نعود إلى البدايات: لا ديمقراطية بدون حرية تداول المعلومات، لا ديمقراطية بدون فضاء إعلامى حر بمكوناته التقليدية (الصحافة والإذاعةوالقنوات التليفزيونية) والحديثة (شبكات التواصل الاجتماعى)، لا ديمقراطية بدون رأى عام له توجهات متنوعة وتفضيلات متعددة يقارب المواطن من خلالها قضايا الدولة وهموم المجتمع، لا ديمقراطية بدون حق للمواطن فى المعرفة يستند إلى المعلومة والإعلام الحر وتنوع توجهات الرأى العام.
الأصل فى الديمقراطية هو «المجتمع المفتوح» الذى يمكن إطاره الدستورى والقانونى والممارسة السياسية الفعلية لمؤسسات الدولة من تداول المعلومات عن شئونه العامة بحرية بين المواطنات والمواطنين.
الأصل فى الديمقراطية هو حق المواطن فى المعرفة وبناء الرأى المستقل المستند من جهة إلى تداول المعلومات ومن جهة أخرى إلى تعريضه (أى المواطن) إلى طائفة واسعة من الشروح والتقييمات للشئون العامة فى فضاء إعلامى حر.
الأصل فى الديمقراطية هو قصر تقييد حرية تداول المعلومات وحق المواطن فى المعرفة فقط على قضايا الأمن القومى وأسرارها التى لا يمكن أن تتناقل بحرية وشريطة المراجعة الدورية للقصر هذا واضطلاع أكثر من مؤسسة رسمية (البرلمان والحكومة والجهات العسكرية والأمنية) بتحديد شروطه وضوابطه.
أما حين تغيب حرية تداول المعلومات كليا أو جزئيا، حين يضطر المواطن فى واقعه اليومى إلى قبول تعتيم مستمر على كل أو بعض شئون الدولة والمجتمع، حين يختزل الفضاء الإعلامى (وباستراتيجيات ضبط وسيطرة تطورت دوما) إلى إعلام الصوت الواحد والرأى الواحد والموقف الواحد، حين يفرض على المواطنات والمواطنين حقيقة واحدة فى السياسة والاقتصاد والقضايا الاجتماعية وتخون كل قراءة أخرى، حينها يضيع حق المواطن فى المعرفة وبناء الرأى المستقل.
وهنا نكون مع نقيض المجتمع المفتوح، مجتمع الجماهير المتحولة إلى كتلة صماء تقرأ وتسمع وتطالع وتقيم ذات الشئون العامة بذات المضامين وذات المفردات بما فى ذلك اللغة والرموز والصور الموظفة، كتلة صماء كالقطيع.
غدًا هامش جديد للديمقراطية فى مصر.