إخفاقات سياسة ماكرون الأوروبية - دوريات أجنبية - بوابة الشروق
الإثنين 29 أبريل 2024 7:40 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

إخفاقات سياسة ماكرون الأوروبية

نشر فى : الخميس 25 أغسطس 2022 - 7:25 م | آخر تحديث : الخميس 25 أغسطس 2022 - 7:25 م

نشرت مجلة فورين بوليسى مقالا للكاتب شاهين فالى بتاريخ 18 أغسطس تناول فيه الأسباب المؤدية لفشل سياسة ماكرون تجاه الاتحاد الأوروبى.. نعرض من المقال ما يلى.
ربما تكون فرصة تحقيق قفزة فى التكامل الأوروبى أكثر ملاءمة اليوم مما كانت عليه منذ سقوط جدار برلين. أعادت فرنسا انتخاب إيمانويل ماكرون، الذى يمكن القول إنه أكثر رئيس مؤيد لأوروبا على الإطلاق. يضيف الكاتب أنه بعد 16 عامًا من الميركلية، يقود ألمانيا الآن تحالف تعهد بتحويل أوروبا إلى دولة فيدرالية. وقد أنهت الدنمارك على الفور انسحابها من سياسة الدفاع المشتركة للاتحاد الأوروبى فى أعقاب الغزو الروسى لأوكرانيا. تفضى الظروف الجيوسياسية من نوع الحرب الروسية الأوكرانية إلى تغييرات عميقة.
لقد أوضحت أزمة كوفيد ــ 19 لأوروبا ضرورة اعتمادها على التعاون الاقتصادى الدولى والتضامن؛ كما خلقت الحرب العدوانية فى أوكرانيا شعورا بالوحدة لم تشهده منذ أزمة اليورو.
يستكمل الكاتب أن الاتحاد الأوروبى لم يستوعب بشكل كامل رحيل المملكة المتحدة، ولا يزال منقسما حول نطاق وسرعة توسيعه، كما لا تزال بروكسل تختلف مع المجر بشأن انتهاكاتها لسيادة القانون، وتواجه عدم الاستقرار فى البلقان، والأهم من ذلك أنها لا تزال مثقلة بالمعاهدات الأوروبية التى تشكل عقبة أمام رسم مناهج مشتركة فى مجالات حاسمة مثل الطاقة والصحة والسياسة المالية والدفاع.
واسترسل الكاتب قائلا أن ماكرون استحوذ على الشعب الفرنسى بخطاب مؤيد لأوروبا طوال فترة ولايته الأولى، لكن هذا الخطاب لم يترجم بعد إلى نجاحات ملموسة كبيرة.
وبينما يبدأ ماكرون فترة ولاية جديدة فى منصبه، يجدر التساؤل: ما الذى يفسر الفجوة بين أجندة ماكرون الأوروبية الطموحة وحقيقة أن معظم جهوده خلال فترة ولايته الأولى باءت بالفشل؟
برزت الهوة بين خطاب ماكرون وعمله أكثر فى الاجتماع الأخير لزعماء الاتحاد الأوروبى فى يونيو، الذى أنهى الرئاسة الدورية لفرنسا للاتحاد الأوروبى، وربما يكون ذلك أكبر انتكاسة لأجندة ماكرون الأوروبية منذ إعلان ميسيبرج الفاشل فى يونيو 2018. فى الواقع، تم تجاهل ندائه من أجل تكامل أعمق، وبالكاد تمت مناقشة دعوته لإنشاء جماعة سياسية أوروبية، وضاعت آماله فى مناقشة اتفاقية محتملة لإصلاح المعاهدات الأوروبية التى تم حذفها من جدول الأعمال القادة الآخرين تماما.
