المنتصرون والمهزومون فى دستور 2013 - أميمة كمال - بوابة الشروق
الخميس 25 أبريل 2024 9:02 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

المنتصرون والمهزومون فى دستور 2013

نشر فى : الأربعاء 30 أكتوبر 2013 - 8:00 ص | آخر تحديث : الأربعاء 30 أكتوبر 2013 - 8:00 ص

أحسن صنعا الفريق الذى انحاز من بين أعضاء لجنة الخمسين إلى وضع مادة منفردة فى دستور 2013 تخص الكرامة الإنسانية، وجعلها حقا لكل إنسان، لا يجوز المساس به، وتلتزم الدولة باحترامه، وضمان حمايته كما جاءت فى الديباجة الأخيرة لمسودة الدستور. وأصر هذا الفريق على حذف بقية المادة وهى «عدم انتقاص الكرامة بالتعذيب أو الإهانة أو المساس بالجسد أو إذلال أى أنسان». واستند أصحاب هذا الفكر على أنه من الأفضل عدم تقييد شرط احترام وضمانة حماية الكرامة وتحديدها بوقائع معينة بغرض أن تكون الكرامة على إطلاقها.

فعلا ما ينتقص من كرامة وإنسانية المصريين ليس فقط التعذيب فى السجون والإهانة فى الأقسام وتلفيق التهم جزافا أو الحجز فى أماكن غير معروفة أو انتهاك للأعراض. وهى كلها تصرفات كانت بلاشك أحد أسباب قيام ثورة يناير، وستظل مبررا لكل ثورة قد تأتى مستقبلا، ولكن أيضا الكرامة تنتقص عندما يضطر عدد لا بأس به من المصريين للعيش أكثر من ستة أو سبعة أفراد فى غرفة واحدة. الكرامة تنتقص حينما تُذل أعناق الرجال الذين يعجزون عن استكمال تعليم أولادهم. وتجبر ربع الأسر الأكثر احتياجا على إخراج أطفالها من المدارس حتى لو كانوا متفوقين، لأن يدهم أقصر من أن تلبى أعين أولادهم البصيرة.

•••

الكرامة تنتهك عندما تضطر الأسر الأكثر احتياجا فى مصر (نصيب الواحد منهم خمسة جنيهات ونصف الجنيه فى اليوم) إلى انقاص عدد الوجبات، وتغيير نوعية الغذاء وهو ماحدث بالفعل فى الربع الأول من العام الحالى. لأن دخلها لم يعد يكفيها طبقا لبرنامج الغذاء العالمى ومركز معلومات مجلس الوزراء.

والكرامة تنتفى عندما تُكسر أعين أسر كثيرة بعد أن اصاب التقزم ربع أطفال مصر بسبب سوء التغذية. ولم تعد حتى البطاقات التموينية تكفى احتياجات الأسر بعد أن نقصت كمياتها، فأصبح أرز البطاقة لا يكفى إلا 17% من احتياجات الأسر، وكذلك الزيت والسكر لم تستطع كمياتهما إلا سد أقل من نصف احتياجات تلك الأسر، وهذا على عهدة برنامج الأغذية العالمى.

•••

والكرامة الأن تنتقص بفعل فاعل، عمدا مع سبق الإصرار والترصد عندما تبقى لجنة الخمسين فى الدستور على جميع البنود الاجتماعية والاقتصادية دون أدنى تغيير كما جاءت فى دستور 71، وبعدها دستور الغريانى. دون أن تضيف حقوقا لمن سلبت حقوقهم طوال الأعوام الماضية، أو أن تسحب من حقوق بشر آخرين ناءت ظهورهم عن حملها.

فقد اكتفت اللجنة بالإبقاء على مادة تنص على أن «الاقتصاد الوطنى يقوم على تحقيق العدالة الاجتماعية، والقضاء على الفقر، والمحافظة على حقوق العمال، وتقريب الفوارق بين الدخول من خلال وضع حد أدنى للأجور والمعاشات يكفل حياة كريمة للمواطنين، وحدا أقصى فى أجهزة الدولة، وشركات القطاع العام لايستثنى إلا بناء على قانون». وهذا انتقاص من دستور 71 الذى كان ينص على حد اقصى ولايسمح بأى استثناء.

