مشروعات التطوير وعمليات التنمية - وائل زكى - بوابة الشروق
الأربعاء 24 أبريل 2024 7:07 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

مشروعات التطوير وعمليات التنمية

نشر فى : الثلاثاء 30 مارس 2021 - 7:10 م | آخر تحديث : الثلاثاء 30 مارس 2021 - 7:10 م

لنتفق بداية أن التطوير هو تفعيل للتطور، أى العمل على إخراج الكائن أو الشىء من طور إلى آخر ومن حال إلى حال آخر أو من مرحلة إلى أخرى، والتطور فى عمومه هو تغير لحال الكائن أو الشىء ربما يكون لحال أفضل أو أسوأ يتوقف ذلك على حكمك عليه، على سبيل المثال دورة حياة دودة القز تمر بتغير حالها من طور إلى آخر، ما بين دودة وفراشة فأيهما تفضل؟ إن احتجت للحرير فطور الفراشة مضيعة للوقت وإن احتجت مشاهدة الفراشة وطيرانها فطور الدودة قد يصدم مشاعرك، كما أن هناك أطوارا للكائن الواحد لا يصلح فيها المقارنة بالأفضلية، فالإنسان يمر بمرحلة أو طور الطفولة ثم يصير شابا ثم شيخا ولا نستطيع أن نطلق حكما أن الشباب أفضلهم أو الشيوخ أفضلهم والاثنان لن يصلا لهذا الطور إلا عبر الطفولة، ولكن لكى نستفيد بقوة الشباب أو حكمة الشيوخ لابد أن ننشئ أطفالنا نشأة سليمة تحقق مرادنا، لا نتركهم للنمو الطبيعى فقط بالأكل والشرب وإنما بتطبيق سبل التنمية البشرية، ليست بالنمو فقط وإنما بالتنمية.

هنا نأتى إلى مفهوم التنمية وهى تفعيل النمو، أى العمل على نمو الكائن أو الشىء نموا سليما صحيحا، والسلامة هنا تعنى عدم الانتقاص والصحة تعنى الكفاءة، وذهب الاقتصاديون إلى أن هناك نموا أفقيا ونموا رأسيا، على سبيل المثال زيادة الرقعة الزراعية يعد نموا أفقيا فى قطاع الزراعة، وزيادة إنتاجية الفدان تعد نموا رأسيا، وعندما نتدخل بعلومنا وخبراتنا لزيادة ذلك النمو وتسريعه فإننا نحدث تنمية، فتوسيع الرقعة الزراعية بالاستصلاح والاستزراع هو تنمية أفقية فى قطاع الزراعة وتحسين إنتاجية الفدان هو تنمية رأسية فى قطاع الزراعة، وهكذا ينسحب المفهوم على جميع مناحى الحياة ومناشطها، فالتنمية البشرية تعنى الاهتمام بالفرد وتنشئته نشأةً صالحة لمجتمعه ووطنه، والتنمية الأفقية هنا تعنى زيادة السكان وهناك دولا تعمل على ذلك حتى أنها تفتح باب الهجرة إليها ولكنها تكن حريصة على استقدام من يوفر لها كفاءات ولا تضطر لتكاليف تنمية رأسية فى البشر، فالتنمية رأسيا تعنى كفاءة السكان التى تشمل تعليمهم وتأهيلهم لوظائف وأنشطة تخدم بلادهم.

نمو الإنسان بشكل طبيعى ينقله من طور إلى طور، كما أن نمو السكان فى مجملهم بشكل طبيعى أيضا ينقلهم من طور إلى طور، عددهم يغير فى طبيعة الروابط التى تربطهم ببعضهم وعلاقاتهم وتنظيم حياتهم، ولكى تكسب إنسانا سويا فى شبابه لابد أن تنشئه نشأة سوية فى طوره السابق أى فى حال الطفولة، بالتعليم والتربية الحسنة وهما جزء من التنمية الرأسية أى الكيفية التى يتلقاها الفرد تستهدف كفاءته، ويخرج الفرد من مسئولية أسرته المباشرة وينفرد المجتمع بمسئوليته نحوه بعد مرحلة الطفولة ليرعاه فى شبابه ليكسب رجلا أو شيخا عفيا حكيما يُعتمد عليه لتحقيق أهدافه ومساعى مجتمعه ووطنه، كذلك فإن مجمل نمو السكان إن ترك على عواهنه الطبيعية صار كما عدديا ينمو ويكثر وقد لا يُرجَى من معظمه نفعا ما لم يكن مؤهلا بالتنمية البشرية الرأسية أى التى تعنى الكفاءة والقدرة على تحقيق الذات والأهداف الوطنية المرجوة، إذا كل مرحلة أو طور من الأطوار يحتاج تنمية لكى ينتقل من طوره إلى الطور الذى يليه بشكل سليم وصحى أى تام وكفء.

