العزلة تطرق أبواب أوروبا عقب تفجيرات بروكسل - صحافة عالمية - بوابة الشروق
الخميس 18 أبريل 2024 2:28 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

العزلة تطرق أبواب أوروبا عقب تفجيرات بروكسل

نشر فى : الخميس 24 مارس 2016 - 9:25 م | آخر تحديث : الخميس 24 مارس 2016 - 9:25 م
أضحى الإرهاب يؤرق العالم بأسره، من أقصاه إلى أدناه، فلم يكتف بدول الشرق ليتوجه لضرب دول الغرب ضربات عنيفة وقاسية.
بعد أحداث باريس الأخيرة بدأت الدول الغربية فى اتخاذ منحى جديد وسبل جديدة تحاول بها مواجهة الإرهاب؛ إلا أن تلك السبل لم تمنع وقوع حادث جديد فى بروكسل راح ضحيته العشرات. ومن هنا اهتمت الصحف الغربية مثل «الواشنطن بوست والجارديان» بنشر مقالات تحمل آراء مختلفة عن كيفية مواجهة تلك الموجة الجديدة من الإرهاب التى باتت تؤرق المواطنين وتستهدفهم فى حياتهم اليومية. ستناول بالعرض مقالات أربعة تقييم كل منها الأوضاع وتقدم مقترحا على الدول الأوروبية تطبيقه لتفادى الإرهاب.

تعاون الأجهزة الاستخباراتية الغربية ورفض العزلة

نبدأ بصحيفة الواشنطن بوست، ونعرض منها مقالين ركزا بالأساس على ضرورة التحالف الأوروبى ورفض فكرة العزلة المقترحة أخيرا. فيقول الكاتب «ديفيد أجناتيوس» فى مقاله «بروكسل تكشف اختلال التوجه الأمنى لأوروبا» إن أوروبا تمر فى تلك الفترة بتهديدات أمنية غير مسبوقة، وبالتالى على الدول الأوروبية إيجاد نظام أمنى جديد تكسر فيه نظامها الذى يحظر تبادل المعلومات ويمنع مشاركتها مما يعرقل سبل حماية الحدود والمواطنين، وهو رأى يشاركه فيه الكتاب الآخرون كما سنرى. فالموجة الإرهابية الموجهة لأوروبا مرعبة، خصوصا أن الولايات المتحدة قدرت أن أكثر من 38.000 محارب سافروا إلى العراق وسوريا فى 2012، منهم 5000 على الأقل من أوروبا؛ 1700 منهم من فرنسا، و760 من بريطانيا ومثلهم من ألمانيا، و470 من بلجيكا؛ وبالتالى فإن بلجيكا قد خرج منها أكبر نسبة من المحاربين وفقا لعدد سكان.

ويرجع أجناتيوس التفجيرات الأخيرة فى بروكسيل لفشل السلطات البلجيكية فى القبض على «صلاح عبدالسلام» المخطط اللوجستى لهجمات باريس، مبررا ذلك بأنها لا تشارك ما لديها من معلومات استخباراتية مع الدول الأوروبية الأخرى حتى تتمكن من القبض عليه، وظل بذلك هاربا لمدة 120 يوما فى مولينبيك التى أصبحت أخطر عليها من العراق وسوريا وليبيا. ويضيف أجناتيوس أنه بالرغم من أن أمريكا قد تعتبر نفسها بعيدة عن هذا التهديد إلا أن تمدد «داعش» ونجاحها يعد خسارة أمريكية أكثر من كونه خسارة أوروبية، فأمريكا هى التى شكلت تحالفا دوليا لمحاربة وتدمير «داعش» فى سبتمبر 2014، ورغم تقلصه فى سوريا والعراق لكنه تمدد فى أماكن أخرى. ففشل التحالف بقيادة الولايات المتحدة فى القضاء على داعش ترك أوروبا هشة ومعرضة بكل الأشكال للهجمات الإرهابية والاضطرابات الاجتماعية.

