حق الفيتو داخل الناتو - بشير عبد الفتاح - بوابة الشروق
الثلاثاء 23 أبريل 2024 8:28 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

حق الفيتو داخل الناتو

نشر فى : الإثنين 30 مايو 2022 - 10:20 م | آخر تحديث : الإثنين 30 مايو 2022 - 10:20 م
بتبنيها مبدأ الإجماع، شرطا لاعتماد القرارات الأطلسية، أتاحت المادة العاشرة من اتفاقية واشنطن المؤسسة للناتو عام 1949، لكل دولة من أعضائه الثلاثين، إعاقة أى قرار للحلف، بمجرد استخدامها حق النقض أو «الفيتو».
خلافا لليونان ودول أطلسية عديدة، أوغلت فى هكذا مسعى، لم يسبق لتركيا، رغم خلافاتها المتنوعة والمتجددة مع بعض أعضاء الناتو، استخدام ذلك الحق، لمنع صدور أى قرار يحظى بالتوافق الأطلسى. من ثم، بدت تحفظاتها على بعض السياسات، وتعطيلها لعدد من القرارات، نوعا من المساومة، أو ضربا من الابتزاز الاستراتيجى، بقصد اقتناص شىء من المغانم السياسية، أو بلوغ بعض المآرب الاستراتيجية.
فمنذ انضمامها للحلف يوم 18 فبراير 1952، لم تعترض تركيا على توسيعه سبع مرات متتاليات، حتى بلغ إجمالى أعضائه اليوم 30 عضوا. وعلى وقع ارتيابه من مساعى فنلندا والسويد لنيل عضوية الناتو حاليا، استدعى الرئيس التركى، وصفه التحاق اليونان بالحلف قبل سبعين عاما بالخطأ التاريخى. كما جاهر بمخاوفه من أن تقدم الدولتان الاسكندنافيتان، حال انضمامهما للناتو، على تكرار مأساة اليونان وقبرص حيال تركيا.
ففى نهاية عام 1980، رضخ الانقلابيون الأتراك للضغوط الأمريكية، وقبلوا بعودة اليونان إلى هيكل القيادة العسكرية الأطلسية، التى انسحبت منها عقب الغزو التركى لجزيرة قبرص عام 1974. بيد أن اليونان وقبرص عكفتا على تبنى سياسات ومواقف مناهضة لتركيا داخل الناتو والاتحاد الأوروبى لاحقا. حيث دأبتا على تحريض التكتلين ضد أنقرة، واستخدام الفيتو للحيلولة دون انضمامها لوكالة الدفاع الأوروبية، والاتحاد الأوروبى. كما أجهضتا خطة الأمم المتحدة لإعادة توحيد الجزيرة القبرصية عام 2004، وأشعلتا نزاعات مع تركيا حول الحدود البحرية والثروات الهيدروكربونية فى شرق المتوسط.
لأيام معدودات من أبريل 2009، عطلت تركيا تعيين رئيس الوزراء الدنماركى الأسبق، آندرس فوج راسموسين، أمينا عاما للناتو، خلفا لسلفه، الهولندى، هوب شيفر. حيث شكك رئيس الوزراء التركى، حينها، أردوغان، فى أهلية راسموسين، للاضطلاع بمهام إرساء السلام، ومكافحة الإرهاب، والحوار مع العالم الإسلامى. واستشهد إردوغان بمواقفه حيال الرسوم الكاريكاتورية المسيئة للنبى محمد صلى الله عليه وسلم، التى نشرتها الصحف الدنماركية، وأثارت ردود فعل غاضبة فى ربوع العالم الإسلامى، وقتذاك. حيث دافع عنها راسموسين، باسم حرية التعبير، رافضا الاعتذار للمسلمين، ومتجاهلا نصيحة إردوغان بالالتقاء بسفراء الدول الإسلامية لدى الدنمارك، لمعالجة الأزمة. وأخذ إردوغان على راسموسين أيضا، سماحه لفضائية تابعة لحزب العمال الكردستانى، بمواصلة بث برامجها من الدنمارك، رغم المطالبات التركية الملحة بوقفها. فضلا عن معارضة راسموسين انضمام تركيا للاتحاد الأوروبى، مما غذى مخاوف إردوغان من ألا يكون الأمين العام الجديد للحلف وسيطا نزيها بين تركيا وكل من اليونان وقبرص، لجهة التعاون بين الناتو والاتحاد الأوروبى. غير أن الموقف التركى من راسموسين تبدل سريعا، بعدما خشيت أنقرة من العواقب الوخيمة المحتملة لتعنتها، على مساعيها المتعثرة للانضمام للاتحاد الأوروبى. لاسيما أن ألمانيا وفرنسا، القائدين للاتحاد والمعارضين لانضمام تركيا إليه، تدعمان المرشح الدنماركى. وانصياعا منه للضغوط الأمريكية، أعلن إردوغان موافقة بلاده على تولى راسموسين للمنصب، مدعيا تلقيه «ضمانات» من نظيره الأمريكى، أوباما، المؤيد لراسموسين، بشأن إمكانية إغلاق الفضائية الكردية الدنماركية، وإطلاق حوار بين الناتو والدول الإسلامية. علاوة على وعود بإسناد ثلاثة مراكز قيادية فى الناتو لأتراك، هى، نائب الأمين العام للحلف، ومسئول الشئون الأفغانية، والمشرف على نزع السلاح.
