فوز الإسلاميين.. خطر عليهم أم تحد لهم؟ - إكرام لمعي - بوابة الشروق
الخميس 25 أبريل 2024 1:08 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

فوز الإسلاميين.. خطر عليهم أم تحد لهم؟

نشر فى : السبت 31 ديسمبر 2011 - 8:45 ص | آخر تحديث : السبت 31 ديسمبر 2011 - 8:45 ص

فى المقال السابق أثرنا سؤالين للإجابة عنهما، الأول ما تأثير فوز الإسلاميين على غير الإسلاميين بجميع أطيافهم من الأحزاب والليبراليين وائتلافات الشباب والمسيحيين؟ والثانى ما تأثير فوز الإسلاميين على التيار الإسلامى ذاته. ولقد أجبنا عن السؤال الأول واليوم نجيب عن السؤال الثانى.

 

لقد جاءت أيضا نتيجة المرحلة الثانية من الانتخابات تؤكد فوز الإسلاميين بالأغلبية ولقد لقى هذا الفوز هجوما من الأحزاب الأخرى والقوى السياسية الليبرالية ومعظم ائتلافات شباب الثورة، وكان الهجوم على المخالفات التى ارتكبها الإسلاميون فى الدعاية أثناء الانتخابات والمعونات التى وزعت، ثم القول بأن نسبة الأمية بين الشعب المصرى 40 %، ثم انتقل الهجوم الى أن الإسلاميين ليس لديهم برنامج سياسى واقتصادى للحكم... إلخ، وانبرى رموز التيار فى الرد على المعارضين بأن هذه إرادة الأمة، وأن الشعب واع بكل اختياراته وأن لديهم برنامجا متكاملا للحكم، ولا شك أن الفوز مسئولية،وكلمة مسئولية بالإنجليزية responsibility وهى من أصل لاتينى يتكون من مقطعين response ويعنى رد الفعل وability ويعنى القدرة فالمسئولية هى القدرة على رد الفعل الصحيح،و رد الفعل هنا سلاح ذو حدين الأول أن يصاب الفائزون بالغرور ويكون رد فعلهم قاسيا على منتقديهم وفى سبيل فرض هويتهم على الدولة والمجتمع ينفردون بالقرارات وهنا يمثل الفوز خطورة على الفائزين وعلى الوطن، ومصر لا تحتمل صراعا من هذا النوع ويكفى ما تعانيه من صراعات داخلية وضغوط خارجية أما الحد الثانى للفوز فهو أن يعتبر الفائزون أن هذا النصر تحديا لهم ويخرجون أفضل ما لديهم ويتواضعون أمام كل من يمكنه مساعدتهم من خبراء، ويحاولون أن يقدموا نموذجا رائعا للحكم يمكن من خلاله أن يعاد انتخابهم فى المرة القادمة، وأمام الإسلاميين عدة تحديات نذكر منها ما يلى:

 

أولًا: تحدى القول بأن نتيجة الانتخابات لا تعبر عن الثورة ولا عن المصريين

 

على الإسلاميين قبول التحدى بإثبات فساد هذا الرأى فالذين يقولون ذلك يتحدثون عن أن شباب الثورة لم يرفع شعارات إسلامية وأن الإسلاميين دخلوا الميدان متأخرا، ولقد شارك فى الثورة النساء والأطفال والشيوخ والرجال فلم تتقيد بعمر ولا بنوع إجتماعى ولم تنحصر بالفقراء دون الأغنياء ولا برموز السياسة السابقين ولا المعارضة فقط فالثورة كانت ثورة الشعب كله وأن الانتخابات جاءت نتيجتها لصالح الإسلاميين بسبب النزعة الدينية لعموم الشعب المصرى فالشعب المصرى لم ينتخب برنامجا حزبيا سواء للإسلاميين أو لغيرهم،لكنه انتخب توجها معينا، ولأن الشعب المصرى يميل إلى التدين لذلك انتخب الإسلاميين لكنه الآن جاءت الفرصة للإسلاميين ليثبتوا بممارستهم على الأرض أنهم يعبرون عن جموع المصريين، وأنهم يتبنون شعارات الثورة، وأنهم سوف يخدمون مصر ويرتقون بها ويضعون برنامجا واضحا يشاركون فيه جميع القوى الوطنية، وسوف تصبح مصرعلى أيديهم نموذجا ناجحا يوضع بجانب نموذج ماليزيا وتركيا وإندونيسيا.

