مخاوف حول الاستقرار والأمن فى العراق - محمد مجاهد الزيات - بوابة الشروق
الخميس 25 أبريل 2024 5:22 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

مخاوف حول الاستقرار والأمن فى العراق

نشر فى : الجمعة 24 أبريل 2009 - 6:14 م | آخر تحديث : الجمعة 24 أبريل 2009 - 6:14 م

 تثير موجات العنف الجديدة فى العراق، الكثير من التساؤلات حول مستقبل الأمن والاستقرار هناك، بعد التفاؤلات التى عبّر عنها كبار المسئولين العراقيين والأمريكيين نهاية العام الماضى.

ويزيد من خطورة ذلك، أن عمليات العنف قد استهدفت أحياء سنية وأخرى شيعية، وهو ما يثر الحديث حول ما إذا كانت هناك عودة لاستهدافات طائفية جديدة، فمن المسئول عن كل ذلك وما الذى يجرى حاليا فى العراق؟

وحتى يمكن فهم أبعاد وتوجهات العنف المتصاعد مؤخرا فى العراق، من الضرورى الإشارة إلى بعض المتغيرات السياسية والأمنية التى طفت على سطح الأحداث الجارية خلال الشهور الأخيرة والتى ساهمت إلى حد كبير فى توفير مناخ توتر واحتقان سياسى بين الحكومة وبعض القوى والتيارات السياسية.

منذ الإعلان عن جدولة الانسحاب الأمريكى، وبدء تسليم الملف الأمنى فى المحافظات إلى الحكومة العراقية، بدأ يظهر نوع من القلق لدى القوى المعارضة للحكومة ــ خاصة السنية ــ التى كانت ترى فى قوات الاحتلال كابحا لجماح الميليشيات الشيعية التى تخترق بعض المؤسسات الأمنية الحكومية.

ولعل أهم هذه القوى، هى ما يسمى بقوات الصحوة ومجالس الإسناد التى دعمتها قوات الاحتلال ومولتها، وقامت بدور كبير فى محاصرة نفوذ تنظيم القاعدة فى العراق، وبلغ عددها نحو مائة ألف فرد، وانتشروا فى بغداد ومحافظات الأنبار ونينوى وديالى وصلاح الدين، وقد نجحت هذه القوات فى فرض الأمن فى مناطقها.

وفى إطار تنفيذ الانسحاب الأمريكى من العراق، قامت القوات الأمريكية بتسليم مهمة هذه القوات للحكومة التى رفضت تنفيذ ما تم الاتفاق عليه بخصوص دمجها فى الجيش والشرطة، وأصرت على دمج 20 ألفا منهم فقط، حتى لا تخل بالمحاصصة الطائفية، التى تقر بالأغلبية للشيعة داخل تلك المؤسسات، بل إن الحكومة صعدت إجراءاتها تجاه بعض تلك القوات، حيث اعتبرتها سلطة خارجة عن سلطة الدولة.

ورفضت أى دور لها فى العملية الأمنية، وقامت باعتقال مجموعات كبيرة من قادتها، ومما زاد من مأزق هذه الصحوات أنها تعرضت فى نفس الوقت لضغوط وعمليات مضادة من خلايا تنظيم القاعدة، وبعض فصائل المقاومة لجذبها بعيدا عن التعاون مع الحكومة والعودة إلى خيار المقاومة، حيث تم اغتيال 53 من عناصرها خلال الشهر الأخير فقط.

كما أن إفراج قوات الاحتلال عن المعتقلين والذين تجاوزت أعدادهم عشرين ألفا ولم تصدر ضدهم أى أحكام، ومعظمهم من المعارضين للاحتلال المحسوبين على فصائل المقاومة أو عناصر من الجيش والأمن السابق، قد اقترن فى نفس الوقت بتحرك حكومى لإعادة اعتقالهم والتحقيق معهم وتوزيع أسمائهم وصورهم على الدوائر الأمنية، الأمر الذى زاد من مخاوفهم وقلقهم، ووفر أرضية مناسبة لالتحاق بعضهم بصفوف المقاومة والقاعدة.

ولا شك أن بعض عمليات تفجير السيارات التى شهدتها بغداد والتى توحى بأسلوب تنظيم القاعدة، تؤكد محاولة التنظيم الاستفادة من ذلك المناخ وإعادة تنظيم صفوفه، بعد عودة بعض العناصر العربية التى سبق مغادرتها إلى أفغانستان لدعم عمليات التنظيم الأم وطالبان.

بل إن هناك احتمالا لأن يكون هذا النشاط يستهدف تشتيت الجهد العسكرى الأمريكى، وتأخير الانسحاب الأمريكى من المدن للمحافظة على استمرار ميدان المواجهة العراقى ولعدم تسهيل الأمور أمام التفرغ الأمريكى للميدان الأفغانى والباكستانى، كما أن تصاعد هذا النشاط قد توافق مع تزايد التعاون بين التنظيم والحركة النقشبندية المجاهدة المرتبطة بعزة الدورى نائب الرئيس العراقى السابق والتى قدمت دعما لوجستيا للقاعدة مؤخرا، ونجحت من خلال تطوير علاقتها بتنظيم أنصار الإسلام (أحد فصائل المقاومة المنتشرة فى المنطقة الشمالية من العراق) فى تنشيط عمليات المقاومة مؤخرا فى تلك المنطقة.


