ويبقى الحلم فى مهرجان السينما النظيفة - خالد محمود - بوابة الشروق
الثلاثاء 23 أبريل 2024 10:03 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

ويبقى الحلم فى مهرجان السينما النظيفة

نشر فى : الأربعاء 27 أكتوبر 2010 - 10:36 ص | آخر تحديث : الأربعاء 27 أكتوبر 2010 - 10:37 ص

 لاتزال القضية الفلسطينية تشكل لغزا محيرا على شاشة السينما العالمية، ولا تدرى ما إذا كان صناع الأفلام يريدون طرح رؤى محددة يؤمنون بها، سواء كان هذا الإيمان عن قناعة حقيقية أم لا.. أم هى رؤى أفكار لمغازلة المنطقة العربية باعتبار أن مأساة فلسطين تشغل مكانة لا بأس بها لدى شعوب المنطقة؟

وهل صناع الأفلام يريدون تسجيل الحقائق ويدلون بشهادة خالصة ومخلصة أم تكون أعمالهم مشتتة النوايا بين أطراف متعددة؟.. وهل هذه الأعمال هى صورة لجس النبض تجاه أحد الحلول المطروحة وبالتحديد التعايش الفلسطينى الإسرائيلى فى دولة واحدة أم ماذا؟!

أسئلة غاضبة وأفكار مبعثرة جالت ولا تزال بخاطرى فور عرض الفليم الفرنسى الهندى الإيطالى المشترك «ميرال» الذى انتظره جمهور مهرجان أبوظبى السينمائى وصفق له فى النهاية، مع أن تلك النهاية خادعة أو ربما أراها أنا كذلك.. فمشهد النهاية كان بطله إسحاق رابين وهو يقف ليقول عقب المحادثات الممهدة لأوسلو «نحن نصنع السلام لكننا لم نحلم به»، وهو التصريح الذى اغتيل بعده بساعات، لكن مشهد الاغتيال لم يكن موجودا بالفيلم وهذا هو ما يفتح مجال التساؤلات والنوايا. لماذا اختتم المخرج الأمريكى جوليان شنابل فيلمه «ميرال» بتصريحات رابين التى تؤكد حرصه على السلام الذى لم يؤمن به؟! رابين يتبنى السلام، وما أدراكم ما فعله رابين، كان وقع المشهد على كالصدمة واللغز لأن مخرجنا قدم فيلما رائعا عن القضية الفلسطينية ومأساة ما بعد الاحتلال، كانت نواياه خالصة لصالح الوطن الفلسطينى.. قدم النموذج المشرف، طرح القضية بنعومة شديدة، كان الموقف واضحا.. هناك احتلال إسرائيلى.. هناك تشرد ولاجئون فلسطينيون.. هناك منازل تهدم على أصحابها.. صورة صارخة للعالم للوضع الفلسطينى، قدمها المخرج الأمريكى بلغة سينمائية أقرب للتسجيلية، القصة بالفعل مأخوذة عن كتاب الإعلامية الفلسطينية رولا جبريل التى ترصد فيه سيرتها الذاتية، بل هى التى كتبت السيناريو أيضا، وتبدأ الأحداث فى قلب القدس عام 1984، ونمر بحكايات أربع لأربع نساء يمثلن حقبة ووطنا ونضال أجيال مختلفة فى واقع مرير تحت الاحتلال الإسرائيلى، أولى هذه الشخصيات هى هند الحسينى (تمثل دورها هيام عباس) والتى تقدر أن تحول بيت عائلتها ملجأ للأيتام بعد أن عثرت على 55 طفلا أنقذتهم من الشارع بعد أن فقدوا آباءهم، تقدم لهم الطعام والمأوى، ويصبحون بعد ذلك ألفى طفل، وتصبح دار الأيتام مؤسسة دار الطفل العربى ومهمتها منح الأطفال الأيتام الأمل والتعليم خاصة الفتيات التى تسعى هند الحسينى لأن تغرس فى داخلهم قيمة التعليم والثقافة وأن ذلك هو الحل الوحيد للدفاع عن القضية وعودة الحق فى المستقبل.. ترى المناضلة الفلسطينية أن هذا الحل أفضل من العمليات الفدائية والاستشهادية لتفاوت الفروق فى كل شىء.. ترى أن العقل هو المفتاح وليست المشاعر.

المرأة الثانية تدعى نادية لم تجد نفسها وسجنت، الثالثة فاطيما وهى أم الرابعة ميرال حيث أنجبتها من علاقة اغتصاب ثم انتحرت بعد أن تزوجت رجل دين طيب.

ونحن نشاهد ميرال طفلة فى السابعة من عمرها تصل إلى دار الطفل بعد أن أرسلها والدها (الكسندر صديق) طالبا الدعاية، وتنمو مشاعر وعقل ميرال فى أمان، وعندما تبلغ السابعة عشرة يتم تكليفها هى وزميلاتها بالتدريس فى مخيم اللاجئين، وهناك تواجه الواقع المرير وينفك حصارها عن الدنيا فى القدس، وترى أمام عينيها قسوة الاحتلال ونضال الشعب الذى تؤمن به، وفى هذه الأثناء تقع فى غرام الناشط السياسى هانى والذى يشركها فى بعض العمليات وكان نتيجة لذلك أن تم القبض عليها من قبل القوات الإسرائيلية، ويتم تعذيبها من أجل أن تعترف لكنها تصمد ويصل الموضوع لقاعة المحكمة، وهنا يؤكد محاميها أنها إسرائيلية (عرب 48) وليس هناك دليل، وعندها تنزل ميرال قميصها لتكشف للقاضى آثار التعذيب وفى مشهد غريب وتصرف أغرب يفرج عنها القاضى متعاطفا مع تعذيبها بثلاثة آلاف تشيكل، تصوروا القاضى الإسرائيلى يفرج عن ناشطة فلسطينية.. ما هذا الحنان والحنين والإنسانية الذى يريد المخرج إظهارها، أو ربما يعطى إشارة لضرورة الإفراج عن قيمة العدل داخل القضاء الإسرائيلى فى تعاملاته مع الإسرائيليين حيث يقول المخرج فى تتر الفيلم (إنه عمل مهدى إلى الطرفين الإسرائيلى والفلسطينى).

