نعم للأجندة الدولية - إكرام لمعي - بوابة الشروق
الجمعة 19 أبريل 2024 1:56 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

نعم للأجندة الدولية

نشر فى : الثلاثاء 24 نوفمبر 2009 - 9:54 ص | آخر تحديث : الثلاثاء 24 نوفمبر 2009 - 9:54 ص

 عندما يُذكَر مصطلح «الأجندة الدولية» يتداعى إلى الذهن فكرة المؤامرة. فعادة تكون الأجندة الدولية معارضة للأجندة المحلية، وعادة ما يتحدث العالم الثالث عن وجود أجندة دولية غير شريفة أى ما يسمى Hidden agenda. وقد علق العالم الثالث جميع انتكاساته وفشله فى القرن الماضى على هذه الأجندة السرية والتى يتوافق عليها الكبار لكى يلتهموا الصغار.

والحقيقة أن الواقع يشير إلى مثل هذا فى أكثر من موقف تاريخى مثل معاهدة سايكس بيكو بين أكبر قوتين فى النصف الأول من القرن العشرين إنجلترا وفرنسا، وفيها اتفقتا على تقسيم العالم العربى إلى دويلات. وبلا شك كان الهدف المخفى هو إضعاف العالم العربى، والسيطرة عليه أيضا. ثم وعد بلفور عام 1917 والذى فيه وعدت إنجلترا اليهود بوطن قومى لهم على أرض فلسطين. هذا فضلا عن ما حدث فى عامى 1956 و1967، لمصر والعرب.

والحقيقة أيضا أننا عندما ننظر إلى هذه الأجندة نجد أنها تعتمد على مصالح الدول الكبرى على حساب الدول الصغرى غير الواعية لمصالحها، بل وغير القادرة على الدفاع عن نفسها، والأهم من كل ذلك غير القادرة على الفهم والتفاعل مع الفكر العالمى لحماية مصالحها، ولو كانت هذه الدول واعية ومدركة للفكر العالمى لما وقعت ضحية لها،

لكن لأنها لم تكن كذلك قامت بردود أفعال حمقاء ومتشنجة لأجل الوطن ولأجل الدين بشعارات مستهلكة شعبية وحروب خائبة لحماية كراسى الحكم، والتحالف مع الدول الكبرى لصالح عائلات سواء كانت ملكية أو جمهورية، أو غباء سياسى يقدم ردود فعل خاطئة، فيدين نفسه أكثر من إدانة الدول المعتدية.

فى العقد الأخير من القرن العشرين وبسقوط حائط برلين والاتحاد السوفييتى بدأ عقد جديد تشكله العولمة وشبكة الإنترنت وعصر المعلومات، فتحول العالم إلى الشفافية وانكشفت الدول أمام شعوبها وأمام العالم ككل.

ودخل العالم إلى القرن الواحد والعشرين بتحولات سياسية واقتصادية واجتماعية شكلت أجندة دولية معروفة للجميع، اتفق عليها العالم سواء كان متقدما أو متخلفا، لأنها أجندة تقابل احتياجات الشعوب والحركة الإنسانية أو الحرة فى كل زمان أو مكان باختلاف العرق والجنس والدين. وقد توافق على هذه الأجندة الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوربى والعملاق الصينى...إلخ،

ولاقت صدى فاعل لكل دول العالم الثالث. وهذه الأجندة لا تحتوى على مؤامرة أو مخفى منها جزء لصالح تيار أو دولة رغم أن بعض حكام العالم الثالث يسمونها بذلك ويحاولون إقناع شعوبهم أن هذه الأجندة مؤامرة ضد الدين والأخلاق. ترى ما هى هذه الأجندة التى توافق عليها العالم والشعوب ومعظم الحكام؟ سأحاول هنا أن أذكر بعض مبادئها بحسب رؤيتى ووجهة نظرى.

أولا: لا قيام لدولة دينية
بعد معاناة وتجارب لمئات السنين بقيام دول دينية أو دول بمرجعية دينية، سواء فى الغرب أو الشرق، ثبت أن المرجعية الدينية لأى دولة تعنى دمار هذه الدولة. وقد وضح هذا فى العصور المظلمة التى اجتازت فيها دول أوروبا، حين أرسلت الجيوش إلى الشرق الأوسط بما سمى بالحروب الصليبية، وحينما ساوت الدولة بين العلماء والسحرة وأحرقتهم، وغابت أوروبا فى الظلام لقرون عديدة حتى كان عصر الإصلاح.. نحى الدين جانبا،

ولم تعد الكنيسة تتحكم فى الملوك والحكام وطغت العلمانية،ثم جاء عصر التنوير والحداثة وما بعد الحداثة، وانتهت الدولة الدينية فى الغرب. أما التجارب التى فى الشرق سواء الإمبراطورية العثمانية التى تهاوت تاركة الدول التى سيطرت عليها فى قاع التخلف والظلام أو محاولات إيران وحماس فقد أثبتت مدى فشل الدولة الدينية.

ثانيا: لا قيام لحكم ديكتاتورى
المبدأ الثانى الذى توافقت عليه الأجندة الدولية ــ بحسب تصورى ــ هو رفض أى حكم ديكتاتورى، لقد ابتهج الحكام الديكتاتورين والعسكريون وهم يرون معظم العالم يتوافق على رفض الحكم الدينى بشكل قاطع، ذلك لأنهم ظنوا أنهم هم البديل للحكم الدينى، فهم أخف وطأة حيث إنهم لا يحكمون باسم الدين لكنهم يحكمون باسم الشعب لقهر الشعب وفى مرحلة سابقة كانت الحركات الدينية هى أكبر مهدد للديكتاتوريات لأنها تبنى شعبيتها على فساد حكم الديكتاتور.