فى عام 2019، ماطلت تركيا فى دعم خطة الناتو السرية، المعروفة بـ«خطة النسر المدافع»، التى وضعها الحلف، عقب احتلال روسيا للقرم عام 2014، لحماية دول شرق أوروبا والبلطيق من التهديدات الروسية. فرغم موافقتها عليها، رهنت تركيا تأييدها تنفيذ الخطة، بانتزاع مؤازرة الحلف بحربها بشمال سوريا، التى بدأتها بعدما سحبت الولايات المتحدة 1000 جندى من المنطقة فى أكتوبر 2019، وتجميدها دعمها لخطة دفاعية تركية منفصلة. إضافة إلى موافقة الحلف على إدراج تنظيم «وحدات حماية الشعب الكردية»، وحزب «الاتحاد الديمقراطى الكردى» ضمن لائحة التنظيمات الإرهابية. وهو أمر يأباه الحلف، الذى يعتبر بعض هذه الجماعات الكردية ضمن أفضل حلفاء واشنطن فى حربها ضد تنظيمى «داعش» و«القاعدة» بسوريا والعراق. وفى مطلع يوليو 2020، أعلنت أنقرة موافقتها على تنفيذ الخطة، أملا فى تخفيف حدة الضغط الفرنسى عليها داخل الناتو، واستجداء لدعم دول البلطيق ودول شرق أوروبا للسياسات التركية.
أما اليوم، فتراوغ تركيا فى قبول عضوية فنلندا والسويد بالناتو. حيث تتهم الدولتين بإيواء ودعم عناصر من حزب العمال الكردستانى، المصنف إرهابيا لدى أنقرة، وواشنطن والاتحاد الأوروبى، إضافة إلى استضافة أتباع للداعية، فتح الله جولن، المتهم بتدبير الانقلاب الفاشل فى يوليو 2016. وبحسب وكالة الأنباء التركية، رفضت كل من فنلندا والسويد، عشرات المطالبات لتسليم، أو محاكمة مسلحين أكراد تصفهم تركيا بالإرهابيين، فيما لم تتورع السويد عن استضافة اجتماعات لممثلين عن تلك التنظيمات الإرهابية. ورغم حياد فنلندا والسويد، إلا أنهما دأبتا على انتقاد الملف الحقوقى التركى، وصولا إلى إدانة توقيف الناشط التركى عثمان كافالا، فى أكتوبر الماضى. وفى عام 2019، فرضت الدولتان الاسكندنافيتان حظرا على مبيعات الأسلحة لأنقرة، جراء تدخلها العسكرى فى سوريا، والذى تعتبره البلدان مثبطا للجهود الدولية لمحاربة «داعش». الأمر الذى يربك صناعة الدفاع التركية، المعتمدة أصلا،على التكنولوجيا الغربية.
