تسونامي الخوف.. «الشروق» ترصد أوضاع متلقي الدعم النفسي في زمن كورونا - بوابة الشروق
الجمعة 26 أبريل 2024 5:59 ص القاهرة القاهرة 24°

الأكثر قراءة

قد يعجبك أيضا

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

تسونامي الخوف.. «الشروق» ترصد أوضاع متلقي الدعم النفسي في زمن كورونا

عبدالله قدري
نشر في: الأحد 7 يونيو 2020 - 10:48 ص | آخر تحديث: الأحد 7 يونيو 2020 - 11:12 ص

قبل انتشار عدوى فيروس كورونا المستجد في مصر، كانت ليلى – فتاة عشرينية، تتردد مرتين شهريا على طبيب نفسي، لمعالجة الآثار النفسية المرتبطة بمرض التصلب المتعدد الذي تعاني منه، لكن مع تفشي العدوى وفرض حظر التجوال، امتنعت ليلى عن الذهاب إلى الطبيب النفسي خوفا من الوباء.

تقول ليلى لـ"الشروق": كنت أذهب إلى الطبيب، أتحدث معه عن المشاكل النفسية التي تلازمني مثل الاكتئاب والتوتر وقلة النوم، وكنت أحاول الوصول معه إلى حلول لبعض المشاكل الأسرية، لكن مع انتشار الفيروس امتنعت عن الذهاب لأن مناعتي ضعيفة، وهو ما يجعلني أكثر عرضة للإصابة بكورونا".

التصلب المتعدد مرض عصبي مزمن يصيب الجهاز العصبي المركزي بجسم الإنسان، وترتبط به أمراض نفسية أخرى مثل الاكتئاب والتوتر والقلق واضطرابات النوم بنسب متفاوتة، حسبما أشارت إليه مصادر صحية متعددة.

ويُعرف التصلب المتعدد اختصارًا بـ(MS)، وهو مرض مناعي يصيب المخ والحبل الشوكي والأعصاب البصرية، فيسببب خللا في نقل الإشارات العصبية إلى الجسم، ويؤثر المرض على مناعة الجسم ويجعلها أكثر عرضة للإصابة بالفيروسات، وهو ما تخشاه ليلى من تعرضها للإصابة بفيروس كورونا "اختلفت حياتي بعد فيروس كورونا، لم أعد أخرج من البيت إلا للضروره فعلا، لأن مناعتي ضعيفة، والسبب الوحيد الذي يجعلني أغادر البيت هو الحصول على العلاج من مستشفى الطلبة بالجيزة، وهذا يحدث مرة واحدة كل شهر".

إضافة إلى ذلك، لم تعد ليلى تذهب إلى الطبيب النفسي منذ فترة كبيرة، لازمت البيت، مع أخذ إجراءات احترازية شديدة في بيتها ومع جيرانها "ما يخيفيني هو عدم تعامل الجيران مع الفيروس بجدية، هذا قد يعرضني للإصابة"، تضيف الفتاة العشرينية.

الخوف لدى ليلى من كورونا أصبح مضاعفا، سبّب ذلك هاجسا لها كما تقول حتى في مرحلة ما بعد كورونا "الخوف أصبح يلازمني، وأثر نفسيا علي، اعتقد أنني لن أصبح مثل الأول، سأظل خائفة من ركوب المواصلات، من السلام على الأشخاص أو الدخول في أي تجمعات حتى بعد انتهاء كورونا"، حسبما تقول.

ومثل ليلى، تحدثت حالاتان إلى "الشروق" عن أوضاع متلقي الدعم النفسي في ظل تفشي عدوى فيروس كورونا المستجد، وكيف أثرت الأجواء المحيطة بالفيروس مثل حظر التجول، عن برنامج العلاج النفسي لهم، وترددهم على المصحات النفسية.

وفي مصر ما لايقل عن 8 ملايين شخص يعانون من اضطرابات نفسية، وفق إحصائيات صادرة عن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء والمركز القومي للبحوث الجنائية، كما أن عدد الأسرّة في المستشفيات النفسية تبلغ 8600 سرير واحد لكل 64 ألف نسمة، حسب تصريحات سابقة لعالم النفس الدكتور أحمد عكاشة رئيس الجمعية المصرية للطب النفسي.

وهناك ثمانية عشر مستشفى تقدم خدمة الطب النفسي وعلاج الإدمان في معظم محافظات مصر، أبرزها مستشفى العباسية ومستشفى حلوان ومستشفى مصر الجديدة ومستشفى الخانكة ومستشفى المعمورة، وتقع جميعها تحت إشراف الأمانة العامة للصحة النفسية، التي تخضع للإشراف المباشر من وزير الصحة.

منار فتاة عشرينية تعول أمها (سيدة خمسينية)، التي تعاني من مرض ثنائي القطب، وهو مرض اضطراب نفسي شديد ناتج بشكل أساسي عن خلل في الموصلات الكيميائية بالمخ، ويظهر على المرضى في صورة تقلب المزاج والعاطفة ومستوى النشاط، وللمرض أعراض مرضية مثل نوبة الهوس، وتشتت الانتباه، وتطاير الأفكار، إضافة إلى نوبة الاكتئاب وتقلب المزاج، حسب تعريف الأمانة العامة للصحة النفسية في مصر.

