أغنيتان .. على الممر - أيمن الصياد - بوابة الشروق
الأحد 28 أبريل 2024 12:22 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

أغنيتان .. على الممر

نشر فى : الأحد 25 يناير 2015 - 7:00 ص | آخر تحديث : الأحد 25 يناير 2015 - 1:40 م

عندما تفضل الفنان «الإنسان» حمزة نمرة فأهداني ألبومَه الجديد «اسمعني»، كنت أتمنى أن لا أجد فيه ما توقعته من إحساسٍ بالغربة؛ أعرف أن سحابته السوداء الثقيلة قد خيمت للأسف على نفوس جيل كان قارب السحاب بأحلامه في مثل هذا اليوم البعيد من العام ٢٠١١: «الخامس والعشرين من يناير».

كنّا شبابًا في منتصف سبعينيات القرن الماضي عندما ذهبنا «رفاقًا» لمشاهدة رائعة يوسف شاهين، التي كنا قد أدمناها «عودة الابن الضال». هل تذكرون «علي / أحمد محرز» بطل الفيلم الشاب يعدو بجوار السور الحديدي لهندسة الإسكندرية، وكلمات العبقري صلاح جاهين تصدح في الخلفية، تعبيرا عن إحباط جيل يلهث بحثا عن حلمه الذي تبخر في صحراء ١٩٦٧؟ تذكرته وأنا أستمع إلى حمزة نمرة (يناير ٢٠١٥):

«احنا الجيل اللي شاب وهو شباب ..

كل حلم بألم كل خطوة بعذاب ..

شيلنا هم الحياة. دوقنا مرّ السنين ..

لأ، وعايزينّا برضه نعيش مذلولين ..

لا.. كلمة واحدة هقولها ليك ..

لا.. مش هبقى نسخة من ماضيك

...........

اسمعني..

انت اللي بتضيعني..

للماضي بترجعني..

وعايز تحبسني فيه..

أحلامي..

انت اللي قضيت عليها..

لما اتحكمت فيها..

طب فاضل ليا إيه»

•••

بحكم العمر، والشعر الأبيض، ونوستالجيا لا نملك منها فكاكًا، لم أقترب كثيرا من أغنيات هذا العصر وإيقاعاته. ولكن إدراكا لحقيقة أن هذا الجيل الذي حاول في مثل هذا اليوم قبل سنواتٍ أربع أن يخرج بمنطقتنا إلى آفاق عصر جديد، هو الذي، رغم كل «النكسات» يملك المستقبل. كان علي أن أفعل، مسترجعًا ما غنوا واستمعوا. منصتًا لأفهم .. وأتعلم.

•••

يناير ٢٠١١

بعد ما يقرب من أربعين عاما نسى فيها المصريون الأغنيات التي تتغنى بحب الوطن، كان المصريون قد ضبطوا نغمات هواتفهم النقالة على أغنية عزيز الشافعي ورامي جمال «يا بلادي .. أنا بحبك يا بلادي». وكانت قنوات التلفزيون التي أفاقت على النشوة، تكاد لا تبث غير أغنية أنغام؛ المختصرة جدًا.. والبسيطة جدًا .. والواضحة جدًا؛ «يناير» التي كتبها إسلام حامد:

«كنت فاكره الارض ثابته والسنين متكررين..

كنت فاكره الجنه ابعد من ايادي الطيبين..

كنت بضحك قد ما اقدر..

كنت شايفه الصورة اصغر..

بعنيا الضيقين..

فجاه هز الدنيا صوتكوا..

والحياة رجعت بموتكوا..

والسنه اتسمت يناير..

شلتوا عن عينا الستاير..

وانكشف عالم جميل..

درس من قلب الميدان..

للي خايف من زمان..

عدتوا ترتيب المكان..

واحنا ليكوا مديونين»

•••

ثم كان، «يغمره الأمل» أن غنى الشباب مع حمزة نمرة ومحمد دياب:

«إرفع راسك إنت مصري..

إنت واحد م اللي نزلوا في الميدان..

إرفع راسك إنت مصري..

إنت وقفت جنب جارك في اللجان..

إرفع راسك إنت مصري..

إنت رجعت المصري بتاع زمان»

...........

يومها، كان الشباب الثائر فى «الميادين» قبل أن يذهبوا بهم إلى المقابر أو «الزنازين».

ويومها، أكرر لنتذكر: كانت وسائل الإعلام تتحدث عن الورد «اللي فتح فى جناين مصر»، وكان ممثل المجلس العسكري يرفع يده بالتحية العسكرية «تعظيم سلام» لأولئك الذين ضحوا بأنفسهم من أجل وطنهم. قبل أن يرى البعض أن هذا «الورد»، هو الأكثر إزعاجًا لأنه لا يعرف «السمع والطاعة». وقبل أن تتفرغ قنوات «البعض الآخر» لتشويه أولئك الذين أسميناهم «وردا» في يوم من الأيام.