وبالتالى فالتصدى لتلك الهجمات والممارسات الإرهابية يتطلب التعاون بين أوروبا وأمريكا، ومشاركة المعلومات الاستخباراتية والقيادة العسكرية. إن الدول الأوروبية لديها أجهزة مخابرات متفاوتة فى الكفاءة، أفضلها فرنسا وبريطانيا لأن لديها وكالات تجسس عالية الكفاءة، وألمانيا أيضا منافسة لها ولكنها تخشى من الاصطدام بشعبها، أما باقى الدول فهى ضعيفة من الناحية الاستخباراتية، وبالتالى فالدول الأوروبية تحتاج للتحالف مع أمريكا لأن عملها على نحو مختلف أدى فى النهاية لأحداث بروكسل. وقال إن الاستراتيجيات الاستخبارية التى اتبعت مع القاعدة لن تجدى مع «داعش»، ولكن «الاستخبارات البشرية» وتواجد الجواسيس الحقيقيين هو المطلوب رغم خطورته. وأكد على أن الغرب يحتاج لمؤتمر أركاديا جديد لبناء شراكة لاحتواء «داعش» قبل أن تخطط لهجمات جديدة على غرار بروكسل.

وهو ما وافقه عليه الكاتب «آن أبلباوم» ويتضح ذلك فى مقاله «أحداث بروكسيل: على الغرب أن يرفضوا العزلة». وتطرق فيه لما يصفه بالنبرة الجديدة «لإغلاق الحدود الأوروبية»، مشيرا إلى كلمة المتحدث باسم حزب «الاستقلال البريطانى المناهض للاتحاد الأوروبى» والذى أعلن أن الحدود المفتوحة بأوروبا إنما تشكل تهديدا لدولها، وأشار لاهتمام وسائل الإعلام الأمريكية بعد الحادث بتعليق المرشح الأمريكى ترامب والذى كان قد صرح بأنه لا يرى أهمية «لحلف شمال الأطلسى» وأكد على أن الأمريكيين لابد أن يكونوا حذرين بخصوص من يسمح لهم بالبقاء فى تلك الأرض.

بالإضافة لذلك انتشرت فكرة «أن دولتى ستكون فى وضع آمن إذا انسحبت من التحالفات الدولية» والتى أصبحت متداولة فى مناسبات وأماكن عدة، متجاهلين فكرة أن بريطانيا تشارك معلوماتها الاستخباراتية عن الارهاب مع باقى دول أوروبا عبر مؤسسات الاتحاد الأوروبى، ومتجاهلين فكرة أن الولايات المتحدة الأمريكية تتعاون مع حلف شمال الأطلسى فى القضاء على العمليات الإرهابية وردع الهجمات، ومتجاهلين ما يتحقق للغرب من منافع أمنية واقتصادية من جراء تلك التحالفات. ويستطرد الكاتب قائلا أن فكرة «العزلة» تحيد عن العقلانية وتستبدلها بالذعر والخوف؛ معروف أن هذا يرجع إلى ظهور اضطرابات فى المجتمعات الأوروبية بعد استقبال اللاجئين السوريين، ولكن ليس هناك اختيار آخر سوى تعاون الدول الغربية لمحاربة الجهاديين من خلال التحالفات السياسية والاقتصادية والعسكرية. وتلك هى الطريقة الوحيدة لضمان وجود دعم دولى فى المستقبل.

ضبط السياسة الخارجية والداخلية الأوروبية

أما صحيفة الجارديان؛ فنتناول منها مقالين تطرقا للسياسية الخارجية والداخلية الأوروبية، فيشير أحدهما لضرورة ضبط السياسة الموجهة لدول العالم الإسلامى لتكون أكثر حكمة، ويشدد الآخر على ضرورة ضبط السياسة الداخلية وإدراك أن العدو يأتى من الداخل أيضا.