من هذه الأعراض الناتجة عن مرض ثنائي القطب، تخشى منار على والدتها، خاصة مع متابعة والدتها لأخبار فيروس كورونا: "وجدت أمي تركز على أخبار كورونا، ودائما على اتصال مع الأقارب للاطئمنان عليهم، هذا الأمر أقلقني، حيث لاحظت على أمي أنها اقتربت من الدخول في انتكاسة بسبب القلق المحيط بها من الفيروس، لكني سريعا بادرت في طمأنتها واحتوائها"، تقول منار لـ "الشروق".

يقع على عاتق منار يوميا مراعاة والدتها، وتجنب تعرضها لأخبار إصابات ووفيات فيروس كورونا، وتشرح لها طرق الوقاية، وكيف أن الفيروس سيكون هشا في حال مراعاتنا للإجراءات والإرشادات الوقائية من كورونا، هذا روتين يومي تسير عليه منار نحو والدتها حتى لا تدخل في نوبات هوس أو اكتئاب أو سرحان أو وجوم، كما تقول.

أما عن المتابعة مع الطبيب النفسي، كانت منار تذهب مع والدتها شهريا إلى مستشفى العباسية للأمراض النفسية والعقلية، للعرض على الطبيب، وتجديد العلاج المناسب لها حسب مستجدات الحالة كل شهر، لكن بعد فيروس كورونا تغير الحال، أصبحت منار تذهب مع والدتها إلى المستشفى كل شهرين أكثر، ولم تعد تُعرض على الطبيب كما كان سابقا.

"الآن لا يُسمح للمرضى لمقابلة الأطباء إلا في حالة الطوارىء، يُنادى على المريض من الخارج، فيتسلم مساعد الطبيب الكارت الخاص بالحالة المرضية، يتابعه الطبيب، ويُصرف لنا دواء شهرين أو ثلاثة أشهر دون العرض على الطبيب، وذلك تجنبا للزحام وتقليل فرص العدوى".

علاج مرضى ثنائي القطب داخل المستشفيات النفسية قد يكون ضرورة في بعض الحالات، لذلك يتطلب توعية أهل المريض بأعراض المرض والأعراض الجانبية للرجوع إلى الطبيب في حال حدوث أي تغيير، وهو ما تعلمته منار مع والدتها " منذ صغري وأمي تعاني من هذا المرض، فلذلك أصبح لدي خبرة في التعامل معها حال حدوث أي تغيير مفاجيء في حالتها النفسية، وبالفعل أستطيع التخفيف عنها والتقليل من حدة الأعراض الملازمة للمرض".

مثل والدة منار، تعاني نور من مرض اضطراب ثنائي القطب والشخصية الحدية، تذهب أسبوعيا إلى مصحة النيل بالمعادي للعرض على الطبيب، لكن هذا الوضع تبدل بعد وباء كورونا "لم أعد أذهب إلى الطبيب مثل السابق، خفت النزول إلى الشارع، فاستشرت الطبيب، فأمرني بعدم النزول إلى الشارع خوفا من العدوى"، تقول نور لـ"الشروق".

تحاول نور مكافحة الأخبار المقلقة عن فيروس كورونا لأنها "تؤذيني نفسيا"، تتغلب نور على ذلك بمارسة بعض الأنشطة الترفيهية، مثل الغناء في ورشة أعدت لذلك رفقة زملاءها، لكن هذا أيضا تأثر بفعل كورونا ومواعيد حظر التجول المفروضة من الثامنة مساء حتى السادسة صباحا: "حاولنا نعقد ورشة الغناء أونلاين لكن هذا فشل بسبب مشاكل تقنية، فقررنا الالتقاء خارج الاستوديو، مع اتباع تدابير التباعد الاجتماعي وخلع الأحذية، وتقديم ميعاد الورشة إلى الصباح حتى لا تتعارض مع مواعيد الحظر".

" التباعد الاجتماعي والعزل المفروضة جراء كورونا زادت من أعداد المصابين بأمراض نفسية وأمراض القلق العام بشكل كبير"، هكذا عبرت الدكتورة أسماء عبد الوهاب عيسى استشاري الطب النفسي وعلاج الإدمان في حديثها إلى "الشروق" عن تأثير كورونا على متلقي الدعم النفسي أو المرضى النفسيين.

وتقول استشاري الطب النفسي لـ"الشروق"، إن الخطوات التي وضعها أطباء الصحة النفسية للمرضى النفسيين من ممارسة الرياضة يوميا، والذهاب إلى المكتبة، والدعم الأسري والأدوية المعالجة، كل هذا البرنامج تدمر الآن بسبب كورونا "المريض أصبح ملازما للسرير، لا يخرج ولا يختلط بأحد، هذا الأمر زاد من حدة الاكتئاب".

وقالت إن الأشخاص الذين يعانون من اضطراب الشخصية الحدية أو الوسواس القهري، هم الأكثر عرضة لتأثيرات إجراءات كورونا النفسية، والتي قد تصل إلى حد الانتحار، على حد تعبيرها.

ونصحت عيسى، المرضى النفسيين والمرافقين لهم باتباع الخطوات التالية: تقليل متابعة أخبار فيروس كورونا، العيش في روتين يومي وبرنامج ترفيهي ثابت، الالتزام بهدف يسير عليه المريض يوميا، المتابعة مع الطبيب النفسي، والاتصال بالخط الساخن للصحة النفسية 0800888700 - 0220816831.

- أسماء متلقي الدعم النفسي المذكورة في التقرير جميعها مستعارة حفاظا على خصوصية الحالات.



قد يعجبك أيضا

شارك بتعليقك