وفى هذه الأجواء تجد ميرال نفسها حائرة بين رغبتين: الأولى دورها فى المقاومة من أجل شعبها ومستقبله والثانية الإصغاء لنصيحة «ماما هند» التى ساعدتها فى الحصول على منحة تعليمية فى إيطاليا قائلة لها (هذه فرصتك الكبيرة يا ميرال لا تهدريها) حيث التعليم هو الصوت الأقوى فى الدعوة للسلام وللمستقبل فهم كما عبر أحد أبطال الفيلم أيضا، حين كانت كاميرا المخرج تتنقل بين أرجاء شوارع القدس بنعومة شديدة (لا مستقبل لهم بدون مستقبل لنا) وهذا قول به أمل لكن على الجانب الآخر قال أحدهم (يريدون فلسطين بدون فلسطينيين) وهذا مدلول آخر على رحلة الاضطهاد واليأس مثلما قالت هند الحسينى وهى على فراش المرض «أعتقد أننى لن أشاهد ذلك فى حياتى» وكان هذا ردا على قول ميرال: إحنا أحرار!!

ويجىء مشهد رحيل هند الرمز للنضال وللثقافة وللوعى لدى أطفال المخيمات ليكون بحق مشهدا قاسيا ــ هكذا بدا لى لأنه يرمز لرحيل فلسطين القديمة، فلسطين التى كانت قبل الاحتلال.. ويترك المخرج الفيلم بمناوشات حول حتمية السلام وحتمية عودة الأرض وحتمية حجارة الانتفاضة التى كانت يوما منازل!!

إن الحساسية الشديدة التى عبر بها جوليان شنابل عبر صورته وتنقلاته بين أرجاء القدس وأناسها وبين واقعية المحتمل كانت بحق سينما خالصة للفن، والتعاطف مع القضية يحسب أيضا له باعتبار أنه أمريكى ويملك مقومات عرض عالمية، كان يمكن لهذا التعاطف وهذه الحساسية أن تصل لدرجة الكمال لولا مشهدان ــ كما ذكرت ــ إنسانية القاضى الإسرائيلى وكلمة رابين.

من جانب آخر، لا يمكن أن ننسى الأداء الآسر لأبطال الفيلم، فهم يشكلون منظومة إبداعية عبر شخصياتهم التى ارتدوها وكان لها تأثيرها ومنهم النجمة فانيسارد جريف، وفريدا بينتو بطلة فيلم المليونير المتشرد والتى جسدت دور ميرال ببراعة، وكذلك الكسندر صديق السودانى الأصل وياسمين المصرى، وربى بلال وعمر متولى والنجم ويليام دافو.

الإعلامية رولا جبريل من جانبها أكدت أن «ميرال» هو قصة حياتها وأنها وعت الدرس جيدا، بينما قال المخرج إنه لن يتدخل فى أى شىء فى الرواية الأصلية وكأنه كان يريد أن يتخلص من تساؤلات الجمهور حول النهاية الرابينية، لكنه تمنى أن تعود الحقوق لأصحابها. وواقع الأمر أن جوليان شنابل فاز بجائزة أفضل مخرج فى مهرجان كان السينمائى وجائزة الكرة الذهبية عن فيلمه «لباس الغطس والفراشة 2007».

عين المهرجان الطموحة

مهرجان أبوظبى السينمائى الدولى الذى اختتم فاعلياته مساء الجمعة الماضى يعد بحق مهرجان السينما النظيفة، والتعبير الصحيح للوصف، هنا يكمن فى سينما واتجاهات ورؤى وأفكار حقيقية عكس فيها مبدعوها من مخرجين وممثلين حالة تنافسية خاصة.. وأعمال تحفزك للبحث عن منظور آخر للحياة تنتفض له وتنفض معه غبار الاستسلام.

ظواهر سينمائية عديدة كشفت عنها شاشة مهرجان أبوظبى السينمائى ويبقى الحلم ينمو داخل الجهة المنظمة «أبوظبى للثقافة والفنون» فأهلها مازالوا يكتشفون فى أنفسهم رغبة ملحة فى الوصول بالمهرجان إلى مرتبة أعلى، ومعهم فريق عمل طموح تحت إدارة الأمريكى بيتر سكارليت الذكى والمتنقل والودود والطامح إلى أقصى درجة.. ووجدنا بجواره السينمائى المخضرم انتشال التميمى الذى حمل على عاتقه اختيار مجموعة من الأفلام المهمة وكان حريصا على قياس ردود الأفعال حتى يعرف إلى أى مرحلة وصل وإلى أى محطة يريد.

خالد محمود كاتب صحفي وناقد سينمائي
التعليقات