ملاحظات حول انتهاء «المرحلة الأولى» من الحوار الوطنى - مصطفى كامل السيد - بوابة الشروق
السبت 14 ديسمبر 2024 6:39 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

ملاحظات حول انتهاء «المرحلة الأولى» من الحوار الوطنى

نشر فى : الأحد 24 سبتمبر 2023 - 8:25 م | آخر تحديث : الأحد 24 سبتمبر 2023 - 8:25 م
أعلن مجلس أمناء الحوار الوطنى فى ختام الأسبوع الماضى تعليق جلسات الحوار الوطنى، بدعوى أن كل من شارك فى الحوار «بمجلس أمنائه وهيكل محاوره ولجانه وكل المشاركين فيه الذين يمثلون كل أطياف مصر وقواها السياسية والنقابية والأهلية، وأن هؤلاء جميعا وبحكم طبيعتهم سيكون لكل منهم رأيه ورؤيته ومواقفه المستقلة المتمايزة من المتنافسين فى هذه الانتخابات»، وأن هذه الجلسات ستستأنف بعد الانتخابات الرئاسية، ولذلك قد يكون من المفيد استكشاف الحكمة من وراء هذا القرار، ثم تقييم «المرحلة الأولى» من الحوار، واستخلاص بعض الدروس منها، علها تؤخذ فى الاعتبار سواء كانت هناك «مرحلة ثانية» من الحوار، أو انعقد هذا الحوار مرة أخرى فى المستقبل. وقد شارك الكاتب فى كل جلسات المحور السياسى فى الحوار ــ باعتباره مقرره العام المساعد ــ وبعض جلسات المحورين الاقتصادى والاجتماعى، وكان قد شارك فى بداية الحوار بإحدى جلسات مجلس أمنائه والذى ليس عضوا فيه، وهو يطرح رؤيته لهذه القضايا فى الفقرات التالية..
حكمة توقف جلسات الحوار قبل الانتخابات الرئاسية
تشير تعليقات بعض أعضاء مجلس الأمناء والمنشورة عن توقف جلسات الحوار بعد إعلان الهيئة الوطنية للانتخابات عن قرب تحديدها للجدول الزمنى لإجراءات الانتخابات الرئاسية عن تأييدهم لهذا التوقف للأسباب المذكورة مسبقا، وهى اختلاف مواقفهم من المتنافسين المحتملين فى هذه الانتخابات، والحقيقة أن ذلك ليس بالجديد ولا بالمدهش، فأعضاء مجلس الأمناء ومقررو المحاور واللجان المختلفة وكذلك معظم المشاركين والمشارِكات فى الحوار قد اختيروا على أساس خلفياتهم الحزبية والنقابية والأهلية، وتلك إحدى حسنات الحوار فهو حتى يكون حوارا بالمعنى الصحيح لابد وأن تكون أطرافه من أصحاب الرؤى بل والمصالح المتباينة، ولكنه يفترض أنهم إما يقدرون على التوصل إلى توافق، أو ينتهون إلى بدائل محددة يطرحونها ليس على صناع القرار فى مصر وفى مقدمتهم بطبيعة الحال السيد رئيس الجمهورية، ولكنهم يطرحونها أيضا على القوى السياسية والنقابية والأهلية، ومن بينهم بكل تأكيد المرشحون المحتملون والأحزاب التى تتنافس فى تأييدهم، ولذلك فربما كان من المفيد أن تستمر جلسات الحوار خلال الاستعداد للانتخابات حتى يستنير كل هؤلاء بما يخرج من الحوار، بل ويتبنى بعض هؤلاء المرشحين من هذه البدائل ما يرون أنه جدير بكسب ثقة الناخبين والناخبات وبتحويله إلى سياسات عندما يصل أحدهم إلى موقع الرئاسة، ومنهم أيضا السيد رئيس الجمهورية الذى تشير كثير من الدلائل إلى أنه سيكون مرشحا فى هذه الانتخابات. ويمكن أيضا التساؤل عن قيمة ما يخرج من الحوار من توصيات بعد انتهاء الانتخابات، وإعلان نتيجتها، فما الذى سيُلزم المرشح الناجح باتباع هذه التوصيات وقد فاز بالفعل، ولكنه قبل الانتخابات يمكن أن يدعى أنه سيأخذ بها فى حالة فوزه كتعهد أمام الناخبات والناخبين يحاسبونه عليه إن نكص عن وعوده الانتخابية.
«المرحلة الأولى» للحوار الوطنى.. ما لها وما عليها:
لا تخلو المرحلة الأولى من الحوار الوطنى من بعض الحسنات، ولابد من النظر إليها على ضوء السياق الذى جرت فيه. فقد سبقتها ممارسات شائعة من التضييق على حريات التعبير والتنظيم لكل القوى المدنية وبالطبع غير المدنية، فضلا عن استمرار أعداد كبيرة من المصريين، لا نعرف حقيقتها على وجه التأكيد، وراء جدران السجون سواء بدعوى الحبس الاحتياطى أو تنفيذا لأحكام فيما يعتبره كثيرون قضايا رأى، ووصل الأمر إلى استحالة عقد بعض قوى المعارضة حفل إفطار فى شهر رمضان تعرضت فيه لاعتداءات.
