«منى يسرى زكى نصر الله... فيلم وحيد» - خالد محمود - بوابة الشروق
الخميس 18 أبريل 2024 5:39 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

«منى يسرى زكى نصر الله... فيلم وحيد»

نشر فى : الثلاثاء 30 يونيو 2009 - 6:34 م | آخر تحديث : الثلاثاء 30 يونيو 2009 - 6:34 م

 هل أصاب وحيد حامد عندما منح يسرى نصرالله سيناريو فيلم احكى يا شهرزاد، وهو يدرك تماما أن فكر ومنهج ورؤى نصر الله تختلف فى عالمها عن عالمه؟

نعم أصاب، ونجح فى استثارته وتحفيزه لتقديم عمل سينمائى مغاير عما قدمه من قبل وله مذاقه الخاص من حيث الطرح ولغة السرد السينمائى التى امتزجت فيها واقعية النص بشفافية الصورة ورمزها.. فوصلت الرسالة، ورسالة شهرزاد معقدة ومركبة وموجعة مثل عصا المعلم تنزل عليك لتنبهك وتوقظك من الغفوة عن الدرس... ودرس شهرزاد عن الحياة وأناسها وغلافها الضبابى الذى كساها بناء على رغبة مشتركه بين الوطن والمواطن.. بيننا وبين الأيام.. وعن مدى الألم الذى تشعر به عندما تستسلم لقسوة الظروف وتسقط وتنهار، وهو ألم أقل وطأة من ألم الانتفاضة والتمرد والاعتراف بالخطيئة والبوح بها لتطهر نفسك من العبء الثقيل الذى قد يوأد بمشاعرك والإحساس بوجودك أصلا فى الحياة، وتلك هى النقطة الفارقة والخيط الرفيع الذى مشى عليه فيلم «احكى يا شهرزاد « دون أن يفرض عليك أى خيار.. قدم الحكايات الإنسانية لعل إحداها يمسك أو تعيد حساباتك فى علاقتك بنفسك وبالآخرين، وإن كان هناك خروج غير مبرر لبعض الشعارات واللافتات من ناحية والتطويل فى السرد من ناحية أخرى.

فى الفيلم تجد شهرزاد التى جسدتها منى زكى مذيعة التليفزيون الشهيرة هبة يونس وهى تستيقظ من كابوس مفزع على أحلام زوجها كريم «حسن الرداد» نائب رئيس تحرير إحدى الصحف القومية والذى يحلم بكرسى رئاسة التحرير ويمارس عليها ضغوطا كثيرة لتتوقف عن نقد الحكومة فى برنامجها نهاية المساء وبداية الصباح، وقد أوهمة الكبار بأن حملات زوجته التليفزيونية وراء عدم تحقيق حلمه، وهنا تغير المذيعة منهجها وتقرر البحث عن قصص إنسانية لنماذج من السيدات اللاتى عشن ظروفا قاسية، لكنها مع الوقت تكتشف أن هذه الظروف بكل مآسيها ما هى إلا انعكاس لأوضاع سياسية أيضا.

وعلى طريقة سرد وحيد حامد ونهج يسرى نصرالله الذكى تخترق شهرزاد المحظور وتأتى بنماذج من السيدات يعترفن بخطاياهم وطرق انتقامهم من المجتمع الذى ظلمهم، فنجد «أمانى»العانس المتباهية بعذريتها والتى تسكن المصحة النفسية، والتى لم تجد رجلا يحبها لذاتها، و«صفاء» التى قضت عقوبة طويلة فى السجن لقتلها شابا يعمل فى محل تركه والدها لبناته الثلاث بعد أن ارتكبت خطيئة معهن وقضى على حلمهن فى الاستقرار، و«ناهد» طبيبة الأسنان التى أجهضت نفسها بعد أن خدعها أحد الرجال المرموقين الذى أصبح وزيرا فيما بعد وحيث تزوجها وتركها وساومها ولم يعترف بالحمل.. هذه القصص التى نجحت شهرزاد بجعل أصحابها يكشفن المستور فيها تتوحد مع شهرزاد نفسها أو هبة يونس لتجد نفسها هى الأخرى فريسة أطماع زوجها الذى تصور أن برنامجها وراء ضياع المنصب منه، لتنقلب مشاعر الحب إلى عنف وأمراض نفسية وليأتى مشهد النهاية لتفاجئ هبة الجميع على الهواء بأنها ستحكى قصتها هى، وهو مشهد صادم وجرىء وقوى أدته ببراعة منى زكى ليكون بمثابة ضربة موجعة للمشاهد الذى عليه أن يعيد حساباته مع نفسه وما يدور من حوله عن طريق البوح.. لكن هذه الضربة الموجعة جعلتنى كمشاهد لا أستسلم بكل جوارحى لما أراد ان يبثه وحيد حامد ونصر الله فيما يسمى بقهر المرأة وأنانية الرجل فالمرأة فى الفيلم كان لها دور فى مآسيها وقرارات القتل والهجر والانطواء كانت بكامل رغبتهن، كما أن نماذج الرجال فى الفيلم أتت مشوهة أحيانا ومريضة أحيانا أخرى.. وإن كانت هى نتاج مجتمع يعانى مرض مزمن وهو تشابك الحلم بالكابوس.. فنحن لم نعد نستطيع أن نفرق بين الحلم والكابوس، بين الحب والرغبة فى الامتلاك، بين صدق العواطف وخداع المشاعر.. بين زيف الحياة وصدقها.. ويتساوى فى ذلك الرجل والمرأة والرجل الذى هو أيضا فى حاجة إلى أن يحكى ويعترف بخطاياه التى قادته اليها الضغوط أيا كانت دوافعها.

اللوحة السينمائية جاءت مختلفة حتى ولو كانت ألوانها شديدة القتامة، لكنها لوحة لم تذرف الدماء، ولم تغرقنى فى مجتمع قمىء يدعى العفة والكفاح.. إنه فيلم يعزف على وتر يشجيك فى موسم النشاز.

وتبقى كلمة: منى زكى، بوحى بموهبتك على طريقة شهرزاد ولا تجعليها تسكن فى الظلام بعد الآن.. سوسن بدر عنادك يكشف نضوجا أكبر... محمد رمضان اطرد روح أحمد زكى تكن ممثلا كبيرا.

خالد محمود كاتب صحفي وناقد سينمائي
التعليقات