ومن الضرورى الإشارة كذلك إلى أنه مما ساعد على تصاعد العنف بهذه الدرجة ضعف المؤسسات الأمنية العراقية وعدم قدرتها حتى الآن على ضبط الأوضاع الأمنية بمفردها والدليل على ذلك أن عملية القبض على بعض عناصر الصحوة فى حى الفضل فى بغداد لم تتمكن الشرطة العراقية من القيام بها بمفردها واحتاجت لمساندة قوات مدرعة وطائرات هليكوبتر أمريكية هذا بالإضافة إلى التنافس القائم بين المؤسسات الدفاعية والأمنية العراقية، والتى تعبر عن انتماءات سياسية وطائفية تحد من فاعلية دورها، وتدفع للشكوك حول دوافع عملياتها وأهدافها.

فضلا عن تراجع الحكومة عن تنفيذ مصالحة حقيقية، طبقا لما تم الاتفاق عليه مع الولايات المتحدة فى هذا الخصوص رغم اتخاذ بعض الخطوات التى شاركت فيها دول جوار لديها حوار وصلات مع بعض قوى المعارضة، خاصة ذات الصلة بالنظام السابق حيث لاتزال الحكومة والتحالف الشيعى الكردى المسيطر على الحياة السياسية يرفض اندماج التيارات ذات الصلة بالمقاومة أو الانتماء البعثى فى العملية السياسية حتى الآن.

كما لا يمكن إغفال ما يجرى داخل التيار الصدرى وتأثيره على زيادة مناخ التوتر، حيث تجرى منذ عدة شهور محاولات حكومية بمساندة أمريكية لتفتيت هذا التيار من خلال استقطاب بعض المجموعات ذات الصلة به والتى بدأت تعمل بصورة توحى بالاستقلالية مثل «عصائب أهل الحق»، وكتائب حزب الله العراقى، من خلال عقد دورات تأهيلية ومصالحة مع العناصر والقيادات التى تم اعتقالها، وتوافق ذلك مع تحركات للمجلس الإسلامى الأعلى بدعم إيرانى لدعم الانشقاقات داخل هذا التيار والسيطرة على مجموعاته وإضعاف سيطرة مقتدى الصدر عليها، خاصة بعد تفاهماته مؤخرا مع رئيس الوزراء المالكى.

ومن الواضح كذلك أن الضغوط التى يتعرض لها الاقتصاد العراقى خلال الفترة الأخيرة يمكن أن تزيد من هوة انعدام الثقة بين الحكومة والقطاعات الشعبية فى ظل ما هو متوقع من عجزها عن تحسين مستوى المعيشة والخدمات، ومن أبرز هذه الضغوط تراجع الإيرادات النفطية، خاصة أن النفط يعد المحرك الرئيسى للاقتصاد العراقى، وتمثل هذه الإيرادات حوالى 95% من إجمالى إيرادات الدولة.

وقد أوضحت تقارير حكومية تراجع العائدات العراقية من النفط بنحو 58% خلال الربع الأول من عام 2009 مقارنة بالعام السابق، هذا فى الوقت الذى يتوقع فيه أيضا عجز الحكومة عن توفير مصادر بديلة، فإن الوضع الاقتصادى يمكن أن يزيد من مناخ التوتر ويسمح باختراقات لمنظمات المقاومة والعنف المسلح داخل الأوسط الشعبية المتضررة

هكذا نرى أن العنف المتصاعد فى العراق ارتبط بالدرجة الأولى بعملية جدولة الانسحاب الأمريكى فى العراق دون أن يتزامن ذلك مع عملية سياسية جادة لتحقيق وفاق وطنى، وتوسيع حجم المشاركة السياسية.

وتغيير صورة الحكم القائم على المحاصصة الداعم للطائفية، والتراجع عن إنجاز الملفات الضرورية لإرساء أسس المصالحة خاصة تعديل بعض بنود الدستور، ومراجعة قانون اجتثاث البعث، وتأهيل المؤسسات الأمنية على أساس الكفاءة والقدرة وتنقيتها من اختراقات الميليشيات التابعة للأحزاب الشيعية والكردية.

إن المكاسب الأمنية التى تحققت خلال العام ونصفالعام الماضيين والتى ساهم فى تحقيقها قوات الصحوة بدأت تهتز، وهناك مخاوف من اتساع مساحة العنف خلال المرحلة القادمة.

وربما يكون ذلك عرضا مسبقا لما سيكون عليه الحال بعد الانسحاب الأمريكى الأمر الذى يرجح فى النهاية أن يؤدى تصاعد هذا العنف إلى تأخير الانسحاب الأمريكى من بعض المدن خاصة الموصل وديالى وبعض أحياء بغداد فى المواعيد المعلن عنها.

وأن يضطر قائد القوات الأمريكية إلى تغيير طبيعة وحجم وتسليح القوات المتفق على بقائها فى العراق فى النهاية كقوات تدريب ودعم لتضم ألوية مقاتلة، وهو ما يثير الكثير من الاحتمالات حول مستقبل الاستقرار فى العراق.

محمد مجاهد الزيات مستشار أكاديمى فى المركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية
التعليقات