لا خصخصة بعد اليوم.. شعار جديد للحكومة الذكية - فاروق جويدة - بوابة الشروق
الأربعاء 8 مايو 2024 6:13 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

لا خصخصة بعد اليوم.. شعار جديد للحكومة الذكية

نشر فى : الأحد 31 أكتوبر 2010 - 9:47 ص | آخر تحديث : الأحد 31 أكتوبر 2010 - 9:47 ص

 لا أدرى هل كانت مفاجأة سارة أم غير سارة أن يعلن أكثر من مسئول فى الحكومة الذكية أن برنامج الخصخصة قد توقف وأن الدولة لن تبيع أى مشروعات أو شركات فى الفترة القادمة.. وقد توقفت كثيرا عند هذه التصريحات وما تحمله من تساؤلات ودلائل.. هل هو اعتراف متأخر بفشل برنامج الخصخصة الذى بدأ منذ سنوات.. أم أنه محاولة لامتصاص غضب الشارع بعد فضائح تخصيص الأراضى فى مشروع مدينتى وتوابعه وما ترتب عليه من مظاهر التذمر فى الشارع المصرى.. أم أن برنامج الخصخصة قد أكل كل شىء ولم يبق فى المزاد شىء يباع أو يشترى.

توقفت كثيرا عند تصريحات المسئولين الكبار وكنت أتمنى لو أن واحدا منهم وضح لنا معنى هذا القرار «لا خصخصة بعد اليوم».. وهل يمكن أن تصدق الحكومة فى مثل هذا الموقف وهى التى اعتادت أن تشاهد كل يوم صورة هذا المزاد الذى باعت فيه معظم أصول الدولة المصرية.

من حيث شواهد التاريخ نحن اعتدنا أن نأخذ من الأفكار أسوأ ما فيها منذ بدأت سياسة الانفتاح الاقتصادى مع بداية السبعينيات.. أذكر يومها أن حكومة د.محمد فوزى الدبلوماسى الشهير كانت أول من طرح فكر الانفتاح الاقتصادى فى بداية عهد الرئيس الراحل أنور السادات.. يومها كانت نقطة البداية هى إصدار قانون الاستثمار الذى فتح أبواب الاستثمار الأجنبى فى مصر.. وبعد ذلك جاءت عدة وزارات حاولت أن تؤكد الجانب الانتاجى فى سياسة الانفتاح على أساس أنه وسيلة لتطوير الإنتاج المصرى من السلع وفتح آفاق جديدة للعمالة المصرية.. ومشاركة رأس المال العربى والأجنبى فى تنمية الصناعة المصرية.

كان هذا هو الفكر الذى تبناه رؤساء الحكومات فى ذلك الوقت ابتداء بالدكتور عبدالقادر حاتم ثم د.عبدالعزيز حجازى ثم الدكتور عزيز صدقى والسيد ممدوح سالم.. كان فكر هؤلاء المسئولين أن سياسة الانفتاح الاقتصادى تعنى تطوير القطاع العام وليس بيعه.. وحتى هذا الوقت كانت الأمور تبدو وكأنها تسير فى مسارها الصحيح وإن كانت عمليات السمسرة والتوكيلات التجارية واستيراد السلع الاستهلاكية وتجارة الشقق والأراضى كانت هى السمة الغالبة على النشاط الانفتاحى فى سنواته الأولى.. وربما كانت هذه المؤشرات هى التى دفعت كاتبنا الكبير أحمد بهاء الدين لأن يطلق صيحته الشهيرة فى إحدى مقالاته «انفتاح السداح مداح».

مع سياسة الانفتاح الاقتصادى كان ظهور الطبقة الجديدة من أثرياء مصر الذين واكب ظهورهم عملية السلام مع إسرائيل وزيادة الدور الأمريكى ومحاولات التخلص من كل أفكار ورموز ثورة يوليو خاصة فى الجانب الاقتصادى والاجتماعى.. ومع ظهور الطبقة الجديدة من رجال الأعمال الجدد كان التوسع فى عمليات الاستيراد خاصة السلع الأجنبية المستوردة وبداية التوسع الاستهلاكى الذى جعل من مصر سوقا ضخمة للسلع الأجنبية.