مع الاستعداد لبدء الحوار الوطنى استضافت بعض قنوات التلفزيون الخاصة فى معظمها أو قنوات أجنبية ناطقة باللغة العربية شخصيات معارضة بل وأحد المرشحين المحتملين لرئاسة الجمهورية، تحدثوا فيها بحرية دون أن ينالهم عقاب أو تضييق، ووسعت بعض الصحف اليومية وخصوصا الخاصة والمستقلة من تغطيتها لتصريحات وأنشطة الحركة المدنية الديمقراطية وأحزابها وهى على أرض الواقع قوة المعارضة الوحيدة فى مصر، وعلى الرغم من استمرار كتاب الصحف اليومية وبعض معلقى قنوات التلفزيون من السخرية بقيادات هذه الحركة، وعندما بدأت جلسات الحوار الوطنى شاركت شخصيات عديدة تنتمى إلى تيارات سياسية وفكرية متنوعة فى الحوار، وعبرت عن آرائها بكل حرية وبكل الأمان، مع الاستثناء الذى لم يدم طويلا عندما جرى اعتقال السيد محمد زهران ــ رئيس نقابة المعلمين المستقلة ــ والذى كان قد شارك فى الحوار، ولكن اعتقاله لم يدم سوى أيام معدودة.
مرة أخرى وبالنظر إلى السياق العام الذى سبق الحوار اعتراف سلطات الحكم فى مصر بكل هذه القوى وحريتها ليس فقط فى التعبير عن مواقفها داخل الحوار والأخذ ببعض مقترحاتها فى توصيات المرحلة الأولى وخصوصا فى لجان المحور السياسى، ثم تمكن هذه القوى من عقد اجتماعات فى مقارها الحزبية وبالمشاركة مع قوى سياسية أخرى هو تقدم لا يستهان به.
ومع ذلك، فمن المبالغة وصف المرحلة الأولى من الحوار على أنها خطوة نحو إصلاح سياسى حقيقى فى مصر. صحيح أن أطراف الحوار شملت كل من يعتبرون من بين القوى السياسية المدنية، وشارك فيه بعض من تعرضوا للسجن أو التضييق على حرياتهم بسبب مواقفهم السياسية، ولكن أطرافا أخرى لم تدعَ أصلا للحوار، ولذلك افتقد أطراف الحوار ميزة الشمول، بل وقاطعه بعض الخبراء فى موضوعاته لتشككهم فى نتائجه، كما أن جدول أعمال الحوار استبعد تماما قضية تعديل الدستور أو حتى مناقشة ما أدخل عليه من تعديلات فى سنة ٢٠١٩، واتسع هذا الاستبعاد ليشمل مسألة العلاقة بين السلطات وأجهزة الدولة المختلفة بدعوى أنها تتعلق أيضا بالدستور، بينما لا يمكن أن يكون هناك إصلاح سياسى حقيقى بدون النظر فى قواعد الحكم فى مصر. ولكن هذا هو ما قبله على مضض بعض القوى التى شاركت فى الحوار، على اعتبار أنها لا يمكن بحكم علاقات القوى فى مصر بين سلطة الحكم والمعارضة أن تنال كل ما تطلبه. وكانت قد طرحت شروطا لنجاح الحوار ومنها الإفراج عن كل سجناء الرأى، وأعداد معتبرة من المسجونين السياسيين، وقصدت بذلك المحبوسين احتياطيا. بكل تأكيد أفرج عن كثيرين ولكن كل من أفرج عنهم ربما لا يتجاوزون ألفا وخمسمائة شخص، تحسنت معاملة الآخرين، ولكن مازال مطلب الإفراج عن كل سجناء الرأى والمحبوسين احتياطيا أملا يبدو صعب المنال على ضوء الممارسات الماضية.
طبعا تضمنت توصيات الحوار فى مرحلته الأولى بعض المطالب الهامة التى يمكن إذا ما جرى تنفيذها نقل «المناخ السياسى» فى مصر نقلة واسعة، ولكن لم نشهد حتى الآن ترجمة على أرض الواقع لهذه التوصيات. لم يتحدد حتى الآن أى البدائل التى ستقدم لمجلسى النواب والشيوخ فيما يتعلق بالنظام الانتخابى. هل سيستمر نظام القائمة المغلقة وبالأغلبية الذى تؤيده بشدة أحزاب الأغلبية، وهو النظام الذى أفرغ المجلسين القائمين أم ستقدم الحكومة للمجلس واحدا من البديلين الآخرين. كانت هناك توصيات بقانون جديد للإدارة المحلية وانتخاب مجالسها، كما كانت هناك توصيات أخرى بإنشاء مفوضية لمكافحة التمييز، وهو مطلب دستورى، وإصدار قانون لا يقيد حرية تداول المعلومات، ورفع القيود على الحريات الأكاديمية، وكذلك تسهيل ممارسة حريات التنظيم الأهلى. خفف مجلس الأمناء فى صياغته للتوصيات التى خرجت تحديدا من لجان المحور السياسى بعض قواعد استقلال كل من المفوضية ومجلس حرية المعلومات، وفضل استخدام تعبير تخفيف القيود على الحريات الأكاديمية عن تعبير وقف هذه القيود. ومع ذلك فإن تنفيذ هذه التوصيات حتى فى صيغتها المعدلة سيفتح الباب أمام سياق سياسى مختلف فى مصر.