 

ثانيًا: تحدى طمأنة الداخل والخارج

 

لقد استخدم النظام السابق التيار الإسلامى كفزاعة للمسيحيين والليبراليين فى الداخل وللقوى الدولية فى الخارج على أساس أن الإسلاميين تهديد للسلم الداخلى والخارجى معا وأنهم لا يصلحون لتسلم السلطة إطلاقا،وأنهم إذا تسلموها لن يكونوا مسالمين بل أعداء مثلما يقال عن «القاعدة» والتنظيمات المتشددة... إلخ، وبناء على ذلك عضد الغرب الأنظمة الديكتاتورية رغم فسادها، لكن بقيام الثورة ونجاح الإسلاميين فى الانتخابات أصبح الغرب فى الخارج والمسيحيون والقوى الليبرالية فى الداخل وجها لوجه مع الإسلاميين وهكذا حدث فى تونس، لذلك كان لابد وأن يقوم الغنوشى بطمأنة الجماهير داخليا والقوى العالمية خارجيا فى أول خطاب له حيث قال: إن المشروع الثقافى ليس أولويتنا بل أولويتنا هى المشروع الاقتصادى والسياسى وهو محاربة الفساد ومنع نهب الثروات وفتح باب الاستثمار وتنمية الاقتصاد وتوفير فرص العمل، وحماية ممارسة الشعائر والمظاهر الدينية كحق للجميع، قال أيضا عبر سيدة سافرة جعلها متحدثة باسم الحزب إنهم سيحترمون مكتسبات المرأة التونسية بما فيها الأسرة التى تساوى فى الحقوق بين المرأة والرجل تماما.... إلخ وقد أدى هذا الخطاب إلى ارتياح حقيقى داخليا وخارجيا، وفى مصر نستطيع ان نرصد ان وضع المسيحيين مختلف فهم على علاقة ما بتيار الإخوان الإسلامى وهناك مسيحيون اعضاء فى حزب الحرية والعدالة وهنا سوف تكون الطمأنينة واجبة وحقيقية فى مواجهة التيار السلفى الذى يتحدث عن الجزية وفرض الشريعة الإسلامية والزى الإسلامى مما جعل شبحا ما حدث فى السودان والصومال يتراءى للمصريين جميعا دون استثناء، أما بالنسبة للخارج فعلى الإسلاميين أن يدركوا أن العالم يعيش فى قرية صغيرة، وأن المعاهدات ترتبط ارتباطا وثيقا بمنظمة الأمم المتحدة فهى ترتبط بالمجتمع الدولى ككل، ولذلك فمصر لا تستطيع أن تكون خارج هذا العالم الدولى لا فى جغرافيته ولا فى إلتزام مواثيقه ومعاهداته، لذلك عليهم أن يقدموا صياغة جديدة لدولة عصرية، مهما بلغت نسبة تمثيلهم النيابى وامتداده الشعبى الداخلى فمن المستحيل صنع صياغة لدولة خارجة عن القانون الدولى وإلا كانت الكارثة. إن التيار الإسلامى أمام تحدى التجاوب مع المطالب الداخلية من رفع شعار الشفافية ومحاربة الفساد والمواطنة والمساواة من ناحية وتحدى التجاوب مع المطالب الدولية من الناحية الأخرى ولا يستطيع أن يضحى بأحدهما.