فى الوقت الذى ظهرت فيه طبقة رجال الأعمال كان ظهور طبقة أخرى من الحرفيين الذين ارتفع مستوى دخلهم خاصة مع مشروعات التوسع الاستهلاكى فى استخدام السلع والخدمات.. وما بين طبقة رجال الأعمال التى اندفعت بقوة فى الاسواق وطبقة الحرفيين التى وجدت فرصتها فى المناخ الاستهلاكى الجديد ضاعت الطبقة المتوسطة وكان هذا بداية انحسارها وتراجعها على المستوى الاجتماعى والاقتصادى.

حتى هذه اللحظة كانت سياسة الانفتاح الاقصادى تتركز فى أعمال السمسرة والاستيلاء على الأراضى واستيراد السلع الاستهلاكية وأمام سنوات القحط التى عاشها المصريون فى ظل غياب السلع الأجنبية المستوردة فى سنوات الاشتراكية الناصرية كانت العودة للاستهلاك وفتح الأسواق أبرز مظاهر سياسة الانفتاح الاقتصادى التى تغيرت معها أشياء كثيرة فى الواقع الاقتصادى والاجتماعى والاستهلاكى للمصريين.. ولكن مع اتفاقية كامب ديفيد والسلام مع إسرائيل والعلاقات شديدة الخصوصية مع أمريكا والغرب وجدت طبقة رجال الأعمال أن مستقبلها سيكون مع هذه القوى الصاعدة بقوة فى المجتمع المصرى بل فى العالم العربى كله..

كان من الممكن أن تتوقف مصر قليلا مع سياسة الانفتاح الاقتصادى وأن تطور إنتاجها وتزيد حجم صادراتها وترفع مستوى دخل مواطنيها خاصة أن الميزانية المصرية فى ذلك الوقت كانت قد تخلصت من أعباء الإنفاق العسكرى بعد توقيع اتفاقية السلام مع إسرائيل.. كما أنها تلقت دعما ماليا من مؤسسات دولية كثيرة فى أوروبا وأمريكا بجانب ما حدث من تحولات فى حياة المصريين نحو زيادة الاستهلاك والتوسع فى عمليات الاستيراد وما ترتب على ذلك كله من إنعاش للتجارة المصرية فى فترة قصيرة نسبيا.

مع التوسع الاستهلاكى كان التوسع السياحى حيث فتحت الدولة أبوابها للاستثمارات السياحية السريعة فى الغردقة وشرم الشيخ وشواطئ سيناء خاصة للسياح اليهود الذين ارتبطوا بهذه المناطق فى سنوات الاحتلال.

فى هذا الوقت أيضا تمت عمليات التوزيع العشوائى للأراضى المصرية حيث بيعت مساحات هائلة من الأراضى بأسعار زهيدة حيث بيع متر الأرض فى طابا بأقل من دولار وفى شرم الشيخ والغردقة بأقل من خمس دولارات للمتر وكانت هذه الصفقات فرصة كبيرة لعدد من الأشخاص لتحويل هذه الأراضى إلى أرصدة مالية ضخمة بعد ذلك..

مع زيادة مكاسب وأرباح رجال الأعمال فى عمليات السمسرة والمكاتب والتوكيلات التجارية وبيع الأراضى انتقلت الحكومة فجأة من سياسة الانفتاح الاقتصادى لتبدأ برنامج الخصخصة.. أن تبيع الحكومة المشروعات الخاسرة أو على أقل تقدير أن تدخل فى شراكة مع القطاع الخاص لتطوير هذه المشروعات.. وكان من أهداف الخصخصة أيضا أن يدخل الاستثمار الأجنبى شريكا بالتكنولوجيا الحديثة فى عمليات الإنتاج أو أن تقام صناعات جديدة قائمة على الاستثمارات الأجنبية والعربية وقبلها بطبيعة الحال الاستثمارات المصرية.

فى بداية التسعينيات أعلنت الحكومة فى ذلك الوقت أن لديها 314 شركة يمكن أن تدخل فى برنامج الخصخصة إما بيعا أو شراكة أو من خلال برنامج لتطوير الإنتاج.. كان حديث الحكومة دائما أنها سوف تسعى للتخلص بالبيع للمشروعات الخاسرة وكان من المقدر أنها تبلغ 60 شركة فقط وان لديها 254 شركة تحقق أرباحا..

