دولة فى امتحان المطر - محمد موسى - بوابة الشروق
الأربعاء 24 أبريل 2024 8:53 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

دولة فى امتحان المطر

نشر فى : الأحد 28 فبراير 2010 - 10:11 ص | آخر تحديث : الأحد 28 فبراير 2010 - 10:11 ص

 كان سائق مينى باص أحمد حلمى ــ ميدان الاتحاد فى طريقه إلى الجراج، بعد نهاية يوم العمل، عندما انفجرت سماء الخميس عن جحيم الرعد والبرق والأمطار الاستوائية، وكأن كل شىء مفاجأة، رغم تحذيرات هيئة الأرصاد الجوية.

وفى الأمتار القليلة التى تسبق نزول خط المترو إلى النفق، كانت أعمدة الكهرباء العارية تحت المطر تطلق شحناتها القاتلة مثل الألعاب النارية، وتهدد المارة على الجانبين، وتمنع نهائيا مرور القطارات فى اتجاه حلوان. ورغم أن الحكاية محفوظة ومتكررة مع كل زخة مطر، استغرق الأمر نحو ساعة حتى تعلن هيئة مترو الأنفاق لركاب المترو المحشورين أن الرحلات توقفت، وعليهم أن يواجهوا مصيرهم الغامض بالخروج من القطارات أولا.

فى هذه اللحظة بالذات تحولت حبات المطر الرقيقة إلى كرات من الثلج الصلب، قصفت شوارع القاهرة العجوز دون تمييز أو رحمة، بينما الآلاف الذين طردهم المترو يهرولون فى اتجاه الكورنيش، عندما عثر بعضهم على مينى باص خط الاتحاد، الذى كان يجاهد لمسح المياه الثقيلة عن الزجاج بيديه من الداخل، دون جدوى. سأله أحدهم: ما فيش مسّاحات للقزاز؟ رد السائق بهدوء: مسّاحات كمان؟ احمدوا ربنا إنها ماشية.

كانت بيوت الأحياء العشوائية والشعبية تستقبل الإعصار المطير فى رعب، فكل شىء فى القاهرة قابل للخسارة فى امتحان المطر، من شبكة المرور المختنقة أصلا، من القلب المكدس للدائرى ومحاوره، إلى المواصلات العامة التى ماتت إكلينيكيا، وتنتظر رصاصة الرحمة الرسمية. أما البيوت الفقيرة المبنية بنصف طوبة فكانت فى مهب الاحتمالات.

نفق القاهرة الجديدة على الطريق الدائرى غرق تماما فى الماء والوحل، فى إشارة إلى الطريقة التى يتم بها بناء مصر الحديثة، فالنفق حديث لا يتجاوز عمره عدة سنوات، لكنه يصبح بحرا زاخرا بالطين والمياه بعد دقائق من المطر.

ساعة ونصف من الأمطار كشفت عن أن بلدنا «على باب الله»، وأن الذين يقودون بنا لا يهمهم مصير الركاب، من أبناء البيوت التى توشك على الانهيار، إلى رواد المواصلات العامة التى أصبحت أداة التعذيب الرسمية للملايين، وصولا إلى إهدار الأموال العامة فى مشروعات غير مكتملة، المهم أن يتم تصوير المسئولين فى حالة افتتاح وابتسام وتفاؤل كاذب.

أردد مع سائق المينى باص البائس: الحمد لله إنها ماشية.

محمد موسى  صحفي مصري