 

ثالثًا: تحدى القبول بالتغيير والاجتهاد

 

عادة عندما يحاول الإسلاميون أن يتحدثوا عن الحرية الفردية للمواطن، والمساواة بين المسلم وغير المسلم أمام القانون، وحق المرأة وحريتها،والديمقراطية كأساس للحكم، يعودون إلى القرآن والسنة والسلف الصالح، ويعتبرون أن هذه كلها قد وقعت فى التاريخ الإسلامى على طول الزمن، ويرفضون أى نقد لفقهاء التشدد الذين أيضا يعودون للنصوص المقدسة، وبلا شك أن النصوص المقدسة تحتوى على كل ما يدعو للخير والجمال والمساواة والعدالة فى المجتمعات لكن المشكلة تكمن فى التفسير والفقه، فالتفسير والفقه يختلفان من زمان لزمان ومن مكان لآخر، وصحيح أن التيارات الإسلامية وعلى رأسها حزب النهضة والإخوان المسلمون ينحازون للفقه المنفتح والمستنير التاريخى، لكن التحدى الحقيقى اليوم هو ليس الانحياز للتفسيرات والفقه التاريخى مهما كان رائعا ويصلح للعصر، لكن لفتح باب الاجتهاد هنا والآن، وتشجيع الفقهاء المحدثين لكى يقدموا لمصر والعالم ما يسمى فقه إسلامى عربى مصرى معاصر، وهناك من يقول ردا على ذلك أنه لا يوجد إسلام عربى وآخر غير عربى أو إسلام مصرى وإسلام غير مصرى فالإسلام هو الإسلام، كما يقول المسيحيون المسيحية هى المسيحية لكن الواقع يقول إن هناك مسيحية شرقية وأخرى غربية، مسيحية تقليدية وأخرى مصلحة... إلخ، وأيضا هناك إسلام بدوى وآخر حضرى، هناك النموذج الوهابى للإسلام والنموذج الإيرانى، والنموذج السودانى، إنه تفسيرالإنسان للنص على الأرض والذى يتغير بتغير الزمان والمكان، لا شك أن النموذج المصرى الإسلامى الذى نراه فى وسطية الأزهر هو المعبر عن روح الشعب المصرى فى تسامحه وقبوله للآخر، ونحن لا نريد أن يكون ذلك قادما من بطون كتب التاريخ دون تقديم اجتهادات معاصرة لقضايا لم تكن فى أزمان ماضية، مثل قضية العولمة والمواطنة والإنترنت والفيس بوك، وتقسيمات البشر والعنصرية، ودور المرأة المعاصر...إلخ. بالطبع لا يستطيع أن يقوم بذلك إلا فقهاء معاصرون قادرون على المزج بين التراث والمعاصرة، وتقديم فقه مصرى عربى إسلامى معاصر ونفس الشىء يوضع كتحدٍ أمام العلماء من المسيحيين، فالمسيحيون يحتاجون إلى لاهوت مصرى عربى معاصر، ولا شك أن مسيحيى ومسلمى مصر يتفقون على أنهم يعيشون حضارة إسلامية عربية مصرية واحدة وفى هذا الجانب سيكون الاتفاق كاملا بين الفقهاء واللاهوتيين وعندما تصبح الحضارة الإسلامية العربية المصرية اساسا للاهوت والفقه فسيكون ذلك فتحا جديدا لفهم الدين فى ضوء الحضارة (الزمان والمكان والإنسان)، وإذا حدث ذلك فسوف تقود مصر لا العالم العربى فقط بل العالم كله بتقديم نموذج متكامل فريد لصياغة حضارية لتفاعل الإسلام والمسيحية من خلال التراث الحضارى المصرى العربى الإسلامى وسيكون ذلك أبلغ رد على الإسلاموفوبيا والمسيحية الصهيونية فى الغرب والعالم.

 

فهل يقبل الإسلاميون والمسيحيون السياسيون منهم وغير السياسيين من العلماء هذا التحدى لأجل مصر؟

إكرام لمعي  أستاذ مقارنة الأديان
التعليقات