على الأكاديميين تبسيط أفكارهم للجمهور - العالم يفكر - بوابة الشروق
الجمعة 26 أبريل 2024 12:26 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

على الأكاديميين تبسيط أفكارهم للجمهور

نشر فى : الخميس 24 مارس 2016 - 10:15 ص | آخر تحديث : الخميس 24 مارس 2016 - 10:15 ص

نشر موقع «ذى كونفيرزيشن»، المهتم بقضايا التعليم والبحث العلمى، مقالا للدكتور سافو هيليتا، وهو مدير مركز تدويل البحوث بمكتب نيلسون مانديلا فى جامعة متروبوليتان للتعليم الدولى.

يحاول فيه الأكاديمى الجنوب أفريقى دعوة الأكاديميين والباحثين والقائمين على البحث العلمى إلى تبسيط أفكارهم المطروحة للعامة وعدم قصر فهمها على نظرائهم، وهو ما قد يغير حياة الشعوب من خلال توسيع معرفتهم، مستشهدا ببعض الأمثلة، ومقترحا بعض التوصيات لتشجيع الجامعات والأكاديميين على ذلك.

ويبدأ هيليتا حديثه بتأكيده على قدرة البحث والتفكير الإبداعى الخلاق على تغيير وجه العالم. وهو الأمر الذى يدل على حجم القوة الهائلة لدى الباحثين الأكاديميين. ولكن الأغلبية الساحقة منهم لا تشكل النقاشات والحوارات العامة، وهو ما حذر منه الأكاديميان «آسيت بيسواس» و«جوليان كيرشير». فبرغم عملهما الدائم فى المجلات الأكاديمية، لا يقرأ لهما سوى أقرانهم من الأكاديميين.

وذلك بناء على تقديرهما لمتوسط عدد قراء المقال الذى لا يتجاوز عشرة أفراد. حيث يقولان إنه «يُنشر أكثر من مليون ونصف المليون مقال أكاديمى سنويا. ومع ذلك، يتجاهل العديد من المهتمين، حتى الباحثين فى الأوساط العلمية ما يقرب من 82% من المقالات المنشورة وخاصة المتناولة للعلوم الإنسانية، بل ولم يستشهد بها فى أى منصة سواء كانت إعلامية أو بحثية».

ذلك يشير إلى أن العديد من الأفكار العظيمة والأطروحات القيمة التى يمكنها تغيير العالم لا تجد صداها فى المجال العام. وهو ما يدفع للتساؤل حول سبب عدم قيام الأكاديميين بنشر أعمالهم على نطاق أوسع. ويمكن تشخيص السبب فى ثلاث نقاط رئيسية وهى: تضييق فكر الأكاديميين، بتحديد ما يجب أن يفعلوه وما لا يجب أن يفعلوه، غياب عامل التحفيز فى سياسات الجامعات أو الحكومات، وأخيرا، عدم تدريب الباحثين والأكاديميين على كيفية شرح وتبسيط المفاهيم والمصطلحات والقضايا على الجمهور العادى.

مهمة التفكير
يوضح هيليتا أن بعض الأكاديميين مصرون على أن وظيفتهم ليست الكتابة لعامة الناس. ففى رأيهم أن ذلك قد يعنى «التخلى عن مهمتهم كمفكرين»، فهم لا يودون أن يغلبهم الشعور بأنهم أصحاب عقول ضحلة عند تخفيفهم لغة الأفكار المعقدة.

وفى المقابل، يرى الجانب الآخر من الأكاديميين، أنه لا يجب أن يعملوا بمعزل عن المشكلات الواقعية التى يواجهها العالم الآن. وهو ما قد يؤدى إلى إفراز العديد من الأفكار والابتكارات الهامة والتى قد تساعد الجمهور العام على فهم وربما معالجة بعض القضايا كالتغير المناخى، الصراعات الداخلية، الأمن الغذائى، ومكافحة الأوبئة.

غياب الحوافز
يؤكد هيليتا أن الجامعات لا تقدم أى حوافز حتى تشجع الأكاديميين على اتخاذ خطوات خارج إطار قاعات المحاضرات والمختبرات. فعلى مستوى العالم، لا توجد سوى القليل من المؤسسات التى تحفز أعضاءها من الأكاديميين على الكتابة إلى وسائل الإعلام والظهور على شاشات التليفزيون والقنوات الإذاعية، أو نشر آرائهم ونتائج أبحاثهم على الجمهور العام من خلال هذه المنصات الإعلامية.

فى جنوب أفريقيا، حيث يُدرِس ويعمل كباحث، كانت تطرح الدولة المزيد من الحوافز نحو سلك القنوات الرسمية فى نشر الأعمال الأكاديمية والبحثية. فالمؤسسات الخاصة ووزارة التعليم العالى والتدريب كانت تقدم مكافآت على نشر الكتب، وفصول الكتب، والدراسات، أو مقالات فى مجلات علمية معتمدة والمقروءة من قبل نظرائه الأكاديميين.