إضافة إلى أن بيانه الاستفزازى لعام 2019 بأن الناتو مات دماغيا لم يفضِ إلى أى خطوات نحو إنشاء هيكل أمنى أوروبى جديد دعا إليه. كما أن مقال الرأى المنشور فى افتتاحية صحيفة «فاينانشيال تايمز» الذى كتبه ماكرون مع رئيس الوزراء الإيطالى ماريو دراجى فى ديسمبر 2021 ــ والذى دعا فيه إلى شكل جديد من الحوكمة الاقتصادية للاتحاد الأوروبى فى قمة فرساى فى مارس ــ تم تجاهله، ومنذ ذلك الحين لم تخرج من فرنسا بأى اقتراحات أخرى للإصلاح.
دعا ماكرون لعقد مؤتمر حول مصير مستقبل أوروبا لكن تم تجاهل دعوته من قبل البرلمان الأوروبى، ليعيد ماكرون إحياء هذه الدعوة مرة أخرى خلال خطابه فى 9 مايو الماضى فى ستراسبورج.
خلال ذلك الخطاب، مهد ماكرون الطريق لمجموعة سياسية أوروبية جديدة للسماح لأوروبا بالتوسع مع الدول الأعضاء الجديدة وتعميق تكاملها مع الدول الأعضاء الحالية، مدركًا أن هذا سيتطلب إصلاحًا كاملا لمعاهدات الاتحاد الأوروبى.
بعد هذا الخطاب الطموح، أصدر تحالف مكون من 13 دولة عضو بقيادة السويد بيانا قويًا يؤكد أن المؤتمر لم يكن مخصصا أبدًا لتحقيق إصلاحات مؤسسية ومعاهدات. بعد أقل من أسبوع، رفضت بلجيكا وألمانيا وإيطاليا ولوكسمبورج وإسبانيا وهولندا بشكل أساسى أى مشاركة من قبل القادة فى هذه المرحلة من خلال اقتراح «مجموعة عمل مخصصة»، إنها وجه آخر للبيروقراطية. بعبارة أخرى، الموت البطىء بالاستنزاف.
فى غضون أيام، تمكن ماكرون من مواجهة معارضة حوالى 19 دولة من أصل 27 دولة لأفكار كان من الممكن أن تحظى، بمزيد من الاستعداد والدبلوماسية المتقدمة، بدعم الأغلبية. بهذه الهزيمة، تجد أوروبا نفسها بدون أجندة حقيقية لتعزيز التعاون بين دولها وبدون خطة حقيقية لترسيخ التزاماتها تجاه الدول المجاورة لها.
• • •
يعود السبب فى مثل هذه الإخفاقات إلى معاناة سياسة ماكرون الأوروبية من كونها غامضة وأحادية الجانب وتخدم الذات.
تعانى سياسته من الغموض، لأن فرنسا لا تزال غامضة بشأن الجوانب الحاسمة لرؤيتها الأوروبية. بينما تقول ألمانيا إنها تريد بناء نواة دولة فيدرالية للاتحاد الأوروبى، يبدو أن ماكرون يعتقد أن نطق كلمة «فيدرالى» مكلف للغاية فى الداخل ومثالى للغاية فى الخارج. إن فكرة توسيع نطاق التصويت بالأغلبية الذى غالبًا ما تدعو إليه فرنسا من شأنه أن يتجنب منع حق النقض للدول الأعضاء الأصغر فى مجالات مثل السياسة المالية أو الضريبية. لكن فرنسا نادرًا ما توضح ما إذا كانت مستعدة للتخلى عن حق النقض الخاص بها فى المجالات ذات الأهمية الحاسمة مثل السياسة الخارجية أو الدفاع، وما إذا كانت مستعدة لنقل السلطة التنفيذية إلى المفوضية الأوروبية وتوسيع سلطات البرلمان.
ننتقل إلى عامل آخر محفز لتلك الإخفاقات ألا وهو التعامل من جانب واحد، بمعنى أن ماكرون يفضل دائمًا السير بمفرده بدلا من بناء تحالفات ولأن السياسة الأوروبية الفرنسية يبدو أنها تبدأ وتتوقف عنده.