وفى مرحلة تاريخية ليست ببعيدة بدأ العالم يتطلع إلى الزعماء الدينيين ليقدموا البديل الدينى الذى لديهم لمحاربة الفساد والديكتاتورية، وبدأت الاتصالات مع هذه الحركات سواء فى أفغانستان أو باكستان أو مصر أو إيران، لكن تشجيع أفغانستان وباكستان أنتج طالبان وبن لادن، وتشجيع إيران أنتج الخمينى وتشجيع مصر صعد بالإخوان إلى السطح، وكل هؤلاء كانوا ينادون بالشفافية والولاء لله والديمقراطية الدينية وتكوين أحزاب دينية..إلخ، لكن على أرض الواقع وضح أن الديكتاتور المدنى أو العسكرى أرحم كثيرا من البديل الدينى.

وهكذا ظن الديكتاتوريون أنهم قد ربحوا المعركة وسوف يرضى العالم عنهم لأنهم يقمعون الحركة الدينية فى بلادهم وحاولوا تقديم أوراق اعتمادهم إلى العالم المتقدم كمنقذين من الحكم الدينى لكن ظنهم خاب وتوافق العالم على الديمقراطية الحقيقية كأسلوب للحكم وعلى الشفافية فى كل أمور الدولة.

هكذا وضح أن الديكتاتور الذى لا يثبت أمام الحرية والديمقراطية لا مكان له فى الأجندة الدولية، ولقد عاد الملوك والرؤساء الديكتاتوريون من الغرب بخفى حنين وهم يتعجبون كيف أنهم تصدوا للتوجه الدينى فى بلادهم واليوم مطالبون بحسب الأجندة الدولية بتنقية دساتيرهم من كل المواد التى تعيق تطبيق الديمقراطية بشكل كامل والتى تعيق الشفافية، ومؤتمر الأمم المتحدة الأخير فى الدوحة عن الشفافية أوضح إلى أى مدى سيتدخل المجتمع الدولى فى الحياة اليومية للشعوب والتى أراد حكامها تعويق حركة الشفافية العالمية.

ثالثا: حقوق الإنسان
أما المبدأ الثالث فى الأجندة الدولية فهو تطبيق مبادئ حقوق الإنسان. وهذا لا يتم إلا بالمساواة الكاملة بين المواطنين بغض النظر عن الجنس أو الدين أو العرق. فالكفاءة هى الشرط الوحيد لتولى المناصب فى الدولة أو القطاع الخاص، وأن الحرية الدينية من أهم الأساسيات فى الأجندة الدولية بحسب مواثيق حقوق الإنسان، فالدين اختيار إنسانى بحت لا تتدخل فيه أى سلطة مهما كانت.

ودور الأقليات فى كل الدول لابد وأن يعضد ويتضح فلا يحس من ينتمى إلى الأقلية بأى غبن لأى سبب من الأسباب ومن أهم حقوق الإنسان هو وجود حد أدنى للمعيشة، فالإنسان الذى يعيش متشردا فى الشارع والمناطق العشوائية والمجاعات المنتشرة هنا وهناك ينبغى أن يتوقف كل هذا بطريقة أو أخرى، والدول الديكتاتورية ينتشر فيها الفقر والجوع والمرض، وعدم المساواة الإنسانية بين من يملك ومن لا يملك. وهذا البند فى الأجندة الدولية يأخذ مكانا متقدما.

رابعا : أهمية التعليم والعلوم والتفكير العلمى
من أهم بنود الأجندة الدولية هو محو أمية الملايين من شعوب العالم الثالث ليس فقط محو أمية القراءة والكتابة لكن أمية الحاسب الآلى وأن الشعوب لن تتعرف على حقوقها وواجباتها إلا من خلال العلم والتعليم، إن الدول المتخلفة فى مجال العلوم والثقافة والتفكير العلمى سيزداد تخلفها فى الحقبة القادمة إن لم تعد إلى وعيها وتدرك أنها لن تعيش عالة على المجتمع العالمى، وعليها أن تعتمد على ذاتها ولن يكون ذلك دون تبنى العلوم والتفكير العلمى.

عزيزى القارئ هذه هى الأجندة الدولية المعلنة على رءوس الأشهاد دون مؤامرة أو تحايل أو ضحك على العقول، وإذا نظرنا إلى بلدنا مصر فى ضوء هذه الأجندة سوف تحزن قلوبنا وتكتئب لأننا الدولة رقم 104 فى تقرير الشفافية الدولية من حيث الفساد، وقد كنا فى تقرير العام الماضى رقم71 أى تخلفنا فى عام واحد أو قل تقدمنا فى الفساد 33 مركزا،

ومن الواضح أننا نعيش ديمقراطية الكلام فقط، فلا أحزاب فاعلة ولا قدرة على الفعل أما دستورنا فيمتلئ بالمتناقضات بين المادة الأولى (المواطنة) والمادة الثانية (الشريعة الإسلامية) المصدر الرئيسى والمواد من 40 إلى 45 والمليئة بكل أنواعه الحقوق والحريات،

والمشكلة أن بعض منظرينا السياسيين يتحدثون عن أن هذه الأجندة الدولية غير صالحة لمجتمعنا ولا تتطابق مع مبادئ الدين أو التقاليد، وأن الأجندة الدولية مليئة بالمؤامرات علينا، وإذا كان هذا هكذا فأهلا وسهلا بالأجندة الدولية ومؤامراتها.

إكرام لمعي  أستاذ مقارنة الأديان
التعليقات