فيتنام واللاعبون الثلاثة - محمد المنشاوي - بوابة الشروق
الجمعة 19 أبريل 2024 2:42 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

فيتنام واللاعبون الثلاثة

نشر فى : الخميس 28 فبراير 2019 - 9:25 م | آخر تحديث : الخميس 28 فبراير 2019 - 9:25 م

اتجهت أنظار العالم خلال الأيام الماضية إلى فيتنام، وتحديدا عاصمتها مدينة هانوى حيث عقدت القمة الثانية التى جمعت الرئيس الأمريكى دونالد ترامب وكيم جونج أون زعيم كوريا الشمالية. ومنذ انتهاء القمة الأولى التى جمعت الزعيمين فى يونيو الماضى فى سنغافورة، دارت تساؤلات عن وجهة اللقاء الثانى، ولم يتوقع الكثيرون أن تكون فيتنام قبلتها، وباستثناء استضافتها لقمة دول الآسيان عام 2017، لا يتحدث العالم كثيرا عن فيتنام. وأرسل اختيار فيتنام لاستضافة هذا الحدث رسائل للأطراف الأهم ذات العلاقة بأزمة ملف السلاح النووى سواء تعلق الأمر بكوريا الشمالية أو كوريا الجنوبية وبالطبع الولايات المتحدة.
ويجمع فيتنام علاقات دافئة بأطراف الأزمة الكورية المباشرين. وتهدف رمزية فيتنام لخدمة ثلاثة أهداف أساسية، أولها بمثابة رسالة جدية لتحسين العلاقات بين واشنطن وبيونج يانج، وثانيها رسالة رمزية من دولة شهدت حربا ضروسا مع الولايات المتحدة قُتل فيها الملايين، وثالثها رسالة واضحة لكوريا الشمالية عن الخطوات التى من شأن اتباعها أن تصل لما وصلت إليه فيتنام.
ومثلت فرصة عقد قمة ترامب وجونج أون أن تجذب فيتنام كبريات وسائل الإعلام الدولية من مئات المحطات وآلاف الصحفيين لتغطية الحدث وهو ما يمثل فرصة نادرة لخلق صورة ذهنية عالمية جديدة، ووفرت القمة فرصة مجانية للإعلان والترويج لفيتنام وصناعاتها وسياحتها وتجربتها الخاصة.
***
تاريخيا جمعت هانوى ببيونج يانج علاقات قوية صلبة تمثلت أبرز فصولها فى دعم كوريا الشمالية فيتنام عسكريا ضد الولايات المتحدة، ويجمع الدولتين اليوم رابطة أيديولوجية قوية تتمثل فى تبنيهما نظاما سياسيا شيوعيا صارما. وتُظهر فيتنام لكوريا الشمالية كيف لدولة منعزلة أن تتبنى سياسات تنتقل بها لدولة ومجتمع حيوى اقتصادى محققا نسب نمو قياسية دون الإخلال بالنظام السياسى الشيوعى الصارم. وهى الاستراتيجية التى يأمل ترامب وفريقه فى أن يقتنع بها الزعيم الكورى كيم جونج أون.
***
جمعت فيتنام علاقات عداء وحرب بالولايات المتحدة خلال العقود الماضية تشبه تلك العلاقات التى تجمع كوريا الشمالية بها اليوم. ونجحت فيتنام فى تطبيع علاقاتها مع الولايات المتحدة بل وأن يجمعهما علاقات اقتصادية وسياسية وعسكرية واسعة بعد عقود من الشك وغياب الثقة. وفيتنام دولة نظامها السياسى شيوعى مغلق مثل النظام فى كوريا الشمالية. إلا أن فيتنام اتبعت سياسات انفتاح اقتصادى خلال السنوات الأخيرة جعل منها واحدة من أسرع دول العالم فى نسبة النمو الاقتصادى السنوى. ويجمع اليوم هانوى بواشنطن علاقات دافئة بعد سنوات من الحروب وغياب الثقة، وهو ما أدى إلى أن تصبح الولايات المتحدة أكبر الشركاء التجاريين لفيتنام بعدما تم رفع العقوبات الاقتصادية عنها عام 1995. وتجمع الدولتين اتفاقية تجارة حرة ثنائية، وتجمعهما كذلك عضوية رابطة آسيان لدول المحيط الهادى.