لكن تجب الإشارة إلى أن توصيات المرحلة الأولى قد رفعها مجلس الأمناء قبل استكمال تقديم تقارير بعض اللجان وخصوصا فى المحورين الاقتصادى والاجتماعى، كما ناقش المحور السياسى قضية حرية التعبير ووضع قانون جديد لحرية الأحزاب، وناقش المحور الاقتصادى قضية التضخم، كما عقدت لجان المحور الاجتماعى جلسات لمناقشة قضايا الثقافة والهوية الوطنية والنشاط السياسى للشباب وكيفية التعامل مع الزيادة السكانية. وحضر جلسة الثقافة عدد من أبرز المخرجين السينمائيين طرحوا المشاكل التى تواجه الصناعات الإبداعية ولم يتسع الوقت لتقديمها حتى كملحق للمرحلة الأولى. يضاف إلى ذلك أن قضايا حيوية مثل الحبس الاحتياطى وضمانات التقاضى وأوضاع النقابات المهنية فضلا عن قضايا أولويات الاستثمار، والمعاشات والمصانع المتعثرة والسياحة فى المحور الاقتصادى لم تناقش بعد، وكلها كان يمكن أن تكون مفيدة لكل المرشحين المحتملين فى الانتخابات الرئاسية.
دروس للمستقبل
من الواضح أن حوارا واسعا وشاملا لكل القوى السياسية والاجتماعية فى كل دولة هو ضرورى لتوفير قاعدة من البدائل التى تلقى تأييدا فى المجتمع يسترشد بها صناع القرار فى كافة مؤسساتها. هذا الحوار يدور فى الدول الديمقراطية من خلال مؤسساتها النيابية والحزبية ومنظمات المجتمع المدنى ومن خلال القنوات الإعلامية الجديدة والقديمة. الخروج عن هذه المؤسسات وإدارة الحوار خارجها يكون مرغوبا عندما تخفق هذه المؤسسات فى القيام بدورها المنشود فى التعبير عن القوى الاجتماعية والسياسية على تنوعها. ولذلك تثور الحاجة لمثل هذا الحوار فى لحظات أزمات النظام السياسى كإطار للبحث عن سبل إصلاحه التى تلقى تجاوبا واسعا فى المجتمع.
ولكن حتى ينجح مثل هذا الحوار فلابد من توافر عدة شروط قيمية وسياسية وتنظيمية. منها أن يتحلى كل من يدخل فى الحوار بروح من التواضع واليقين بأن أيا منهم لا يحتكر الحقيقة، فإنه كما يمكن أن يكون على حق، فالأطراف الأخرى يمكن أن تكون على حق، وهذا يمهد لتنازلات متبادلة والوصول إلى حلول وسط.
ومن الشروط السياسية أن يكون الحوار مفتوحا لكل القوى السياسية والاجتماعية القانونية والشرعية دونما حظر لأى منها، وإلا فإن هذه القوى المحظورة لن تلتزم بنتائج الحوار وسوف تسعى إلى إقامة العراقيل التى تقدر عليها لإعاقته وخلق الأوضاع التى تحول دون تنفيذ مخرجاته، ومنها ألا ينفرد طرف وحيد بتحديد قضايا الحوار، وأن تكون الأطراف المشاركة فى الحوار هى أطراف ذات مصداقية، بحيث تقدر على تنفيذ مخرجاته، فلا يبقى صانع القرار خارج هذا الحوار، يحدد حسب حساباته الخاصة ما إذا كان سيقبل توصيات الحوار، ويجتهد بكل أمانة لوضعها موضع التطبيق.
ومن الناحية التنظيمية يجب التمييز بين المنتدى السياسى وأطر الحوار. المنتدى السياسى مفتوح للجميع لكى يعربوا عن آرائهم، وهذا هو ما تحقق فى الجلسات العامة للحوار، ولكن إطار الحوار يجب أن يقتصر على أعداد محدودة ذات مواقف متباينة تلتقى فى اجتماعات مغلقة للوصول إلى اتفاقات أو بدائل محددة. وهذا هو الحوار الحقيقى والجاد الذى دار فى الاجتماعات المتخصصة. ويمكن أن يكون المنتدى هو مرحلة سابقة على الحوار الهادف إلى الوصول إلى نتائج.
هذه بعض الدروس المستفادة من المرحلة الأولى للحوار، عسى أن تكون مفيدة عندما تشاء الظروف ويجرى مثل هذا الحوار فى المستقبل.
مصطفى كامل السيد أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة
التعليقات