رغم حرصها على عدم استفزاز صديقها الروسى، لا تمانع أنقرة كلية انضمام الدولتين المحايدتين للناتو، بقدر ما ترهن موافقتها بتلبية بعض المطالب والشروط. فقد أكد، إبراهيم كالين، كبير مستشارى الرئيس التركى للسياسة الخارجية، أن بلاده لم تغلق الباب أمام ذلك الانضمام، لكنها تريد من الحلف معالجة مخاوف أعضائه كافة، بغير تمييز. ودعا فنلندا والسويد، كما الحلفاء الأطلسيين، إلى دعم معركة تركيا ضد حزب العمال الكردستانى المحظور وفروعه، عبر تشديد الإجراءات التقييدية حيالهم. وإدراج وحدات حماية الشعب الكردية على قوائم التنظيمات الإرهابية، وإنهاء عضوية قادتها التنفيذيين بالبرلمانات الأوروبية، وتجميد الاتصالات مع القيادات التنفيذية لحزب العمال الكردستانى. وتجفيف منابع التدفقات المالية إلى تلك التنظيمات قاطبة. وتسريع إجراءات تسليم المتهمين بارتكاب جرائم داخل تركيا، وتجريم كل ما يتعارض مع روح التحالف من مؤامرات تحاك ضدها، وإنشاء آلية للتشاور المنتظم والتعاون الوثيق معها، لمكافحة الإرهاب.
تحت وطأة الدعم الأمريكى والأطلسى العارم لانضمام فنلندا والسويد للناتو، وتأكيد واشنطن والأمين العام للحلف على ابتكار آلية ناجزة لإتمام الأمر، مع معالجة المخاوف التركية، جنحت أنقرة للتراجع التدريجى عن تعنتها. ففى خضم المساعى الأمريكية الرامية إلى توثيق التعاون الاستراتيجى بين الناتو والاتحاد الأوروبى، تحرص تركيا على كبح جماح الجفاء المتنامى مع شركائها الاستراتيجيين، الضامنين للأمن والسلام فى محيطها. عسى أن تتجدد الآمال فى استئناف مفاوضات انضمامها للاتحاد الأوروبى. وأن تتوارى الصورة الذهنية النمطية السلبية التى شاعت عنها لدى الغرب، بأنها حليف أطلسى «غير مضمون»، ومعرقل لاستراتيجية الناتو الدفاعية، ومقوضة لأمنه الجماعى، من خلال إعاقة توسيعه، وإتاحة الفرص للرئيس الروسى بوتين، كى يفت فى عضده.
مستفيدا من البلاء الحسن، الذى أبلته المسيرات التركية فى الحرب الأوكرانية، ومتذرعا بشعار «تعزيز أمن الحلف وشركائه»، عمد الرئيس التركى إلى استثمار موقفه من انضمام الدولتين الاسكندنافيتين للناتو، استراتيجيا. فلا يزال متمسكا بإتمام صفقة شراء مقاتلات سويدية من طراز «ساب»، كما بعض المركبات المدرعة الفنلندية. وما برح يناشد دول الناتو إلغاء حظر الأسلحة على بلاده، وتزويدها بأنظمة دفاع جوى بعيدة المدى، ومكونات نوعية، مثل محركات الدبابات، والمقاتلات، والمُسيرات، والمروحيات، إضافة إلى التكنولوجيا العسكرية، التى تعتمد عليها الصناعات الدفاعية التركية. بموازاة ذلك، يرنو إردوغان إلى حسم ملفات شائكة ومعلقة مع الغرب، مثل تقرير مصير الصفقات التسليحية الخاصة بمنظومات «إس 400» الصاروخية الروسية، ومقاتلات «إف 16»، و«إف 35» الأمريكية. فضلا عن اقتناص المباركة الغربية لمساعى أنقرة لإقامة «منطقة آمنة» على حدودها الجنوبية مع سوريا، ودعم خطتها لإعادة توطين مليون لاجئ سورى لديها، داخل تجمعات سكنية بالمناطق السورية الآمنة. ويتطلع الرئيس التركى إلى تحرير بلاده من إسار كونها الدولة الأطلسية الوحيدة، التى تخضع لعقوبات من قبل حلفائها. كما يعتزم توظيف قضية انضمام السويد وفنلندا للناتو، انتخابيا، بغية ترميم شعبيته المتصدعة، وتحسين وضعه التنافسى المرتبك، على مشارف الاستحقاقات البرلمانية والرئاسية المصيرية، التى ستشهدها بلاده الصيف المقبل.
التعليقات