ربما يكون الأمر الأكثر إثارة للدهشة هو أنه فى المرات القليلة التى تصرف فيها ماكرون بشكل جماعى، كان ناجحًا بشكل غير عادى: مكّن التحالف الذى ساعد فى بنائه (ضد ألمانيا) فى سيبيو فى عام 2019 من تحرك أوروبا نحو الحياد الكربونى، وأدت الرسالة التى وقعها فى عام 2020 مع ثمانى دول أعضاء أخرى (ضد ألمانيا) تطالب باستجابة مالية مشتركة كخطة تعافى لمواجهة أزمة كوفيد ــ 19 قيمتها 750 مليار يورو (826 مليار دولار).
أخيرًا، اللافت للانتباه أن نهج ماكرون تجاه الاتحاد الأوروبى يخدم مصالحه الذاتية ويمكن الخلط بينه وبين نابليون فى سعيه لإعادة تشكيل أوروبا طبقا لتفكير فرنسا واهتمامها، فظهر هذا جليا فى مجال السياسة الخارجية ومجال الدفاع.
ومع ذلك، فإن عدم استعداد فرنسا لمناقشة تقاسم قدرتها على الردع النووى مع بقية أوروبا، وتعزيز المجمع الصناعى العسكرى الفرنسى بدلا من إنشاء مجمع أوروبى حقيقى، والإحجام عن مناقشة مقترح «تصويت الأغلبية المؤهلة» على السياسة الخارجية (مما قد يرقى إلى فقدان فرنسا لحقها فى النقض وإضعاف قدرتها على التدخل من جانب واحد) أو إضفاء الطابع الأوروبى على ضوابط تصدير الأسلحة (مما سيخضع استخدام فرنسا الموسع لصفقات الأسلحة الثنائية للتدقيق الأوروبى) تُفهم جميعها فى جميع أنحاء أوروبا على أنها علامات على أن ماكرون يتحدث فقط لكنه لا يأخذ خطوات جادة تجاه التكامل الأوروبى الحقيقى فى مجال الدفاع.
• • •
يؤدى هذا إلى زيادة العزلة ويجبر فرنسا على إظهار الإخفاقات كما لو أنها نجاحات والاستمرار فى تصوير اجتماعات السجادة الحمراء مثل الاجتماع القادم لرؤساء الدول الأوروبية فى أكتوبر القادم كخطوة حقيقية نحو مجتمع سياسى أوروبى حقيقى رغم فقدان الاجتماع لجدول أعمال أو أهداف حقيقية.
بينما يظل ماكرون بلا شك الزعيم الأوروبى صاحب أوضح نظرة لمستقبل أوروبا والإصلاحات الضرورية، فإن عدم قدرته على تحقيق أى منها يترك أوروبا ضعيفة للغاية وبدون توجيه.
يكمن الخطر الحقيقى الآن فى غياب أجندة للتكامل السياسى للاتحاد الأوروبى، والحرب على حدود أوروبا، والتكلفة الاقتصادية الباهظة للعقوبات المفروضة، وخسائر انتقال الطاقة المطلوبة للدول. ستساهم كل هذه العوامل فى تحويل اللحظة الحالية من فرصة إلى مصدر للانقسام والشلل.
تحتاج السياسة الأوروبية الفرنسية إلى أن تكون أكثر وضوحًا وأقل خدمة لذاتها. يجب على فرنسا أن تتخلى عن غموضها بشأن نوع الإصلاحات المؤسسية التى تدعو إليها حتى لو استغرقت جيلًا حتى تتحقق. كما أنها بحاجة إلى إنهاء مبدأ العظمة والتخصيص لجهودها، فهناك دليل واضح على أنه كلما أنفق ماكرون الوقت والطاقة لبناء تحالفات وطنية واسعة ومتنوعة، نجح هو وأوروبا معا.

ترجمة وتحرير: وفاء هانى عمر
النص الأصلى

التعليقات