كان الخطرُ باديًا في الأفق. وأيامها كانت عايدة الأيوبي التي كانت قد هجرت الغناء، عادت إليه لتغني مع فريق «كايروكي» للميدان الذي بدا سيتغير، بعد أن لعبت فيه الأهواءُ .. والأصابع:

«ميدان مليان انواع ..

اللي بايع والشجاع ..

فيه اللي حابب ..

واللي راكب ..

واللي بيزعق واللي ساكت..»

...........

لتنتهي إلى:

«ساعات بخاف تبقى ذكرى ..

نبعد عنك تموت الفكرة ..

ونرجع تاني ننسى اللي فات ..

ونحكي عنك في الحكايات..»

...........

ثم كان كل ما كان .. مما نعرف، ومما لا نعرف؛ مما لا يزال في «صناديقه السوداء» المغلقة.

يناير ٢٠١٤

كانت «عايدة» قد عادت إلى اعتزالها. وكان قد بدا أن استقطابَ المكارثية وخطابَ الكراهية قد بلغ بنا ما لم يعرفه «وطننا الواحد» من قبل. فكان أن غنى حمزة نمرة (الذي صدر قرار رسمي قبل أسابيع بمنع بث أغنياته في الإذاعة المصرية) ما بدا أنه «نداء الشباب الأخير»:

«واقولك إيه ..

طريق الكره أخرته إيه..

وهيا قلوبنا ماتت ليه..

لفين هنروح،..

ما بينا شيطان..

أملنا يا وطن خلصان..

ومحدش فينا مش خسران..

ولا مجروح..

صحاب وجيران ،،

بيؤلمني..

شعور إنك بتظلمني..

تنام مرتاح وأنا منك دموعي تزيد.

...........

مودينا طريقنا لفين..

يا خوفي علينا من بكرة..

وإمتى نفوق.»

أحسب أنه بقدر ما كانت كلمات مدحت العدل في أغنية الحجار «إحنا شعب وانتوا شعب» صادقة وكاشفة لحالٍ كنا قد وصلنا إليه، بعد عقود من التغييب والتشوه الفكري، بقدر حاجتنا اليوم إلى نداء حمزة نمرة الأخير «لكل» المصريين: «وأقولك إيه..طريق الكره أخرته إيه»

•••

أضع ما يُغَّنيه «الشباب» وما يسمعونه في خلفية المشهد (راجعوا الأكثر انتشارا على الانترنت)، وأنا أتابع يوميًا «كلاما» عن تمكينهم، «ووعودا» بقوانين تجرم تشويه ثورتهم. بل وأكثر من ذلك. أقرأ عن ما يتصوره البعض من إمكانية لإنشاء «منظمة للشباب» على غرار تلك الستينية. ورغم أنني مثل كثيرين من جيلي كنت قد تعلمت السياسة في معسكراتها، إلا أنني أظن من الحكمة أن لا نغفل عن حقائق الزمان والسياقات. فذاك، أرجو ألا ننسى كان زمان الأحلام الكبرى والأفكار النبيلة والوطنية «الحقة». ثم أرجو ألا ننسى حقيقة أن «النقي» من شباب هذه المنظمة كان وراء مظاهرات ١٩٦٨ اعتراضا ليس فقط على أحكام الطيران بل على «الهزيمة». كما كان القوة التي استند إليها عبد الناصر عندما أصدر بيان ٣٠ مارس في محاولةٍ لمعالجة عفنٍ كان قد أصاب النظامَ وتسبب في ما وصلنا إليه في هذا اليوم الحزين من يونيو ١٩٦٧. كما أخشى أن من يبحث الآن عن منظمة شباب «مستأنَسة» ينسى أيضًا أن منظمة الشباب الستينية تلك كان بين كوادرها خيرت الشاطر وتيمور الملواني وأحمد عبد الله رزة صاحب الكوفية الحمراء التي أطارت النوم من عيني السادات في تلك الأيام من العام ١٩٧٧.

يتحدث الذين ورثوا أسوأ ما في الاتحاد الاشتراكي، من لاعبي تنظيم «الدولة» المهرة عن «منظمة للشباب» ناسين أن السادات «المحنك» فشل في استنساخها أواخر السبعينيات. واسألوا ذاكرة من بقى من «سياسيي الدولة» أو عودوا إلى جانب من القصة حكاه رؤوف عباس في مذكراته.

اقرأوا التاريخ، وراجعوا التفاصيل.. ثم استمعوا إلى ما يغنيه الشباب أولا. وانتبهوا جيدا إلى حمزة نمرة / الشاب يصرخ فيكم بأغنيته الأخيرة «اسمعني..»