والحقيقة أنه بدون إضافة ديباجة تفصيلية إلى هذه الماده على النحو الذى يحافظ على حقوق العمال سنجد أن الأمر سينتهى إلى إبقاء حال وكرامة العمال على ما هى عليه. بمعنى أنه سيبقى على نفس نوعية علاقات العمل الحالية بين العمال ورجال الأعمال. التى تسمح بفصل مئات العمال فصلا تعسفيا لأنهم تجرأوا، وقاموا بنشاط نقابى، ولا تقوى حتى الأحكام القضائية التى يحصل عليها المفصولون على إعادتهم إلى أماكن عملهم. وسيظل رجال أعمال من أمثال محمد السويدى رئيس اتحاد الصناعات (الممثل لقطاع واسع من اصحاب الأعمال) يتعجب كيف يلتزم بدفع الحد الأدنى للأجور (1200جنيه) بينما يستطيع أن يأتى بعمالة من الصعيد تقبل طواعية بـ500 جنيه. وبدون ديباجة تحفظ حقوق العمال وتحظر فصلهم تعسفيا، سيظل أمثال رجل الأعمال فرج عامر يردد مقولته الشهيرة فى وجه العمال المطالبين بحقوقهم «هو ده جزاء المعروف؟».

أى أن لجنة الخمسين قررت أن توسع مفهوم الكرامة فى نفس الوقت الذى تترك فيه العمال منزوعى الكرامة فى عصمة أصحاب الأعمال الذين ينظرون إلى الأجر ليس كحقا خالصا نظير أداء عمل. ولكنه إحسان ومعروف يتفضلون به على العمال. ولذلك فليس ضروريا لديهم أن يكون الأجر عادلا أو أن يكفل لهم حياة كريمة تكفى لتوفير مسكن ملائم، وتغذية صحية وتأمين صحى وملبس مناسب بل وترفيه وتسلية مثله مثل خلق الله الآخرين.

لجنة الخمسين تركت هؤلاء عراة الظهور، بينما افسحت الفرصة للاستثناء من الحد الأقصى للأجور بدون حدود. والحقيقة أن وزارة المالية لم تترك الفرصة تفتها، والتقطت الخيط سريعا وأسرعت منذ أيام بالإعلان عن استثناء بدل السفر للخارج من الحد الأقصى للأجور فى الجهاز الحكومى.

•••

ويبدو أنه لم يتسرع اهتمام أحد فى لجنة الخمسين ما أعلنه تقرير كريدى سويس الأخير عن ثروات الأثرياء فى مصر من أن هناك 22 ألف ثرى مصرى يمتلكون ما بين مليون و50 مليون دولار أى مابين 7 ملايين إلى 350 مليون جنيه. وإن 6 محظوظين فقط يملك الواحد منهم أكثر من مليار دولار (7000 مليون جنيه). بالتأكيد لم يسترع اهتمام أحد لأنه لو كان قد حدث هذا لربما تحركت مشاعرهم المرهفة نحو الحفاظ على كرامة المصريين العاملين، الذين مازال ثلثهم يتقاضى أقل من 700 جنيه فى الشهر. ولكانوا بالتأكيد تذكروا المادة الخاصة بالنظام الضريبى. وأضافوا إليها نصا يسمح بفرض ضريبة تصاعدية على أصحاب الثروات الكبيرة لعلها تضيف قدرا من الكرامة لمن أفقده ضيق اليد بعضها.

ولو كان فريق الكرامة الإنسانية داخل لجنة الخمسين قد اتسع ببصره إلى المادة المتعلقة «بنزع الملكية للمنفعة العامة» لكان قد رأى فيها مايلفت النظر إلى إهدار كرامة الآلاف من البشر. حيث إنها تسمح بنزع الملكية دون أن يكون هناك سندا من القانون أو حتى بموجب حكم قضائى. ولكن بمجرد قرار إدارى يقر فيه مسئول تنفيذى فى الحكومة أن النزع لمنفعة عامة، يتم اقتلاع أسر بكاملها من جذورها بعيدا عن سبل معيشتها، ويلقى بها فى أى بقعة أرض بعيدة. لنكتشف بعدها أن المنفعة كانت من نصيب أحد المشاهير من رجال الأعمال. أو إحدى الشركات الكبرى لبناء مولات، أو أبراج سكنية، وإدارية، ومشروعات سياحية.

الحقيقة التى تبدو غائبة عن لجنة الخمسين هى أن البنود المتعلقة بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية للفئات المغبون حقها (والتى لم تمتد إليها يد التغيير) هى فى صلبها ما يحفظ كرامة المصريين.

ولا تنسوا أنكم من رغبتم فى توسيع مفهوم الكرامة.

أميمة كمال كاتبة صحفية
التعليقات