فى هذا الوقت كانت تقديرات البنك الدولى أن قيمة هذه المشروعات يمكن أن تصل إلى 500 مليار جنيه.. وعندما بدأت عمليات البيع تراجعت هذه التقديرات من خلال مؤسسات مالية أخرى محلية ودولية بعضها قال أن التقديرات 124 مليار جنيه فقط بينما كان هناك رأى آخر يقول إنها 290 مليار جنيه.

وللأسف الشديد إن الحكومة لم تبدأ - كما وعدت - ببيع المشروعات والشركات الخاسرة بل إنها اندفعت بصورة غريبة نحو بيع المشروعات الكبرى خاصة الشركات الصناعية.

فى يوم من الأيام وفى بداية السبعينيات كنت فى زيارة لألمانيا مع د.عبدالمنعم القيسونى الاقتصادى والعالم الكبير وفى مطار فرانكفورت كنا نجلس فى انتظار الطائرة د.القيسونى ود.حامد السايح والسيد بدر حمدى والسيد جمال الناظر وعدد من رؤساء البنوك المصرية فى ذلك الوقت.. كان د.القيسونى فى هذا الوقت قد تولى مسئولية إنشاء المصرف العربى الدولى.. وطاف بعدد من دول أوروبا والدول العربية للتعريف بالبنك الجديد..

يومها سألت د.القيسونى عن حجم التأميمات والمصادرات التى تمت مع ثورة يوليو وبكم يقدر ثمنها فقال أكثر من 2000 مليون جنيه للمشروعات فقط بدون قيمة الأراضى الزراعية التى استولى عليها الإصلاح الزراعى. وهذا الرقم هو قيمة القطاع العام المصرى منذ خمسين عاما ولنا أن نتصور كم يساوى هذا المبلغ الآن؟.

المهم أن حكومات مصر تطبيقا لبرنامج الخصخصة قررت أن تبدأ ببيع المشروعات الناجحة التى تحقق أرباحا وليس المشروعات الخاسرة التى وعدت بها.

كان هذا هو أول أخطاء برنامج الخصخصة أن تبيع الدولة مشروعاتها الناجحة.. كان الخطأ الثانى فى عمليات تقييم هذه الأصول فقد افتقدت الأمانة والشفافية وبيعت كما يقولون بأقل من نصف ثمنها.

كان الخطأ الثالث أن الحكومة تركت للمشترين الجدد ومعظمهم من أصحاب مكاتب الاستيراد والتوكيلات التجارية وأعمال السمسرة الباب مفتوحا للشراكة العربية والأجنبية مع حقها فى بيع هذه الأصول أو تغيير نشاطها.. وقد ترتب على ذلك إغلاق أعداد كبيرة من المصانع والشركات أو تغيير نشاطها أو التخلص منها تماما وتحويلها إلى مشروعات عقارية..

كانت عمليات البيع تتم بسرعة غريبة فى سنوات قليلة تم بيع أفضل الصناعات المصرية وهى صناعة الغزل والنسيج والمشروعات التجارية.. وعدد من الفنادق وشركات الحديد والأسمنت والصناعات الدقيقة وشركات المياه الغازية ومصانع السكر والأسمدة والمواد الكيماوية ولو أننا أردنا أن نتوقف عند أسماء هذه المشروعات سوف نجد أعدادا كبيرة وهنا بدأ مسلسل تفكيك قلاع الصناعة المصرية التى أنشأتها الثورة وفتحت من خلالها ملايين الفرص للعمال ووفرت مئات السلع والخدمات.. وشهد المسلسل أحداثا كثيرة.

● كانت التقديرات ترى أن قيمة محال عمر أفندى تقترب من مليار و140 مليون جنيه حيث تضم 82 فرعا فى جميع المحافظات.. وبيع عمر أفندى بمبلغ 589 مليون جنيه وهناك قضايا أمام المحاكم الآن بين الحكومة والمستثمر السعودى الذى تلقى عرضا لشراء عمر أفندى من مستثمر قطرى بمبلغ خمسة مليارات جنيه ومازالت المفاوضات جارية.

● باعت الحكومة شركة بيبسى كولا المصرية بمبلغ 157 مليون جنيه فى عام 1994 لاثنين من المستثمرين أحدهما مصرى والآخر سعودى وقد باع المستثمران جزءا من الشركة بمبلغ 400 مليون دولار وكانت الشركة تضم عند بيعها 8 مصانع لتعبئة الزجاجات و18 خط إنتاج بطاقة 50 مليون صندوق وكانت تملك أسطول نقل كما أن مبيعاتها السنوية كانت تتراوح بين 70 و80 مليون جنيه ويعمل فيها ما يقرب من 4500 عامل.