•••

من فيلم «أغنية على الممر»

«أغنية على الممر» فيلم يعرفه جيلنا الذي عرف معنى انكسار أحلامه الكبيرة في تلك الأيام الحارة المؤلمة من صيف ١٩٦٧.

الفيلم من إخراج علي عبدالخالق، وكتب أغنياته «المؤثرة» عبدالرحمن الأبنودي. وتدور أحداثه كلها في موقع لفصيلة مشاة من الجيش المصري حوصرت في أثناء حرب ١٩٦٧ أثناء استبسالها في الدفاع عن أحد الممرات الاستراتيجية في سيناء.

هل تذكرون الفيلم؟ أو بالأحرى هل تذكرون ماذا كان يقول لنا؛ بلونيه «الأسود والأبيض»؟

ربما علينا أن نتذكره اليوم (٢٥ يناير)، وربما على شباب أخشى عليه من اليأس أن يتذكره معنا:

تقول لنا مشاهد الفيلم بوضوح واختصار: أنه رغم انشغال بعض المصريين بأكل العيش أو بحياتهم الخاصة بعيدا عن هموم الوطن، ورغم الفساد واستغلال النفوذ وغيرهما من عوامل «الهزيمة» ورغم أنانية وانتهازية منير (صلاح قابيل)، ورغم أن الأنقياء / الحالمين البسطاء (حمدي الفنان الذي يحلم بالارتقاء بالأغنية بعيدًا عن الابتذال، وشوقي الذي ينشد المثالية، ومسعد العامل البسيط الذي يحلم بالاستقرار مع عائلته) راحوا شهداء «على الممر» فالدرس الذي نتعلمه من أولئك الذين ظلوا ثابتين على العهد يدافعون عن وطنهم رغم «فوضى ما بعد النكسة» (وأرجو من حمزة نمرة ورفاق جيله أن يعوه جيدا) أن الهزيمة ليست قدَرًا. وأن الأحلام لا تسقط هكذا في «ستة أيام» سقطت فيها سيناء، ولا في أربعة أعوام تركت فيها أغنيات الفخر والأمل مكانها لأغنيات اليأس والألم. فتلك القديمة التي تغنت يومها بشباب «شالوا عن عيننا الستاير» وهذه الجديدة التي تحمل لنا اليوم صرختهم «إسمعني» ليستا أكثر من «أغنيتين على الممر» .. والممر مازال وعرا وطويلا.

***

وبعد ..

فلجيلنا الذي ربما هزمته الهزيمة (هل تذكرون «علي» في «عودة الابن الضال»؟): استمعوا جيدا إلى «حمزة نمرة» يصرخ فيكم «اسمعني»

وإلى حمزة نمرة ورفاق جيله: نعرف جيدا ملامح «الوطن الذي تبحثون عنه»، وإن أنسونا أو تناسينا، أو أسكرنا العجز بالمقولة القديمة الكاذبة؛ أن «لا فائدة».

ربما يوجعكم الآن أن تتذكروا عايدة الأيوبي وكاريوكي يغنيان للميدان / الأيقونة: «مفيش رجوع .. صوتنا مسموع .. و الحلم خلاص مبقاش ممنوع».

وربما ليس لدينا «صادقًا» ما يمكن أن نقوله لكم بعد ما ماتت سندس أبو بكر في ربيعها السابع عشر (أمس الأول)، وبعد ما كتبته شيماء الصباغ قبل أيام من الغدر بها (أمس) برصاصة خرطوش عقابا لها على الانضمام إلى مسيرة تحمل «الزهور»: «البلد دي بقت بتوجع.. ومفهاش دفا.. يارب يكون ترابها براح.. وحضن ارضها.. اوسع من سماها»

ولكني أثق في أنكم لن تنسوا أن «عمر الحق ما راح» كما كتب لك محمود فاروق في ما تغنيت به. فلا تقولوا لنا من فضلكم «مع السلامة»، بل استمعوا جيدا إلى ماجدة رومي تتغنى بكلمات العبقري صلاح جاهين في رائعة يوسف شاهين «عودة الابن الضال» لتُذَكِّركم، وتنبهُنا إلى ما لا يريد جيلُنا بعد أن يعترف به: «الشارع لمين» .. فلعلكم تجدوا في اللحن والكلمات شيئا من الأمل.

ــــــــــــــــــــــــــــــــ

لمتابعة الكاتب:

twitter: @a_sayyad

Facebook: AymanAlSayyad.Page

ــــــــــــــــــــــــــــــــ

روابط ذات صلة:

ــ  أيام البراءة الأولى 

ــ أحمد حرارة .. حكم لا يحتاج إلى مداولة

ــ عن ماذا يبحث الشباب

ــ فيلم «أغنية على الممر»

ــ أنغام: يناير

ــ حمزة نمرة: اسمعني

ــ حمزة نمرة: «واقولك إيه»

أيمن الصياد  كاتب صحفى
التعليقات