عن التغير المناخى الذى بتنا نشعر به جميعا! - عمرو حمزاوي - بوابة الشروق
الخميس 9 مايو 2024 9:28 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

عن التغير المناخى الذى بتنا نشعر به جميعا!

نشر فى : الجمعة 28 يوليه 2023 - 8:40 م | آخر تحديث : الجمعة 28 يوليه 2023 - 8:40 م

يواجه التغير المناخى شعوب وحكومات العالم بأخطار متنوعة تجمع بين فقدان السيطرة على الظواهر الطبيعية وتحديات اقتصادية واجتماعية وسياسية متصاعدة.
وتعد منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا من أكثر أقاليم العالم تضررا حيث يتوقع استمرار ارتفاع درجات الحرارة بها وتحول بعض مناطقها إلى مناطق غير صالحة للحياة البشرية. بل إن نجاح شعوب وحكومات العالم فى تحقيق أهداف اتفاقية باريس ٢٠١٥ وقمم المناخ كقمة جلاسجو ٢٠٢١ المتعلقة بخفض الانبعاثات الحرارية، لن ينقذ منطقتنا من الارتفاعات الراهنة والقادمة فى درجات الحرارة وأضرارها البالغة مثلما لن يقلل من التفاعلات السلبية بين التغير المناخى وبين المعدلات المتسارعة للنمو السكانى ومحدودية الموارد المائية والاعتماد على موارد الطاقة القابلة للنضوب وغياب الاكتفاء الإقليمى من مواد الغذاء الأساسية والتصحر وموجات الهجرة المتلاحقة.
• • •
توافقت الدول الأعضاء فى اتفاقية باريس على توفير اعتمادات مالية سنوية لدعم جهود مكافحة التغير البيئى والتكيف معه. فى باريس، تعهدت الدول المتقدمة فى الشمال الغنى، بجانب العمل على خفض انبعاثاتها الحرارية والكربونية لكيلا يتجاوز ارتفاع درجة حرارة الكرة الأرضية حد الدرجة ونصف مئويا مقارنة بما كانت عليه حرارتها عند بداية الثورة الصناعية الأولى فى القرن التاسع عشر، بمساعدة الدول النامية والأقل نموا فى الجنوب الفقير على التعامل مع الآثار المدمرة للتغير البيئى عبر توفير اعتمادات مالية كان يفترض أن تصل سنويا إلى ١٠٠ مليار دولار. غير أن دول الشمال الغنى تحايلت على تعهداتها بصورة ممنهجة وتركت دول الجنوب تواجه مصائرها التى أضحت الكوارث البيئية كالأعاصير والفيضانات والحرائق وتراجع مساحات الغابات وندرة المياه والتصحر والجفاف وما يترتب عليها من دمار وفقر وغياب للأمن الغذائى عاملها المشترك الأهم.
كان يفترض، على سبيل المثال، أن تسهم الولايات المتحدة الأمريكية، ونظرا لحجم اقتصادها وهو الأكبر عالميا، بنسبة ٢٠ بالمائة من الاعتمادات المالية السنوية التى أقرها اتفاق باريس. غير أنها لم تفعل. أما دول الشمال الأخرى ذات الاقتصاديات الكبرى كاليابان وألمانيا وفرنسا وبريطانيا وكندا وإيطاليا، فأسهمت منذ اتفاق باريس على نحو مطرد فى تقديم الأموال المطلوبة لمساعدة الدول النامية والأقل نموا على مواجهة التغير البيئى. غير أن إسهامات تلك الدول الغنية جاءت دوما دون الاعتمادات السنوية المحددة (والمقررة وفقا لحجم الاقتصاد المعنى)، كما أن النمط الذى أخذته إسهامات الأغنياء كان التوسع فى تقديم القروض الميسرة والإقلال من المنح التى توقعها الجنوب العالمى المضار أكثر من غيره بتغير بيئى لم يتسبب به.
وأضافت إلى مصاعب الدول النامية والأقل نموا حقيقة أن ما يقرب من ٨٠ بالمائة من قروض ومنح مواجهة التغير البيئى تم توجيهها لجهود السيطرة على الأضرار والحد منها وليس التكيف الفعال معها إن بالانتقال الأخضر للقطاعات الاقتصادية الحيوية والانتقال إلى مصادر الطاقة المتجددة أو بالابتعاد عن ملوثات البيئة كالوقود الأحفورى (خاصة الفحم) وعن مهددات البيئة كتحويل أجزاء واسعة من الغابات الاستوائية إلى مناطق زراعية تنتج أعلافا للحيوانات عوضا عن النظر فى استراتيجيات بديلة للغذاء النباتى ولتحقيق الأمن الغذائى لفقراء العالم من خلالها، وكالعجز عن ترشيد استهلاك المياه بالامتناع عن تحديث تكنولوجيا الرى الزراعى وعن الاستثمار فى تكنولوجيا تحلية مياه البحر.
• • •
لم يساعد أغنياء الشمال الدول النامية والأقل نموا، ومن بينها دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا باستثناء دول مجلس التعاون الخليجى ذات القدرات المالية المرتفعة، على مواجهة التغير البيئى بفاعلية حقيقية. ولذلك يتواصل ارتفاع كلفة النجاة وإنقاذ الجنوب العالمى من الكوارث المترتبة على التغير البيئى. اليوم، تقدر منظمات الأمم المتحدة المتخصصة أن الجنوب العالمى سيحتاج بحلول عام ٢٠٣٠ إلى ما يقرب من ٣٠٠ مليار دولار للانتقال الأخضر وتحجيم الأضرار المترتبة على التغير المناخى والتكيف معه وسيحتاج بحلول عام ٢٠٥٠ إلى ما يتراوح بين ٢٨٠ و٥٠٠ مليار دولار.
فى المقابل، تتفاوت بشدة الإمكانيات والقدرات المتوفرة لحكومات الشرق الأوسط وشمال أفريقيا لمواجهة التغير المناخى. ففارق الإمكانيات والقدرات شاسع بين مصر على سبيل المثال التى تنشط فى مجالات مكافحة التصحر والطاقة الخضراء وترشيد استخدام الموارد المائية وزراعة الحبوب وبين جارتها إلى الغرب ليبيا التى لا تملك حكومتها برنامجا وطنيا يعتد به لمواجهة أخطار التغير المناخى.
وفى السعودية، على سبيل المثال، تواصل الحكومة إطلاق العديد من البرامج للمزج بين خطط التنمية المستدامة وبين الحماية البيئية مثل البرنامج الوطنى للحد من الانبعاثات الحرارية والبرنامج الوطنى للطاقة ومبادرة الشرق الأوسط الخضراء. تنمويا، يستهدف الجانب السعودى الانتقال من اقتصاد يعتمد أحاديا على عائدات استخراج وتصدير النفط إلى تنويع قطاعات النشاط الاقتصادى والانفتاح على التصنيع الحديث وصناعات التكنولوجيا العصرية وتطوير المرافق السياحية.
غير أن الأخطار التى يواجه بها التغير المناخى مصر والسعودية ليست بالهينة على الإطلاق. فالموجات شديدة الحرارة التى تزايد العدد السنوى لأيامها من ٣ فى ١٩٧٩ إلى ١٣٢ فى ٢٠٢١ تعرض الفئات السكانية الفقيرة والمهمشة وكبار السن لأخطار صحية بالغة، من بينها الموت. فى البلدين، سجلت السنوات القليلة الماضية أيضا ارتفاعات قياسية فى العواصف الشمسية والترابية والسيول التى ترتب الكثير من الأضرار البشرية والمادية وتفرض على الحكومات إعادة الاستثمار فى المناطق المنكوبة وتخصيص المزيد من الموارد لمنع انتشار الأوبئة والأمراض بين سكانها.
وهناك مجموعة أخرى من الأخطار الاقتصادية والاجتماعية والديموغرافية الحاضرة فى مصر والسعودية وتعمق من الآثار السلبية للتغير المناخى. فانتقال أغلبية السكان من الحياة فى المناطق الريفية إلى الحياة فى المدن يزيد، من جهة، من أزمات الفقر والتهميش وسوء الخدمات الأساسية كالصحة والتعليم فى المدن وأحزمة التمدد العمرانى المحيطة بها ويحد، من جهة أخرى، من فعالية برامج الحماية البيئية. والنتيجة الحتمية لمثل هذا التطور مجتمعيا هى تراجع قدرات المدن على التخطيط الاقتصادى والاجتماعى وتقديم الخدمات اللائقة بالمواطنين والمواطنات وخروج النشاط العمرانى عن إمكانيات السيطرة الحكومية. أما بيئيا، فالنتائج السلبية تتمثل فى ارتفاع معدلات استهلاك الطاقة، لأن المدن بطبائعها نهمة فى استهلاك الطاقة مقارنة بالريف، والتكدس المرورى الذى يزيد من الانبعاثات الحرارية وتراجع فعالية برامج الطاقة والتكنولوجيا الخضراء إزاء ضغوط سكان المدن. والحقيقة أن بعض السياسات الحكومية المطبقة حاليا فى مصر والسعودية لا تقدم حلولا عصرية للأخطار المرتبطة بالكثافات السكانية المرتفعة فى المدن وآثارها السلبية على البيئة.
• • •
نحن أمام تحديات وجودية تستدعى الفعل الحكومى السريع والتضامن الإقليمى والعالمى.