رفعت واشنطن العقوبات على فيتنام عام 1994 وبدأت خطوات تطبيع العلاقات من 1995 لتصبح صديقة لواشنطن وبعدما كانت هانوى مركزا ورمزا للعداء والشك لكل ما هو أمريكى، أصبحت هانوى وفيتنام مركزا للسياحة بين الأمريكيين ومركزا للجذب الاستثمارى والتبادل الثقافى.
تضاعفت صادرات فيتنام أكثر من 200 مرة بين 1986 و2016 ووصلت لـ 210$ مليار عام 2017 منها 80% مواد مصنعة يصل الكثير منها للولايات المتحدة. وتخطت صادرات فيتنام الصناعية للولايات المتحدة مثيلتها من دول كبيرة مثل إندونيسيا والفلبين.
ويجمع هانوى وواشنطن كذلك علاقات عسكرية تتطور باستمرار، وفى حدث تاريخى زارت حاملة الطائرات الأمريكية كارل فينسون ميناء دا نانج فى مارس 2018 وهى الحاملة التى كانت تنطلق منها طائرات عسكرية لتضرب أهدافا فيتنامية أثناء الحرب التى انتهت عام 1975.
***
أما كوريا الجنوبية فهى تعد من أكبر الدول التى تستثمر وتُصنع فى فيتنام، ويكفى أن نذكر أن شركة سامسونج الكورية تعد أكبر شركة عاملة فى فيتنام. وتعد كوريا الجنوبية أحد أكبر الدول المستثمرة فى فيتنام بمقدار 57.7 مليار دولار، ويمكن أن تُظهر فيتنام كنموذج لكوريا الشمالية عائد الانفتاح الاقتصادى مع التمسك بالمنظومة السياسية الشيوعية. وبلغت قيم صادرات شركتى سامسونج وإل جى الكوريتين من منتجات مُصنعة فى فيتنام عام 2018 أكثر من 50 مليار دولار.
***
سعت فيتنام لاستضافة هانوى لقمة ترامب وجونج أون لإبراز مكانتها وعلاقاتها على المستويات الثنائية وعلى المستوى العالمى. وثنائيا ستدعم الاستضافة من استراتيجية علاقاتها الهامة والمتزايدة مع واشنطن وسول. مع استمرار النزاع مع الجار الصينى القوى حول الحقوق السيادية والحدود البحرية فى بحر الصين الجنوبى، يضيف وجود علاقات لهانوى بالولايات المتحدة المزيد من الثقة لموقف فيتنام. ويرى أغلب المواطنين الفيتناميين الرئيس ترامب بصورة إيجابية حيث يرونه «زعيما قوميا يواجه الصين تجاريا وله مواقف صلبة ضد النزاع فى بحر الصين الجنوبى».
ومنذ ثمانينيات القرن الماضى تحاول فيتنام الظهور بصورة الدولة «الصديقة لكل دول العالم وشريك فعال فى كل جهود دعم التعاون والاستقرار الإقليمى والعالمى» كما يقر دستورها. وتسعى هانوى للحصول على مقعد غير دائم بمجلس الأمن، وسيدعم عقد القمة هناك هذه الجهود. فيتنام كدولة عانت من عزلة دولية كبيرة فى الماضى تستعد للعب دور عالمى كبير خاصة فى مجال حفظ الأمن والسلم الدوليين ويبدو أنها بدأت تحصد ثمار نجاحاتها.
كاتب صحفى يكتب من واشنطن

محمد المنشاوي كاتب صحفي متخصص في الشئون الأمريكية، يكتب من واشنطن - للتواصل مع الكاتب: mensh70@gmail.com
التعليقات