رسالة أوباما للمجتمع الأمريكى وللعالم (1 ـ 2) - نبيل فهمي - بوابة الشروق
الأحد 28 أبريل 2024 2:35 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

رسالة أوباما للمجتمع الأمريكى وللعالم (1 ـ 2)

نشر فى : الخميس 30 أبريل 2009 - 9:33 م | آخر تحديث : الخميس 30 أبريل 2009 - 9:33 م

 اعتاد المحللون فى الولايات المتحدة إعطاء الرئيس المنتخب مدة 100 يوم بعد حلفه اليمين قبل بدء تقييمه وانتقاده بجدية، فيما يسمى شهر العسل السياسى، لإعطاء فرصة للرئيس الجديد استكمال تعييناته الوزارية وفى المناصب العليا نظرا لبطء إجراءات تصديق الكونجرس على الترشيحات، ولقد مر شهر العسل المكفول للرئيس أوباما بالفعل، وكان حافلا بالتحديات الدولية التى توارثها من الرئيس جورج بوش، مرت هذه المهلة وما زالت الإدارة عاجزة عن استكمال التعيينات فى مؤسساتها خاصة دون المستوى الوزارى، حتى فى وزارة المالية الأمريكية، رغم مسئولياتها الضخمة والحاجة للتحرك سريعا فى ظل الأزمة المالية الدولية، وبدأت مرحلة المحاولة والاستقطاب السياسى فى الولايات المتحدة، وإن كانت البداية بطيئة وغير حماسية لأن الحزب الجمهورى المعارض لم يفق بعد من الضربة القاضية التى تعرض لها فى انتخابات نوفمبر 2008. والتى خسر فيها السباق الرئاسى وأوضحت نتائجها عزوف نسبة كبيرة من الجمهوريين نحو الوسط المستقل وانضمام المستقلين للحزب الديمقراطى، فأصبح رصيد الجمهوريين من الناخبين فى حدود 26٪ وتجاوز رصيد الديمقراطيين 40٪.

وتابع المجتمع الدولى أخبار الرئيس أوباما وسياسته، بنفس قدر اهتمام الشعب الأمريكى به إن لم يكن يزيد على ذلك، لسعادته بطى صفحة جديدة مع الولايات المتحدة بعد سنوات عجاف مع «المحافظين الجدد»، ولرغبته فى الالتفاف حول قيادة دولية فى عمل جماعى عاجل لكبح جماح الأزمة المالية العالمية، فالعالم أجمع تابع الانتخابات الأمريكية الرئاسية الأخيرة.

واستقبل نجاح أوباما بترحاب، ويتطلع الآن لمواقف وريادة أمريكية غابت عن العالم خلال الردارة الماضية، وأعتقد أن المجتمع الدولى من حقه بل من واجبه المشاركة فى تقييم أداء الرئيس أوباما، مثله مثل المجتمع الأمريكى فى كل ما يتعلق بالعلاقات الدولية بما فيها سياساته الاقتصادية الداخلية نظرا لحجم ونفوذ الولايات المتحدة، وتأثير قراراتها أكثر من أى دولة أخرى على دائرة اهتمامات ومصالح دول عديدة وفى مجالات متعددة كما شهدنا أخيرا بالنسبة للأزمة المالية الدولية.

وغنى عن القول إنه من السابق لأوانه الحكم على إدارة الرئيس أوباما، ومدى استطاعتها ترجمة وعودها الانتخابية إلى واقع ملموس على المستوى المحلى أو الدولى، فالمسرح الدول ملىء بالقضايا الساخنة، أغلبها متشعب الجوانب، خاصة عندما يدخل فيها اعتبارات متعددة مرتبطة بدول ومصالح مختلفة مع هذا أعتقد أن الرئيس أوباما نجح بالفعل حتى الآن، رغم قصر المدة التى مرت على رئاسته فى إحداث تغيرات فى المزاج السياسى الأمريكى العام، ليصبح أكثر تفاؤلا وثقة فى النفس وأقل استقطابا رغم الأزمة الاقتصادية العالمية، وتعكس استطلاعات الرأى العام الأمريكى الأخيرة اتساع الوسطية واستمرار تقدير أكثر من 60٪ لرئيسهم الجديد.

وقد حقق أوباما إنجازا مهما أيضا على الساحة الدولية، فتحدث فى خطابه فى احتفالية حلف اليمين بأن المصلحة الأمريكية تطلب من الشعب الأمريكى تفهم العالم بشكل أفضل، والتحاور معه بجدية آخذا فى الاعتبار مصالح الجانبين، وأكد على منهج الحوار والدبلوماسية كركيزة أساسية لتفاعل بلاده مع العالم، ثم اتخذ قرارا سريعا بالإعلان عن عزمه إغلاق معتقل جوانتانامو وأفرج عن شرائط ومذكرات التعذيب، وأعاد الإيمان لدى المجتمع الدولى مرة أخرى فى «الحلم الأمريكى وقيمه»، لتعود الولايات المتحدة مرة أخرى إلى موقف الريادة الدولية، خاصة أن ذلك جاء فى وقت يسعى فيه العالم إلى ريادة حكيمة وجامعة للخروج من الأزمة المالية، والتعامل مع القضايا الساخنة فى العراق وأفغانستان ومخاطر الانتشار النووى، وضمان عدم تعرض المجتمع الدولى إلى عملية إرهابية ضخمة، ومع الأزمة الفلسطينية ــ الإسرائيلية فى أعقاب أحداث غزة الدموية.

