السقوط فى بئر الاستيطان - طلعت إسماعيل - بوابة الشروق
السبت 20 أبريل 2024 8:06 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

السقوط فى بئر الاستيطان

نشر فى : الإثنين 26 ديسمبر 2016 - 10:15 م | آخر تحديث : الإثنين 26 ديسمبر 2016 - 10:15 م
فى أكتوبر الماضى صوتت مصر، باعتبارها عضوا غير دائم فى مجلس الأمن، لمشروع قرار روسى بشأن الوضع فى سوريا، بعد أن صوتت صباح اليوم نفسه لمشروع قرار فرنسى يتعلق بالأمر نفسه، وهو ما أظهر تناقضا فى الموقف المصرى جلب علينا انتقادات عربية، سعودية خاصة، وفتح بابا للخلاف مع الرياض لا يزال قائما.
وقتها حاولت الدبلوماسية المصرية تبرير الأمر وقال مندوب مصر الدائم لدى الأمم المتحدة، عمرو أبو العطا، إن مصر صوتت لصالح المشروعين الروسى والفرنسى، لأنها تدرك مسبقا «الفشل الحتمى للمشروعين»، لكن رغم ذلك، «فإن تصويتنا لصالحهما لم يكن يستهدف سوى التعبير عن موقف مصر التى ضاقت ذرعا بالتلاعب بمصير الشعوب العربية بين القوى المؤثرة فى الصراعات بالمنطقة».
طبعا هذا التبرير لم يكن مقنعا، من دولاب دبلوماسى عرف عنه الكفاءة تاريخيا، بعد أن بدا الارتباك واضحا فى الموقف المصرى، الذى يبدو أنه سيكون القاعدة فى مواقفنا الدولية عقب الخطأ الفادح الذى حدث فى الأيام الأخيرة، بسحب مصر لمشروع قرار يدين الاستيطان فى الأراضى الفلسطينية المحتلة، ثم التصويت عليه بعد أن قامت أربع دول هى: نيوزيلاندا والسنغال وماليزيا وفنزويلا، بإنقاذ الموقف «أو بإحراج مصر لا فرق» إداركا من هذه الدول باستعداد الولايات المتحدة لتمرير القرار فى لحظة نادرة بالنسبة لتاريخ أمريكا وإسرائيل.
سحب مشروع القرار الذى جاء بضغوط أمريكية ممثله فى الرئيس المنتخب دونالد ترامب، الذى لجأ إليه رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتانياهو، وضع مصر فى موقف لا تحسد عليه،و خاصة عقب تمرير القرار فى مجلس الأمن، فلم تكسب مصر من ورائه إلا المزيد من تشويه صورتها فى هذا الملف، ولا يصلح القول، (كما يروج بعض المبرراتيه) أن موقف مصر لا يمكن المزايدة عليه، لأنه فى الواقع الموقف فتح بابا لانتقادات حقيقية، وليس للمزايدة.
التاريخ لا يصلح للاستدعاء سوى عند تدعيم المواقف ذاتها التى تتخذها أية دولة، وليس نقيضها، فمصر التى خاضت الحروب، وقدمت ألوف الشهداء دفاعا عن الأمن القومى المصرى المرتبط عضويا بالقضية الفلسطينية، لا يصلح أن تعطى لإسرائيل، فرصة تمرير جريمة الاستيطان إرضاء لإدارة أمريكية منتخبة، واقعة تحت تأثير المكايدة من إدارة أوباما التى تتأهب لمغادرة البيت الأبيض.
نحن لا ناقة لنا ولا جمل فى صراع أمريكى داخلى بين الجمهوريين والديمقراطيين، حتى ولو قال الذين يبررون سحب مشروع قرار إدانة الاستيطان، إن الهدف كان كسب أسهم لدى الإدارة الجديدة يمكن أن تفتح بابا للتسوية المجمدة بين الفلسطينيين والإسرائيليين، وهو تبرير ساذج، فكل المعطيات الإقليمية والدولية تعطى إسرائيل المزيد من الفرص للتعنت، والعناد، وضرب أية محاولة تعرقل سياسة الأمر الواقع.
ولعل اتخاذ تل أبيب خطوات انتقامية عاجلة وفورية بحق السنغال ونيوزيلاندا لمشاركتهما فى طرح مشروع القرار الذى جرى تمريره داخل مجلس الأمن خير مؤشر على القادم، كما أن إدارة ترامب المنتظر دخولها البيت الأبيض، لا يمكن التعويل عليها وهى تستعد لنقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس المحتلة، بما ستحمله هذه الخطوة من نصر لإسرائيل، وتدمير لأية فرصة قد يظن البعض أنه يمكن الحصول عليها لإعادة الفلسطينيين والإسرائيليين مجددا لطاولة التفاوض.
أخطأت الدبلوماسية المصرية فى تبنيها لمشروع قرار لم تكن مستعدة للتمسك به حتى النهاية، فسحبته ثم عادت لتصوت لصالحه بعد أن قدمته دول أخرى، فى قضية ذات أهمية كبيرة داخليا وعربيا، وهى قضية لا يصلح معها التراقص على الإدارات الأمريكية، إرضاء لهذا الطرف على حساب ذاك، فمصالح مصر الكبرى لا يجب أن تسقط فى بئر الاستيطان الإسرائيلى أيا كانت المبررات.
التعليقات