● باعت الحكومة مصنع غزل شبين الكوم بمبلغ 170 مليون جنيه بالتقسيط المريح رغم أن التقييم الأساسى لسعر المصنع كان 325 مليون جنيه وكان فيه 5000 عامل.

● باعت الحكومة شركة الأهرام للمشروبات لإحدى الشركات الأمريكية بسعر 231 مليون جنيه وباعتها هذه الشركة بعد فترة قصيرة لشركة عالمية أخرى بسعر مليار و125 مليون جنيه ويعمل بها 3115 عاملا.

● باعت الحكومة 11 شركة كبرى من شركات الأسمنت من بينها شركة الأسمنت المصرية وشركة أسمنت أسيوط وقد وصلت أرباح هذه الشركات قبل بيعها إلى مليار و278 مليون جنيه والأغرب من ذلك أن هذه الشركات بيعت لشركات أجنبية بأسعار خرافية بعد ذلك ولم تحصل الدولة على شىء من هذه المكاسب.

● باعت الحكومة شركات المحمول التى تحقق الآن أرباحا بالبلايين حيث يبلغ دخل الشركات الثلاث 35 مليار جنيه سنويا.

بجانب هذا توجد عشرات الشركات التى بيعت ومنها شركة النصر للغلايات والمراجل البخارية ومصنع قليوب ومصنع النشا والجلوكوز وكانت التقديرات أن ثمنه 161 مليون جنيه وبيع لمستثمر كويتى بسعر 26 مليون جنيه وأقيمت فيه عمليات إحلال وتجديد قبل بيعه تكلفت 22 مليون جنيه.

بجانب هذا بيعت مصانع الحديد وشركات السيارات والفنادق والأسمدة وعشرات المحالج التى كانت تنتشر فى أرجاء المحروسة.. وكانت الكارثة الأكبر هى بيع معظم مصانع الغزل والنسيج ابتداء بمصنع شبين الكوم وانتهاء بالشركة الأهلية للغزل والنسيج وشمل مسلسل الخصخصة بيع شركات الغازات الصناعية والمطاحن والنيل للكبريت والأهلية للنشا والخميرة والنصر للأصواف ورويال للشيكولاتة والإسكندرية للغزل والنسيج والخزف والصينى وصناعة البلاستيك والعربية للغزل والنسيج وشركة الحرير بوليار وأراضى شركة النحاس بالإسكندرية.

إن قائمة المشروعات والشركات التى تم بيعها فى السنوات الماضية أهدرت أصول الاقتصاد المصرى ولا أحد يعرف قيمة هذه الأصول وما هى المبالغ التى بيعت بها وأين هذه الأموال؟.

لا أحد يعرف قيمة مبيعات برنامج الخصخصة منذ بدأ من عشرين عاما وفى أى المجالات تم إنفاق هذه المبالغ.. هناك من يقول إنها 35 مليار جنيه.. وهناك من يقول إنها أكثر من 80 مليار جنيه ولنا أن نتصور قيمة بنك الإسكندرية وشركة الاتصالات وقيمتها تزيد على 30 مليار جنيه.

هل تسربت هذه البلايين فى مشروعات الانفاق والكبارى والمجارى والمياه؟.. هل تم تسديد جزء من الديون منها؟.. هل دخلت فى حسابات المعاش المبكر لأكثر من 500 ألف عامل جلسوا فى بيوتهم وانضموا إلى طابور البطالة؟.. هل تم انفاقها على مكاتب المسئولين ورحلاتهم الخارجية ومهرجانات الحزب الوطنى؟ هل تم توزيع ثروة الشعب المصرى على عدد من الأفراد الذين ورثوا أصول هذا البلد؟.

إذا كانت الحكومة قد قررت وقف برنامج الخصخصة وبيع مشروعات جديدة فماذا عن حسابات الماضى؟.. هل نغلق الملفات وهل من حق أحد أيا كان موقعه أن يقرر توزيع ثروة شعب على عدد من الأشخاص؟.

فى تقديرى أن ملف الخصخصة لابد أن يفتح أمام الجميع وإذا لم يفتحه أحد اليوم فسوف يكون الحساب غدا وإن غدا لناظره قريب.

فاروق جويدة شاعر وصحفي مصري
التعليقات