تعتبر هذه الإنجازات فى حد ذاتها نتائج طيبة ومهمة، بعد سنوات عدة من المواجهات والممارسات الأمريكية الداخلية المبنية على التخويف والتجريح، فضلا عن علاقات خارجية مبنية على الترهيب والاستقطاب، مما أفقدها بعضا من أهم عناصر قوتها، وهى وجود مؤسسات وآليات داخلية لمراجعة المعلومات والقرارات بما يضمن عدم انفراد تيار سياسى بالمعلومات أو القرارات، واتساع نطاق ونفوذ الدبلوماسية الأمريكية لوفرة حوافزها الاقتصادية والأمنية وثقل وزنها السياسى على مستوى العالم، وهى ميزة فقدتها الولايات المتحدة فى الأعوام الماضية، حيث اعتمدت على التخويف أكثر من الحوار والتحفيز. هناك بطبيعة الحال من يقلل من أهمية هذه الإنجازات، وبدافع أنها تستند على أرضية هشة من البلاغة اللغوية التى تميز بها أوباما، بدلا من المواقف الحقيقية والجذور التى تضمن لها الاستقرار والاستمرارية، ورغم صحة بعض هذه الملاحظات، والوضع بالعراق رغم تحسنه لا يزال غير مستقر، وشهدنا أخيرا أحداث عنف ذهب على إثرها الكثير من الضحايا الأبرياء، وتنامى نفوذ طالبان فى أفغانستان رغم الوجود الدولى، والقلق العالمى يتزايد حول الاستقرار فى باكستان، ومعالم إنهاء الأزمة المالية الدولية لم تتضح بعد، رغم ضخ آلاف المليارات من الدولارات فى الاقتصاد العالمى، بما يتجاوز الناتج القومى للعديد من الدول الصغرى والمتوسطة.

مع هذا فأمام كل ذلك أظهر أوباما عزيمة قوية، ولم يغير من سياساته بالعراق، ملتزما بتخفيض القوات الأمريكية، أو فى أفغانستان بزيادة القوات الأمريكية ودعوة دول الحلف الأطلنطى لزيادة مساهماتها، وطرح العديد من المبادرات المنفردة والجماعية فى إطار الدول الصناعية الكبرى، ثم أعلن فى خطاب مهم ببراج عاصمة جمهورية التشيك ومبادرة تدعو إلى إخلاء العالم من السلاح النووى تدريجيا بما يعكس ثقة بالغة فى النفس تترجم فى تبنيه أهدافا كبرى، وعدم تردده فى إحداث تغير حقيقى فيما كان يعتبره البعض مثل مسألة الحفاظ على الردع النووى خاصة بين الدول الكبرى وقد بدأت بالفعل منذ أيام محدودة مفاوضات روسية ــ أمريكية لتجديد اتفاقية الأسلحة النووية الاستراتيجية وحتى بالنسبة للنزاع العربى ــ الإسرائيلى فتمسك ــ حتى الآن ــ بالسلام على أساس إقامة دولة فلسطينية بجوار إسرائيل وعين مبعوثا خاصا لمتابعة المفاوضات الخاصة بالسلام الشامل العربى ــ الإسرائيلى.

لا أقصد بكل ذلك أن إدارة الرئيس أوباما ستحقق كل الأهداف المعلن عنها، أو أنها ستكون على مستوى الآمال التى وضعها المجتمع الأمريكى أو الدولى، أو أنها معصومة من الخطأ، أو أنها ستكون بالضرورة دقيقة وملتزمة فى تطبيق معايير واضحة على جميع القضايا دن ازدواجية أو تميز أو استثناء فلم تحضر مؤتمر ديربان حول مناهضة العنصرية لمجرد إرضاء إسرائيل وبعض المنظمات رغم تخفيف النصوص التى كان لديها تحفظ عليها، ولم تتحدث بأى شكل كان ــ حتى الآن ــ عن خطورة استمرار إسرائيل خارج إطار معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية، وعدم خضوع مرافقها النووية لنظام التفتيش النووى، رغم تكرار تنويه الإدارة الأمريكية لضرورة التصدير لمخاطر الانتشار النووى النابعة عن كوريا وإيران.

سيكون على الرئيس أوباما تطبيق معايير واحدة على الجميع، وإلا فقد مصداقيته ورونقه لدى المجتمع الدولى، لأنه يدعو الجميع إلى المشاركة فى إحداث تغيير فى منظومة العلاقات الدولية، وأعلن عن عزمه التحاور مع الجميع بما فى ذلك الدول غير الصديقة للولايات المتحدة، وإلا قلب الصديق على الصديق، ورجح المشاكس والمناور والمتطرف على الوسطى المتعاون، البناء الذى يلتزم بالشرعية الدولية وتصون أمنه فى إطار القانون الدولى وذلك فى إطار صفقات سياسية تقليدية تعود إلى عصر الحرب الباردة، وتستند على توازنات القوة والنفوذ بدلا من المصالح والشرعية الدولية، الأمر الذى سيفقد الرئيس أوباما السمة الأساسية التى جعلت المجتمع الدولى يستقبل انتخابه بحماس، وهى أنه يمثل رياح التغيير المتفائل والواثق فى إمكانية بلورة نظام دولى أكثر كفاءة وعدلا وفائدة للجميع.

نبيل فهمي وزير خارجية مصر السابق، والعميد المؤسس لكلية الشئون الدولية والسياسات العامة بالجامعة الأمريكية بالقاهرة
التعليقات