أعلن مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار بمجلس الوزراء عن بدء تنفيذ خطة شاملة للتعامل مع الكلاب الضالة، بهدف تحقيق التوازن البيئي وحماية صحة الإنسان، مع التأكيد على أن الخطة تعتمد على إجراء عمليات تعقيم رحيمة عبر استئصال رحم أنثى الكلب لضبط معدلات التكاثر، وعدم اللجوء نهائيا إلى السموم في السيطرة على الأعداد بعد وقف تداول المادة السامة المستخدمة سابقا منذ أكثر من 5 أعوام.
ومن هذا المنطلق، تناقش دكتورة ندى النجار الطبيبة البيطرية من خلال حديثها لـ"الشروق" مدى قدرة هذه الخطة على معالجة الأزمة، وأسباب انتشار الكلاب الضالة وتزايد المخاوف المرتبطة بمرض السعار.
التعقيم والتطعيم.. الأساس الحقيقي للسيطرة على أعداد الكلاب
قالت دكتورة ندى النجار، إن استراتيجية التعقيم مع التطعيم التي اعتمدتها الدولة ضد السعار تعد من أكثر الوسائل فاعلية للحد من انتشار الكلاب الضالة، موضحة أن وقف التكاثر هو المدخل الأول لحل الأزمة من جذورها إلى جانب أهمية تحصين الكلاب الموجودة بالفعل ضد الأمراض وعلى رأسها مرض السعار.
وأضافت أن هذه الجهود لا يجب أن تظل حبيسة الحملات البيطرية فقط، بل يجب أن يصاحبها نشاط توعوي واسع النطاق لتغيير نظرة المجتمع لكلاب الشوارع والحد من العنف الممارس ضدها سواء بالضرب أو القتل لما لذلك من تأثير مباشر على منظومة السلامة المجتمعية.
توقف الحملات والتوسع العمراني.. أسباب خفية وراء زيادة الأعداد
وأوضحت النجار أن زيادة أعداد الكلاب لا تحدث فجأة، بل تأتي نتيجة عوامل تراكمية من أبرزها توقف حملات التعقيم في بعض الفترات، ما يسمح بعودة التكاثر بشكل عشوائي إلى جانب التوسع العمراني خلال السنوات الأخيرة.
وأشارت إلى أن كثيرا من المناطق التي كانت صحراوية أو مأوى طبيعيا للكلاب تحولت إلى مناطق سكنية وهو ما أدى إلى احتكاك مباشر ومستمر بين البشر والكلاب دون وجود خطط موازية لإدارة هذا التغير البيئي.
العنف يولد الشراسة
وأكدت أن العنف ضد الكلاب هو أحد الأسباب الرئيسية لتحول بعض السلوكيات إلى عدوانية، موضحة أن الكلب كائن حي يتأثر بالتجارب الصادمة مثل الإنسان وقد يصاب بصدمات نفسية تجعله أكثر دفاعية وعدوانا مع مرور الوقت.
ولفتت إلى أن سوء المعاملة يصنع داخل الكلب حالة ربط شرطية بين الإنسان والأذى وهو ما يفسر ردود الفعل العنيفة لدى بعض الكلاب تجاه البشر، مؤكدة أن الرحمة في التعامل تنتج سلوكا أكثر استقرارا وأمانا من أي وسيلة قهر أو عنف.
حملات الإطعام.. نية حسنة ولكن التطبيق خاطئ أحيانا
وتابعت النجار أن حملات إطعام الكلاب فعل إنساني في جوهره لكنها قد تتحول إلى ضرر غير مقصود في حال تقديم طعام غير مناسب، مثل الأطعمة شديدة الدهون أو غير المطهية التي قد تحتوي على بكتيريا ضارة.
وأردفت أن العظام خاصة الكبيرة أو الصلبة قد تتسبب في مشكلات صحية خطيرة للكلاب من كسور أو انسدادات، مشددة على أهمية الوعي بنوعية الطعام وليس الاكتفاء بحسن النية فقط.
أما عن تساؤل البعض عن تأثير أنواع الطعام على السلوك، فأوضحت أن الإطعام لا يمكن أن يحول كلبا مسالما إلى عدواني، لكنها لفتت إلى أن التزاحم أثناء الأكل قد يسبب شجارات بين الكلاب دون أن يكون الطعام نفسه عامل عدوان.
وأكدت أن هناك دراسات حديثة حول ما يعرف بمحور "الأمعاء – الدماغ" لدى الكلاب، مشيرة إلى أن العلاقة بين الغذاء والحالة النفسية حقيقة علمية لكنها لا تجعل من الطعام سببا مباشرا للشراسة.
الحل ليس في الإيذاء.. بل في الإدارة والتبني
وقالت النجار، إن الحل الفعلي يبدأ بتكامل عدة إجراءات تشمل التعقيم والتطعيم ونقل الحالات المحتاجة إلى دور الإيواء، إلى جانب إطلاق حملات تشجع على تبني الكلاب بدلا من شرائها.
وأضافت أن التوعية يجب أن تبدأ من الأطفال، لتعريفهم بأن العنف ضد الحيوان سلوك غير إنساني، وأن الرحمة ليست ضعفا بل وعيا ومسؤولية.
السعار.. بين الحقيقة والتهويل
وحول مرض السعار، أشارت النجار إلى أن هناك قدرا من التهويل غير المبرر حول انتشاره، موضحة أنه مرض متوطن في مصر بالفعل، لكنه ليس بالانتشار المخيف الذي يصوره البعض.
واستطردت أن المشكلة الحقيقية تكمن في غياب الإجراءات العلمية الدقيقة في كثير من الحالات، حيث لا يتم اختبار الكلب المشتبه به أحيانا أو عزله للمراقبة الطبية، ويتم الاكتفاء بنشر الذعر وإلصاق التهمة بالسعار مباشرة.
وأكدت أن التعامل العقلاني والعلمي مع المرض ضرورة، بدلا من استخدامه كمبرر للخلاص السريع من الكلاب عبر القتل.
واختتمت تصريحاتها بالتأكيد على أن الكلاب جزء طبيعي من البيئة، وأن وجودها لا يشكل خطرا طالما تم التعامل معها برحمة وعطف. وأضافت أن التجربة أثبتت أن الكلاب التي تعامل بلطف تكون أكثر أمانا وهدوءا، في حين أن القسوة لا تنتج سوى مزيد من العنف وعدم الاستقرار في الشارع.