أستاذ علوم سياسية، بجامعة ستانفورد

الاقتباس:
تتفاوت بشدة الإمكانيات والقدرات المتوفرة لحكومات الشرق الأوسط وشمال أفريقيا لمواجهة التغير المناخى. ففارق الإمكانيات والقدرات شاسع بين مصر على سبيل المثال التى تنشط فى مجالات مكافحة التصحر والطاقة الخضراء وترشيد استخدام الموارد المائية وزراعة الحبوب وبين جارتها إلى الغرب ليبيا التى لا تملك حكومتها برنامجا وطنيا يعتد به لمواجهة أخطار التغير المناخى.

عمرو حمزاوي أستاذ علوم سياسية، وباحث بجامعة ستانفورد. درس العلوم السياسية والدراسات التنموية في القاهرة، لاهاي، وبرلين، وحصل على درجة الدكتوراة في فلسفة العلوم السياسية من جامعة برلين في ألمانيا. بين عامي 2005 و2009 عمل كباحث أول لسياسات الشرق الأوسط في وقفية كارنيجي للسلام الدولي (واشنطن، الولايات المتحدة الأمريكية)، وشغل بين عامي 2009 و2010 منصب مدير الأبحاث في مركز الشرق الأوسط لوقفية كارنيجي ببيروت، لبنان. انضم إلى قسم السياسة العامة والإدارة في الجامعة الأميركية بالقاهرة في عام 2011 كأستاذ مساعد للسياسة العامة حيث ما زال يعمل إلى اليوم، كما أنه يعمل أيضا كأستاذ مساعد للعلوم السياسية في قسم العلوم السياسية، جامعة القاهرة. يكتب صحفيا وأكاديميا عن قضايا الديمقراطية في مصر والعالم العربي، ومن بينها ثنائيات الحرية-القمع ووضعية الحركات السياسية والمجتمع المدني وسياسات وتوجهات نظم الحكم.
التعليقات