***

تنسحب تلك المفاهيم على المجتمع العمرانى بطبيعة الحال، ولكن يبقى فهمه وتصوره عصيا عادةً إلا على المختصين، ففى حالات النمو العمرانى الطبيعى والانتقال من طور إلى طور قد تسير الأمور بشكل عفوى وغير مخطط لها، وعلى ذلك قد ينتقل المجتمع العمرانى بشكل عفوى من طور إلى طور أسوأ منه، وإلا لمَا ذهبت مجتمعات واندثرت مدن، هنا لابد من التدخل كى ينتقل العمران من حالته إلى حالة أخرى أفضل، ونطلق على تلك العملية «التطوير العمرانى» أى إخراج المجتمع العمرانى المقصود من حالته أو طوره الحالى إلى حالة أو طور أفضل، إذا فما هى ضمانة انتقاله من حالته إلى حالةٍ أفضل؟، ضمانته هى عملية التنمية التى يخضع لها هذا المجتمع لينتقل بشكل سليم وصحى من وضعه الحالى إلى وضع أفضل منه، التنمية هى ضمانة التطوير الجوهرى المؤسس على قدرات حقيقية تعبر عنها مظاهر هذا التطوير وتبرز كنتائج له وليس العكس، أن نضفى عليه المظاهر وهو لا يمتلك مقومات هذا التطور ولم يستوعب جهود هذا التطوير.

من السهل أن تغير ملامح إنسان فى طور الشباب ببعض المساحيق وإضافة الرتوش ليبدو فى طور الشيوخ ولكن من الصعب أن يمتلك حكمتهم، من السهل أن تغير ملامح شيخ ليبدو لك أصغر سنا ولكن من الصعب أن يمتلك قوة الشباب، من السهل أن نغير الملامح، من الصعب أن نضمن الحفاظ عليها والارتكاز على مكتسباتها ما لم يكن صاحب الملامح المرسومة يمتلك المقومات والقدرات الكفيلة بالحفاظ على تلك الملامح والتعامل بها كأنما تطور بها، ليس عيبا أن نتجمل فربما كان ذلك دافعا للسعى نحو تنمية قدراتنا لتتماشى مع ذلك الجمال وتبرز أجمل ما فى المجتمع العمرانى من خصال الإرادة لتحقيق ما يستحقه من جهد لتجميله، ربما كان ذلك دعوة لبذل مزيد من جهود التنمية لتتواكب مع مظاهر التطوير فتُأصله وتثبت قواعده وتنطلق عليها إلى أطوار أفضل وأفضل، فليس هناك تطوير بدون تنمية، ولكى تؤتى جهود التطوير ثمارها لابد أن تتأسس على مقومات تنموية حقيقية قادرة على دعم ذلك التطوير، أما إذا ذهبت مشروعات التطوير لنتائج فاقت القدرات التنموية أصبح جزءا كبيرا منها مهدرا يذهب أدراج الرياح بمرور الوقت، فى حين أن التركيز على جهود التنمية تؤدى إلى نتائج متوافقة مع مقدماتها ومدخلاتها ولن تكون نتائجها مظاهر جوفاء بل سمات وخصائص مرحلة وطور من أطوار العمران.

***

قد تتضافر عمليات التنمية لينتقل المجتمع العمرانى إلى طور جديد أو ربما يصيرُ مؤهلا فقط للانتقال إلى طور جديد وتنقصه إمكانيات تطويره ليتواكب مع قدراته التنموية، فى هذه الحالة الأمر يتوقف على توفير الدعم اللازم لتطوير العمران بما يتماشى وإمكانات واحتياجات ذلك المجتمع العمرانى، وقد يحدث العكس فربما تتوفر له إمكانيات التطوير وتتم مشروعاته التى لا تكون مؤسسة على عمليات تنمية، هنا يصبح نجاح إجراءات التطوير ومشروعاته رهن تفعيل عمليات تنموية تقع مسئوليتها على المجتمع المتلقى للتطوير، ويتمثل المجتمع فى مؤسساته الأهلية بشكل أساسى ثم دعم المؤسسات الحكومية المنفذة لمشروعات التطوير حفاظا على مكتسبات التطوير ونتائجه وثماره، لاسيما أن خطط التطوير تنفذ بمليارات الجنيهات التى قد تكون عرضة للتدهور أو ربما الاندثار ما لم تثبت جذورها وتدعم أواصرها بعمليات تنموية بشرية واجتماعية تؤصل جهود التقدم والتطوير المبذول.

وائل زكى استشاري التخطيط العمراني وعضو مقيم عقاري بلجان طعون الضرائب العقارية، ويعمل كأستاذ للتخطيط العمراني وتاريخ ونظريات تخطيط المدن ومدرب معتمد إدارة المشروعات
التعليقات