئ التبعية والتذيل لقوى عالمية وأنماطها الثقافية والاقتصادية والاجتماعية والسياسية، وتنعم بثراء تبدده على ملاذها، متسببة فى عجوزات فى كل تلك المجالات تطالب العالم بأن يسدها، فإن غالبية الشعب تملك من القدرات ما يمكنها من صنع معجزات تنقذها من الوقوف حارسا على أهرامات وآثار ومنشآت خلفتها عقول وسواعد جدودهم، فى انتظار من يجود عليهم بدراهم ليتمتع برؤيتها، أو يمر فى قنالها أو يفلح أرضا بترعها وقناطرها.

وتصاعدت الدعاوى أن الوحيد القادر على توفير عمل يغل الرزق الحلال هو قطاع خاص، لعله كان مختبئا فى قمقم ليخرج منه ماردا جبارا يصول ويجول ليقود تنمية لا ندرى ما هى أبعادها. فإذا أعوزتنا الأموال فلا بأس من مد الأيدى إلى أولاد الحلال.

ففى ظل الفقر يصبح جود الآخرين بالمال ضرورة، وفى ظل الجهل يصبح استجداء المعرفة من أصحابها هو غاية الحكمة، وفى ظل المرض يلام المريض على كسله، ولا يقدم الدواء إلا للقادر على دفع ثمنه.. لتنتقل مهمة القضاء على ثلاثية «الفقر والجهل والمرض» من خطب عرش لأصحاب جلالة يكثر المتيمون بهم هذه الأيام، إلى برنامج رئيس يكثر المتسترون وراءه. وهكذا رددت الدعاوى التى زينت استجداء الرأسمالية العالمية التى اشترطت أن نكون صادقين فى الانفتاح على الخارج بالانغلاق على الداخل.

فى ذلك الخطاب لخصت تلك الدعاوى التى كان يروج لها تلك الأيام والتى دفعت الرئيس للاجتهاد فى توفير احتياجاتها من الخارج، وما زالت تردد حتى هذه اللحظة، ينوب عنها فى الجولات الخارجية السيد وزير الاستثمار الهمام.. فمتى تظهر النتائج المزعومة؟ لقد ناشدت الرئيس فى ختام مقالى بالقول: هلا أعدت، سيدى الرئيس، وطننا لنا؟ هلا خلصتنا من هيمنة سوق لا نملك ما يجعلنا أعضاء فيها؟ هلا أدرت نظرك نحونا ومنحتنا ثقة انتزعها من لا يستحقها، حتى نبادلك نظرة بنظرة وثقة بثقة؟ أعتقد أن هذا لن يكلفك الكثير، ولكنه سوف يعود عليك وعلينا بخير كثير، وعندئذ ستكون مع الشعب فى خندق واحد ليس فقط ضد الإرهاب، بل أيضا ضد صانع الإرهاب وهو الفقر وفقدان الثقة. وقد أصبحت أقوى الاقتصادات تعانى من آثار تلك السوق وآثام مهندسيها، ليعيش العالم أزمات متلاحقة.

غير أن ما دفعنى إلى إعادة المناشدة اليوم أن الأمر تجاوز مجرد تخليص الوطن من العوادى الخارجية والفكرية إلى مجرد قدرة هذا الوطن على البقاء متماسكا وملتفا حول غايات سامية ترضيه. لقد تخلصت دول عربية من القبلية التى عاقت نموها، فإذا بها تغشانا، وكأنما صدر أمر لنا بأن لقد أحلناكم طوائف وقبائل لتتنازعوا.

فبعد أن كانت الأسوار تخفى منتجعات ساحلية عن الأنظار، إذا بها تقسم العمران إلى مجمعات (يسميها خبير الصندوق الدول كومبواندز) وعشوائيات، مع فوارق مائلة فى المرافق والأساسيات تجسد فوارق اجتماعية تجسد تفاوتا هائلا فى الحقوق وأساليب الحياة.

وسادت فوضى بين السكان حينما يتنقلون سعيا وراء رزق قد يغيب عنهم، فى شكل تطاحن قائدى السيارات أكثرهم فى سن المراهقة، ويتعرض النقل العام للاختفاء، بينما يحارب النقل الخاص بالقانون وبالابتزاز تسترا بالقانون ممن يفترض فيهم تطبيقه.

وبينما ينكر على العمال حقهم فى التمثيل النيابى تنشغل فئات عديدة من العاملين بصراع مع من يطلق عليهم أصحاب العمل: فتارة يحاربون بكل الوسائل لينجوا بقروش تتبخر سريعا باسم المعاش المبكر، وأخرى يجرى الاستغناء عنهم عنوة وتهضم حقوقهم، فلا يجدون ملاذا إلا على أرصفة يحارب من يشغلها ببضائع ليسدوا بربحها إن وجد أفواه أسر يهددها الجوع والنوم فى العراء.

وعبر لى شاب يعمل فى «كارفور» عن انزعاجه لأن المنشأة تعذر عليها العثور على أرض للتوسع لأن جميع الأراضى الخالية بيعت لأجانب. ويبدو أن المشكلة حلت عقب قيام الرئيس بزيارته، فعلا شأن منشآت تكاد تقضى على تجارة التجزئة الوطنية، وتجعل المصريين يستوردون حاجاتهم على أرض وطنهم.

وتتوالى دعاوى تثبت صحتها فى معظم الأحوال بالتنكيل والتعذيب، وتغييب أصحاب الرأى وراء قضبان يعلم الله وحده مكانها. وتتفجر صراعات المجتمع، يطلق على بعضها اسم الفتنة الطائفية، وهى فى واقعها انعكاس لتداعى مقومات المجتمع، حيث تتصارع فى الخفاء حينا وجهارا أحيانا أخرى، شعب من كل طائفة، حتى أن الطرق التى عاشت بين المسلمين قرونا متآخية فى ذكر الله، تحولت إلى تيارات مسيّسة فى بلد تداعت تنظيماته السياسية. وبدلا من تعضيد الحركات النقابية والتعاونية جرى تحويلها إلى أوكار يتغلغل فيها الحزب الحاكم لتصبح مرتعا لتيارات مشبوهة.

ونبحث عن أبنائنا فنجد منهم من يتلقى تعليما تكلف الآلاف فى معاهد تتحدث لغات غير سليمة وتعجز عن الظهور على القوائم العالمية، ليتحول الخريجون إلى فئات متنافرة معرفة ولغة وهوية، ومتآخية فى البحث عن عمل لا يوجد، والغرق فى قوارب تقتدى بالعبارات، أو التسكع ليقبض عليهم بتهمة التحرش. وتهدد مصر بالتسجيل فى قائمة سوداء لتشغيل الأطفال بينما تنافس دولا كالبرازيل فى ظاهرة أطفال الشوارع.

وتتهيأ الأرض الخصبة للاتجار بالبشر وترويج المخدرات. قد يشعر الكبار بالأسى لتهتك مجتمع التآخى والتكافل الذى صانهم وأسلافهم قرونا عديدة، ولكن الطامة الكبرى فى أن يتصادم حماة القانون، ليقف القاصى والدانى يتساءلون عمن يصون القانون فى هذا الوطن، ويرعى الجيل الذى يوصف بالصاعد حينما يهبط أسفل السافلين.

محمد محمود الإمام وزير التخطيط الأسبق
التعليقات