يقول «سيمون جنكينز» ــ الكاتب والصحفى ــ فى مقاله «الرد على تفجيرات بروكسل يتطلب الصبر وضبط النفس» إن الهدف من الإرهاب ليس القتل والتدمير فى حد ذاته وإنما يرجع لقضايا سياسية. وتتوقف قوة التفجير على مدى رد الفعل تجاهه وعلى مدى انتباه الجماهير له ورد المجتمع الدولى عليه. فليس هناك مجتمع قادر على حماية نفسه من هجمات الإرهابيين التى تحدث خصوصا أنها تتم على نحو عشوائى، فلا قوات البوليس ولا الجيش أيا كان عددها ولا القذائف ولا الأسلحة النووية ولا غيرها قادرة على وقف تلك الهجمات، فأجهزة المخابرات وأجهزة المراقبة الأمينة يمكن أن تفعل كل ما بوسعها، ولكن الارهابيون سيجدون طريقا آخر. وبالتالى يرى جنكينز أن الحل يكمن فى وسيلتين الأولى تتمثل فى اتباع سياسية خارجية أكثر حكمة من تلك التى اتبعتها الدول الغربية تجاه العالم الإسلامى فى السنوات الأخيرة، والثانية وهى صعبة التطبيق تتمثل فى التحلى بالصبر وضبط النفس فى نشر أخبار الحوادث الإرهابية أو الرد عليها، فتلك الجماعات تعتمد على الدعاية وترهيب الأفراد من أجل إغلاق المجتمع الأوروبى ومحاصرته وإظهار سطحية وصورية ديمقراطيته.

بينما أكد «ماتيو رانزى» ــ رئيس الوزراء الإيطالى ــ فى مقاله «مواجهة الإرهاب تتطلب إخصائيين اجتماعيين بالإضافة للجنود» على أن الإرهاب أصبح موجودا فى كل مكان «المطاعم، الكنائس، الجامعات، والمسارح وغيرها»، ولابد أن يدرك الجميع أن الإهاب يأتى من الداخل أيضا؛ فالإرهابى يمكن أن ينفذ العملية فى مكان كان به بالأمس، ليس بالضرورة أن يكون العدو خارجى، فهو موجود فى قلب مدن أوروبا وضواحيها أيضا، وبالتالى هناك حاجة لوضع خطط تشمل الثقافة والسياسية والمجتمع إلى جانب الخطط الأمنية.

صحيح أنه لابد من بذل كل الجهود اللازمة لحماية الحدود من الأعداء الخارجيين ولكن هناك أيضا مسئولية كبيرة تقع على عاتق الدول وتتمثل فى الاهتمام بالداخل والتفكير فيما يجب فعله لحمايته. لابد من الهدوء والتفكير بحذر فليس هذا وقت ردود الفعل العنيفة. فما تشهده الدول الأوروبية والعالم اليوم يجب أن يتم استغلاله فى إقامة مشروع وخطة ثابتة واضحة وعقلانية لتدمير الإرهاب.

ويرفض رانزى اقتراح المطالبين بإغلاق الحدود موضحا أن الإرهاب يوجد بالداخل. فالمواطنون بحاجة لأن تتحد المؤسسات السياسية وتتفاعل مع بعضها البعض ككيان واحد من أجل مواجهة الإرهاب وحمايتهم. لابد من وجود اتفاق أوروبى يقوم على أساس «الحرية والأمن» يحدد كيفية مواجهة الإرهاب، لأن الإرهاب يهدف لتدمير تلك الحرية التى تقوم عليها أوروبا. فالأجهزة الاستخباراتية بحاجة للعمل معا من أجل القضاء على قصر النظر وإيجاد وسيلة للتخلص من الارهاب. فجزء من الحل بالطبع عسكرى ولكن هناك حاجة للاستعانة بالأساتذة والمعلمين والإخصائيين الاجتماعيين لإنقاذ الجيل القادم.

***

وأخيرا فإن تلك الآراء والمقترحات خرجت وسط الأحداث لتتناول جوانب وسبل مختلفة فى مواجهة الإرهاب الذى بدأ يتفشى فى كل مكان. فهناك من طرح حلولا داخلية إلى جانب الخارجية، وهناك من طرح سبل التعاون بين الدول الأوروبية، ومن رفض فكرة العزلة موضحا تداعياتها، ومن أكد على ضرورة تبنى سياسة خارجية أكثر حكمة كمحاولة لتفادى الغضب الذى ينتج عنه تلك الهجمات.
التعليقات