تدفع الوزارة ما يتعدى المائة ألف راند «العملة الرسمية بجنوب أفريقيا» على كل وحدة منشورة «كتاب، فصل فى كتاب، دراسة، مقال علمى»، من خلال ما تقدمه للجامعات من تمويل، حيث تستغل هذا الدعم عن طريق تقسيم إنفاقه بين الجامعة كمؤسسة وبين الكلية التى ينتمى إليها الموضوع المنشور ومؤلف العمل نفسه. وفى بعض الحالات، يستقبل الأكاديميون دعما أكثر إذا قاموا بنشر أبحاثهم فى مجلات علمية دولية، عما إذا كانت مجلات علمية محلية.

ويشير هيليتا إلى احتجاج أحد العاملين بالسلك الأكاديمى وهى «كاترينا ماكلويد» من جامعة رودس بجنوب أفريقيا على الدعم المالى المقدم للأبحاث، معتبرة ذلك بأنه محاولة لـ«تسليع البحوث» وهو ما يعطى سمعة سيئة لفكرة المنح الدراسية. فقد جاء على لسانها أن «نظام الحوافز الذى تقدمه الجامعات فى جنوب أفريقيا هو «أداة» تخدم أغراض الجامعات من زيادة دخلها بدلا من دعم المنح الدراسية وإنتاج المعرفة فى جنوب أفريقيا».

لا يوجد ما يحث الأكاديميين فى سياسات الوزارة أن ينشروا أبحاثهم خارج الفضاء الأكاديمى، فضلا عن غياب ما يشير إلى أهمية وقيمة توعية الجمهور العادى بما يتم طرحه من أبحاث. وليست جنوب أفريقيا فريدة فى ذلك، ولكن ذلك التجاهل هو واقع ثقافة النشر فى معظم الجامعات على مستوى العالم.

لا خيار لدى الأكاديميين سوى السير فى ركب هذا النظام. فمهنتهم وترقيهم فى مجالهم يعتمد بشكل كامل على سجل نشرهم فى المجلات العلمية، وهو ما يجعل طرح تلك الأبحاث على العامة أمر غير مطروح.

الكتابة إلى الجمهور العام
ويأتى هيليتا بالعامل الثالث فى مقاله والذى يدور حول كيفية كتابة الأكاديميين بطريقة تناسب وعى الجمهور العام، فالجمهور قد يلتفت إلى القضية محل التناول من قبل الأكاديمى ولكنه قد لا يعرف من أين وكيف يبدأ.

إن كتابة مقال فى مجلة علمية بطريقة تناسب من هو خارج المجال الأكاديمى هو أمر مختلف تماما، بالنسبة للأكاديميين. ويشرح كل من «نعومى وولف» و«ساشا كوب» ذلك الأمر فى أحد مقالاتهم، موضحين أن « الكتابة الأكاديمية تعمل فى صالح الدقة العلمية، حيث التوثيق الكامل والجيد وأفكار الباحث دون اقتباس. لكن نقل أفكارهم كأكاديميين بالعديد من المصطلحات الموجهة لنظرائهم هو أمر معقد».

ولذلك على الجامعات أن تلعب دورا هاما فى المساعدة وتطوير وخلق مهارات كتابية تعمل على تبسيط الكتابة العلمية من خلال عقد ورش عمل ودورات تدريبية لكل من الأكاديميين والطلاب، للتوصل إلى تلك المهارات والتدريب عليها.

حان وقت التغيير
ويختتم هيليتا بأن الأكاديميين بحاجة إلى لعب دور أكثر بروزا ووضوحا فى المجتمع، بدلا من الكتابة عن العالم – كما يفعل معظم المراقبين ــ من فوق أبراج عاجية ونشر نتائج ما يصلون إليه فى المجلات المختبئة وراء تكلفة متابعتها العالية.

على الحكومات والجامعات أن توجه سياساتها بشكل أكبر نحو دعم الأكاديميين. كان ومازال استهداف نشر الأبحاث فى المجلات العلمية لنظرائهم من الأكاديميين أمر هام، ولكن لابد من تحفيز الحكومات للأكاديميين وتشجيعهم على نشر تلك الأبحاث وتوجيهها إلى الجمهور العادى.

كما يجب وضع ذلك ضمن معايير ترقى العاملين بالمجال الأكاديمى، بالإضافة إلى تخصيص دعم مادى فى هيئة مكافآت للأكاديميين وللجامعات التى تشجعهم على ذلك. إن جودة البحث الأكاديمى والأفكار الابتكارية أمر محسوم، فهما متساوون فى الأهمية، حيث أنه من الضرورى توجيه الأفكار نحو العالم خارج الإطار الأكاديمى. لأنه سيُحدِث اختلافا حقيقيا فى حياة الشعوب.

إعداد ــ إسلام أحمد حسن

التعليقات